تونس تتجه لإقرار ضرائب على الأغنياء والشركات لمواجهة الأزمة المالية

التعويل على الذات

تونس

 دعا الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى فرض ضرائب إضافية على الأغنياء بدلا من قرار رفع الدعم عن المواد الأساسية، في خطوة يقول خبراء في المجال إنها غير كافية لمواجهة الأزمة المالية، مطالبين بأن تبحث الحكومة التونسية عن إجراءات أكثر فاعلية كي لا تضطر للجوء إلى صندوق النقد.

وأكد الرئيس سعيد في لقاء له مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن “ضرورة تحقيق التوازن المنشود بتصور طرق جديدة تقوم على أساس العدل وحفظ السلم الأهلي”، وفق بيان للرئاسة التونسية جاء على موقعها في فيسبوك.

واستشهد بالقول المأثور عن الصحابي عمر بن الخطاب الذي قال فيه “لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء”.

وقال سعيد “بدل رفع الدعم تحت مسمّى ترشيده، يمكن توظيف أداءات (ضرائب) إضافية على من يستفيدون دون وجه حق بدعم العديد من المواد (في إشارة للأغنياء) ودون الخضوع لأيّ إملاءات خارجية (لم يحددها)“.

ويرفض الرئيس التونسي أي نصائح من صندوق النقد الدولي تحث على البدء بتقليص الدعم ووضع سقف زمني واضح لرفعه تماما خاصة ما تعلق بدعم المحروقات.

ويجد كلام الرئيس سعيد بشأن رفض فكرة التخلص من الدعم دعما واسعا في تونس، وهذا مفهوم ومنطقي، فليس هناك دولة في العالم تستطيع تجاوز الدعم. من ذلك أنه وخلال جائحة كوفيد صار الغرب يوزع أموالا كرواتب تعويضية ومنح غاز وكهرباء لتعويض الناس عن الخسائر التي لحقت بهم ومساعدتهم في الظروف الصعبة.

وإذا كان تجاوز الدعم خطا أحمر بالنسبة إلى الرئيس سعيد، فإن زيادة الضريبة على الأغنياء قد تكون حلا ضروريا إلا أنها لا تكفي لوحدها لمواجهة الأزمة المالية، فضلا عمّا قد يصاحبها من تذمر لدى المستثمرين ورجال المال الذين عانوا خلال السنوات العشر الماضية من سوء إدارة الدولة ومن ملف المصالحة الذي بدا وكأنه يحمّلهم مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلاد دون سواهم.

ويرى الخبراء أن من حق الدولة أن تلجأ إلى زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات، لكن عليها بالمقابل أن تبدأ مرحلة جديدة من التقشف الحكومي وأن تحد من الإنفاق في الوزارات والمؤسسات العمومية على المستوى المركزي والجهوي والمحلي.

ورغم المطالبات المتجددة، فإن الحكومة التونسية لم تبادر إلى خطوات فعالة بشأن الآلاف من السيارات الحكومية التي تسلم لكبار الموظفين والكوادر الوسطى، والتي تضاعف الأعباء على موازنة الوزارات مع ارتفاع أسعار البنزين، وسط دعوات لتقليص أعدادها ومنح كوبونات البنزين المجانية للموظفين حين يكونون مباشرين لعملهم وليس في تنقلاتهم الخاصة.

ولا يمكن للضرائب على الأغنياء أن تحل المشاكل إذا استمرت الحكومة في إنفاق الأموال التي تجمعها سواء من الضرائب أو القروض لدفع الرواتب، وشراء السلم الاجتماعي من خلال كسب ود اتحاد الشغل وضخ الزيادات للقطاع العام وإسكات مطالب لا تتوقف أبدا، بدلا من ضخها في الاستثمارات.

كما أن الأرقام التي تطلبها تونس من صندوق النقد (1.9 مليار دولار) ليست كبيرة، ويمكن تحصيلها إذا تحرك الإنتاج من خلال التنمية والاستثمار، لكنها ستكون كبيرة إذا كان الحصول عليها أشبه بغرامة على الأثرياء.

وتواجه تونس ضغوطا للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج القرض مقابل حزمة إصلاحات جوهرية للاقتصاد. ولكن الخلاف يحوم حول مراجعة نظام الدعم بالحد منه أو إلغائه، وهو ما رفضه الرئيس سعيد صراحة.

ورفض الرئيس التونسي مرارا الشروط التي يضعها صندوق النقد كمقابل لتقديم الدعم لتونس. وقال في تصريحات سابقة إن “الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى المزيد من التفقير مرفوضة”.

وأضاف سعيد ”السلم الأهلية ليست باللعبة أو الأمر الهين”، مذكرا بأحداث “ثورة الخبز” التي اندلعت في عام 1984 بتونس لدى قرار الحكومة آنذاك مضاعفة أسعار الخبز ما أدى إلى صدامات في الشوارع وسقوط قتلى.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية – الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير 2022.

وخلال مايو الماضي، بلغ التضخم نحو 10.01 في المئة، فيما ارتفعت نسبة البطالة خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 16.1 في المئة، مقابل 15.2 في المئة في الربع الرابع من العام الماضي، وفق أرقام رسمية.

وفي يناير الماضي، قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي إن تقديرات البنك تؤشر لارتفاع التضخم في 2023 إلى 11 في المئة صعودا من 8.3 في المئة في 2022.