الجزائر: القطب الإخواني الصاعد يستهجن "التشويش السياسي" على مشروع تبون

استهجن عبدالقادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني محاولة القضاء السويسري الأخيرة لفتح ملف “العشرية السوداء” في الجزائر من خلال محاكمة الجنرال المتقاعد خالد نزار بهدف الابتزاز، في خطوة للتشويش على المسار السياسي للسلطة في ظل التجاذبات الاجتماعية القائمة في الجزائر خلال الفترة الأخيرة.

القضاء السويسري يلاحق وزير الدفاع السابق في الجزائر

الجزائر

استنكر رئيس حركة البناء الوطني ومرشح الانتخابات الرئاسية السابقة عبدالقادر بن قرينة التشويش على الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لعرقلة مساره السياسي. وإن لم يكشف عن هوية المشوّشين، فإنه هاجم صراحة القضاء السويسري على خلفية توجيهه لتهم “ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” لوزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار.

وانتقد زعيم الذراع السياسية الإخوانية الصاعدة من وصفهم بـ”الخلاطين”، ويعني بذلك ناشري الفوضى الذين يعرقلون المشروع السياسي للرئيس تبون، ويسعون إلى إفشال طموحه السياسي خارج الأطر الشرعية والدستورية، في إشارة إلى التجاذبات التي طفت على سطح المشهدين الاقتصادي والاجتماعي الحاملين لمنصة الاستقرار في البلاد.

ورغم أن الرجل كان منافسا للرئيس تبون في انتخابات نهاية العام 2019، إلا أنه بات أكثر اندفاعا للدفاع عن السلطة وحتى ناطقا سياسيا باسمها، واضعا بذلك أسس حلف غير معلن معها بعيدا عن القوى السياسية التقليدية المعروفة بمعسكر الموالاة، بما فيها حركة مجتمع السلم التي انبثقت منها حركته، في أكبر عملية توالد سياسي لحركة الإخوان بالبلاد.

ويبدو أن عراب مبادرة “التلاحم الوطني وتأمين المستقبل”، المعلن عنها خلال الأسابيع الأخيرة، منزعج من مبادرة منافسة أطلقتها جبهة القوى الاشتراكية المعارضة بمحتوى سياسي أكثر جرأة وانفتاحا على القوى السياسية المهمشة، ومن التنسيق الذي أجرته مع قيادة حركة “حمس” المنافسة له.

وإن تفادى بن قرينة الكشف عن هوية ناشري الفوضى وترك القوس مفتوحا لكل من يعارض السلطة، سواء أكان في ثوب سياسي أو أي ثوب آخر، كما حدث مع اللغط القائم حول علاقة تنظيم مهني لأرباب العمل مع الحكومة، فإنه كان صريحا مع القضاء السويسري الذي اتهمه بـ”التحرش والابتزاز”، بعدما وجه اتهاما رسميا للجنرال المتقاعد ووزير الدفاع الأسبق نزار بارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

وشدد المتحدث على أن تحيين الملف القضائي في سويسرا هو محاولة لإعادة “تقليب الآلام التي عاشتها البلاد خلال العشرية الدموية رغم جنوح الجزائريين إلى مصالحة وطنية، وإحياء لجراح يراد لها أن تندمل رغم التضحيات التي قدمتها مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش والأمن”.

وكان القضاء السويسري قد وجه رسميا نهاية شهر أغسطس المنقضي الاتهام رسميا لوزير الدفاع الأسبق بارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” بعد 12 عاما من التداول على الملف في مختلف درجات التقاضي، خاصة مع تمسك محركي الدعوى بشكواهم ضده.

وألقت القضية بظلالها على العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وسويسرا، خاصة بعد البيان الذي أصدرته الخارجية الجزائرية الذي اتهم القضاء السويسري بـ”التدخل في الشأن الداخلي الجزائري، وفي الخيار السياسي للدولة المحاربة للظاهرة الإرهابية، وتجاهل الجهود الجزائرية في هذا المجال مقابل الانصياع لبيادق تتحرك وفق أجندات مشبوهة”، في إشارة إلى محركي الدعوى القضائية والجمعيات والمنظمات الداعمة لهم.

ودعا بن قرينة الذي لم يستبعد وقوع أخطاء فردية أثناء الحرب على الإرهاب لكنه نزه مؤسسات الدولة من أي تهمة من هذا القبيل، إلى ضرورة التحصن في وجه المساعي الرامية إلى النيل من إرادة وخيارات الدولة، ودعم موقف وزارة الخارجية، وعدم السماح لأي طرف بالمساس بأي كان.

وكشف المتحدث في كلمته عن أن “التلاحم الوطني ليس هدفا حزبيا بل هو هدف وطني ننجزه معا كالبنيان المرصوص يشد بعضُه بعضا، وأن التحديات الراهنة تتوجب الوعي بحجم التهديدات والمخاطر للوقاية منها”.

ودعا إلى ضرورة “تأجيل الخلافات والترفع على الحسابات الضيقة، ما دام الهدف هو حماية الاستقرار الوطني في أبعاده المتمثلة في الاستقرار السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والأمني والمجتمعي”.

وكان رئيس حركة البناء الوطني قد شنّ هجوما شرسا على دولة عربية وإقليمية، لم يسمّها، واتهمها بقيادة مخططات عدائية تستهدف أمن واستقرار الجزائر من خلال الانخراط في مشروع التطبيع مع إسرائيل، ودعم النظام المغربي المناوئ لبلاده، والضغط على تونس للابتعاد عنها، وهو ما اعتبر تصريحا يعكس موقفا داخل القيادة السياسية يدفع إلى إحداث قطيعة مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

واستنكر بن قرينة دعوة قوى سياسية إلى انفتاح وتوافق سياسيين بين جميع الفاعلين في المشهد الجزائري، نافيا أن تكون بلاده تعاني من أزمة سياسية، في إشارة إلى مبادرة سياسية منافسة أطلقتها جبهة القوى الاشتراكية بمحتوى أكثر جرأة بشأن ما تصفه بـ”الانغلاق” الذي تمارسه السلطة على نفسها.

وأعرب عن رفضه الشديد للقائلين بأن “الجزائر تعيش أزمة سياسية معقدة لا يمكن حلها إلا بمرحلة انتقالية أو بالتفاوض مع السلطة أو بالتشكيك في المشروع الوطني، وأنه منفتح للاستماع إلى المبادرات التي تقدمها القوى الوطنية السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية”.

وأضاف “البعض يحاول إعادة تصنيفات المرحلة السابقة لمكونات الساحة الوطنية تحت مسميات غريبة عن قاموس الشعب الجزائري الذي لا يعرف أصلا مصطلح الموالاة ولا الطوائف، وله فهمه الخاص لمعنى المعارضة سواء إيجابية أو سلبية”.

وتابع “إنكم تسددون رماحكم في المكان الخطأ عبر السب والشتم والقذف، وإن هذه الممارسات البالية لم تعد تنفع الجزائر ما بعد الحراك، وإن حركة البناء الوطني لن تضع يدها في أيديهم، ولن تكون معول هدم ولا أداة في يد أحد (…) أيها الخلاطون، وفروا جهودكم وأسكتوا أبواقكم فإنكم واهمون”.