صحف..

الحطب ملاذ اليمنيين مع اشتداد أزمة فقدان الغاز المنزلي

"أرشيفية"

بروكسل

 قوض شح الأسواق اليمنية من مادة غاز الطهي المعبأ في الأسطوانات حياة المواطنين بمختلف مناطق البلاد وهم على أبواب شهر رمضان، مما عمق المخاوف من تأزم معيشتهم أكثر مما هي عليه.

ويسرد أحمد حسان من سكان تعز التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، همّه المستمر وكفاحه لتوفير الغاز المنزلي، قائلا لوكالة الأنباء الألمانية “تعجز كلماتنا ومشاعرنا عن وصف المعاناة التي نتجرعها كل يوم في سبيل الحصول على أسطوانة غاز لطهي الطعام”.

وتأتي الشكوى المكسوة بخليط من الأوجاع إثر أزمة يعانيها اليمن لتوفير الوقود دفعت الناس إلى استخدام الحطب، منهم حسان الذي يعمل موظفا حكوميا في تعز جنوب غرب البلاد.

وتتعمق أوجاع اليمنيين الذين يعيشون في الغالب تحت خط الفقر، فيلجأون إلى طرق بديلة لطهي الطعام، كاستخدام الفحم والحطب، رغم الأمراض التي يسببها دخانه، وأيضا الوقت والجهد والمال في توفير هذه المواد المرهقة.

ولاحظ البعض ازدهار تجارة الحطب، حيث بات خشب الأشجار مصدرا بديلا للطاقة لسكان بلد فقير يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم في ظل تضخم قاس وعملة منهارة حيث يصرف الدولار بنحو 1260 ريالا، مع انعدام الخدمات الأساسية.


وتفجرت الأزمة جراء نقص الحصص المخصصة من شركة الغاز الحكومية وتلاعب الوكلاء بعدد الأسطوانات وتضاعف السعر في المحطات الرسمية، بالإضافة إلى انتشار السوق الموازية.

وقال حسان، وهو أب لثلاثة أولاد، إن “الحصة المخصصة من شركة الغاز لحيّنا كانت 180 أسطوانة، يأخذ منها المسؤول عن توزيعها 30 أسطوانة يبيعها شهريا في الأسواق السوداء”.

ويتم توزيع الأسطوانات على مدى ثلاثة أشهر أو أكثر جراء تقسيم السكان إلى مجموعات وفي كل دفعة يأخذ المسؤول 120 أسطوانة فقط من المواطنين مع الأسطوانات التي خصصها له.

وأكد حسان أن الموزع يبيع الواحدة منها إلى أصحاب المطاعم بسعر 15 ألف ريال (11.9 دولار وفق سعر الصرف الرسمي)، أي حوالي ضعف السعر الرسمي.

وأضاف “خلال هذه الفترة ألجأ إلى شراء فحم أستخدمه في طهي الطعام، رغم أنه يسبب أضرارا صحية على أطفالي ومشكلات مع مؤجر المنزل”.

وقدم المواطنون العديد من الشكاوى لشركة الغاز والسلطة المحلية ولم يتم التعامل مع هذه المشكلة للحد من هذا التلاعب.

وقال حسان إن “رمضان أوشك على الاقتراب”، وهو ما زال يستخدم الفحم خفية من المؤجر، ويتمنى أن تحل أزمة الغاز، ويتم تشكيل لجان محايدة تهتم بمراقبة كافة المتلاعبين فيه.

وتزداد معاناة اليمنيين مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية في ظل الفقر الكبير، والبطالة التي يشكو منها معظم السكان، فيما أزمة الغاز واحدة من أزمات متراكمة.

ويؤكد سلطان قائد الذي يعيل العديد من الأفراد في تعز، أكثر المحافظات سكانا، أن أزمة الغاز أثرت على حياته المعيشية بشكل كبير جراء محدودية الأسطوانات التي تقدمها شركة الغاز، وارتفاع الأسعار.

وقال “قبل ثلاثة أيام انتهت أسطوانتي، وعدت إلى استعمال الحطب كونه الحل الأنسب، ولتوفر الأشجار بجوار المنزل الذي أسكن فيه” لارتفاع سعر الكيلوغرام من الغاز إلى ألف ريال (قرابة دولار).

وتابع “شهر رمضان أقبل وما زلت أستعمل الحطب وأخشى أن ينفد كون الأشجار التي احتطبتها لم تنبت بعد ولا أمتلك نقودا للشراء”.


وما قد يفاقم معاناة الناس هو هاجس اختفاء المصادر البديلة، إذ يستخدم أصحاب المخابز في المدن الحطب بشكل كبير في صناعة الخبز يوميا وقد يسبب أزمة في الرغيف.

وبسبب نقص الغاز، يستعمل سكان القرى الحطب بشكل رئيسي، كونه متوفرا بكثرة بالأراضي التي يعيشون عليها. ويقول هائل محمد وهو أب لسبعة أبناء ويعمل في البناء إن الناس يخصصون له غرفا خارج المنازل يسمونها “مناديد” يتم فيها طهي الطعام يوميا.

وأضاف “نستخدم الغاز فقط خلال أيام الأمطار والأوقات الطارئة، كزيارة قريب أو ضيف إلينا، ولا نعتمد عليه بشكل رئيسي كونه ينقطع لفترات طويلة جدا ويباع لنا بأسعار مرتفعة عن المدن”.

وأكد أن سكان المدن يجدون صعوبة في طهي طعامهم كونهم يعتمدون على الغاز ولا يجدون أماكن خارج منازلهم لاستعمال طرق بديلة كالفحم والحطب، وإن استخدموا طرقًا أخرى فلن يستطيعوا تفادي مخاطر حدوث الأضرار.

ويرى الكثير من اليمنيين أنه مع قرب شهر رمضان تتفاقم الأوضاع المعيشية وترتفع أسعار المواد الغذائية وتختلق العديد من الأزمات وتنتعش الأسواق السوداء.

ويرى الصحافي المتخصص في الشأن الاقتصادي وفيق صالح أن افتعال الأزمات المعيشية ومنها أزمة الغاز المنزلي في المحافظات اليمنية أصبح عادة سنوية مع قدوم شهر رمضان.

وقال لوكالة الأنباء الألمانية “نجد أن حدة الأزمات تتفاقم على المواطنين مع قرب شهر رمضان في ظل غياب التدخلات الحكومية للحد من هذه التداعيات على السكان”.

وتابع “ها هم اليمنيون يستقبلون شهر الصوم على وقع أزمات معيشية متلاحقة، وتضخم غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات نتيجة للتحديات والمعضلات التي يعاني منها الاقتصاد وسوء الإدارة الحكومية وحرب الحوثيين على الاقتصاد وعلى المواطنين”.

11.9
دولار سعر أسطوانة الغاز سعة عشرين كيلوغراما في الأسواق، وهو ضعف سعرها الرسمي

وأضاف “لا يكاد يختلف حال اليمنيين في مختلف المحافظات مع هذه الأزمات المعيشية التي تنغص حياتهم، لكن ما يعانيه سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين يبدو أكثر قسوة ومرارة”.

وبحسب رأيه ما تزال الرواتب متوقفة للعام السابع على التوالي، فضلا عن تعمد خنق المواطنين بأزمات أساسية في العيش.

وتشهد العاصمة وبقية المناطق المجاورة لها أزمة جديدة في الوقود والغاز المنزلي، وسط انتعاش الأسواق السوداء التي تبيع هذه المواد بأسعار مضاعفة وبشكل غير مبرر رغم تدفق المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وذكر صالح أن “سعر أسطوانة الغاز وصل إلى 11 ألف ريال من فئة العملة القديمة التي يتم تداولها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ما يعادل 20 دولارا، في ظل انعدام توفره واستمرار منع البيع المباشر للمواطنين من النقاط الرسمية”.

وقال “عادة ما تستحدث جماعة الحوثي أزمة غاز الطهي في مختلف المناسبات الدينية، خصوصا شهر رمضان، حيث تحاول افتعال الأزمات وبيع مخصصات الغاز للمواطنين في السوق السوداء، وجني أرباح هائلة، دون إدراك لمعاناة المواطنين التي تتفاقم”.

وخلال سنوات الحرب قفزت أسعار الغاز المنزلي في السوق من 1950 ريالا للأسطوانة التي تزن عشرين كيلوغراما نهاية 2014 إلى سبعة آلاف ريال في عام 2019، لتزيد إلى ثمانية آلاف ريال خلال عام 2020، ونحو تسعة آلاف ريال عام 2021.