الحكومة المصرية تعيد ترتيب صفوف ظهيرها السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات

يشهد حزب مستقبل وطن، الظهير السياسي للحكومة المصرية، إعادة ترتيب صفوفه باستبعاد عدد من القيادات المثيرة للجدل، وتمكين عناصر شابة على أمل إحداث تغيير في ديناميكية الحزب لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

نواب عن مستقبل وطن يسجلون حضورهم في الدعاية للسيسي

القاهرة

أظهرت التغييرات التي طرأت على تركيبة حزب مستقبل وطن، المعروف أنه الظهير السياسي للحكومة المصرية داخل مجلس النواب، أن دوائر سياسية ضالعة في صنع القرار تنوي تصويب مسار الحزب بعد سلسلة أخطاء ارتُكبت خلال الفترة الماضية، وتضررت من تداعياتها السياسية الحكومة المصرية.

واختار حزب مستقبل وطن هشام الحصري رئيسا لهيئته البرلمانية في مجلس النواب بدلا من أمينه العام أشرف رشاد الذي تمت الإطاحة به وعدد من القيادات القريبة منه لإعادة تصويب مسار الحزب وتحسين صورته كظهير شبه رسمي للحكومة.

وتم تقليص صلاحيات أشرف رشاد وفريقه داخل الحزب إلى الحد الأدنى، مقابل تولي أحمد عبدالجواد منصب نائب رئيس الحزب وأمين التنظيم، مع القيام بتغييرات ضمن مواقع أخرى في غالبية المحافظات، والاهتمام أساسا بتصعيد وجوه جديدة من أصحاب السمعة الطيبة لتجديد الدماء.

وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” أن البعض من قادة الصف الأول داخل حزب مستقبل وطن سيطالهم الإقصاء أو التجميد خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل، وسيتم اتخاذ القرار بلا ضجيج سياسي أو إيحاء بأن هناك صراعات داخل الحزب قد تؤثر على تحركاته السياسية.

ولفتت المصادر ذاتها إلى وجود نية لتمكين عناصر شابة تملك رؤى سياسية متزنة بدلا من قيادات فشلت في أداء مهامها وارتكبت أخطاء شوهت صورة الحزب وأرخت تصرفاتها بظلال سلبية على الحكومة، وعمقت غضب الشارع عليها، وأقحمت بعض دوائر السلطة في أزمات مختلفة.

ويوحي المشهد بأن النظام المصري لم يعد يتحمل أن يُحسب عليه كيان سياسي متعثر، ويضم وجوها تثير حفيظة الناس وتتسبب في غضبهم على السلطة.

ويضم حزب مستقبل وطن مجموعة من السياسيين والقيادات الأمنية السابقة ورجال أعمال لديهم قدرات مالية ويساهمون في تقديم مساعدات كبيرة للحزب ولمحدودي الدخل، وأغلبهم أعضاء في البرلمان أو عناصر فاعلة في التنظيمات المحلية.

واستحوذ الحزب على الأغلبية الكاسحة للجان النوعية داخل مجلس النواب مع بداية دور الانعقاد الرابع مطلع أكتوبر الجاري، وجرى استبدال البعض من رئاسة اللجان، وتبين أن من تم إقصاؤهم كانوا من قادة الصف الأول داخل مستقبل وطن.

ويقدم الحزب نفسه للشارع على أنه الداعم للنظام الحاكم، وليس ظهيرا سياسيا للحكومة فقط، مع أن الرئيس عبدالفتاح السيسي نفى أكثر من مرة وجود حاضن سياسي لنظامه، لكن الحزب يداوم على توزيع مساعدات للبسطاء ويضع شعاره بجوار صورة السيسي بما يوحي بالربط الضمني بينهما، حتى صارت بعض سلبيات الحزب تلصق بالسيسي.

وهناك أحزاب أخرى موالية تقوم بدور خدمي أيضا، لكنها لا تفتعل أزمات كبيرة تُحرج السلطة، ما جعل حزب الأغلبية البرلمانية يصبح عبئا سياسيا على الحكومة ما يستوجب القيام بتغييرات في بعض قياداته العليا، بالتزامن مع انطلاق الاستحقاق الرئاسي والحديث عن مرحلة جديدة تستهدف التخلص من عديمي الكفاءات في مجالات مختلفة.

وترافق التحرك لتغيير بعض القيادات في مستقبل وطن مع انتشار مقاطع فيديو لأعضاء في الحزب بمحافظة الشرقية، شمال القاهرة، وهم يعتدون لفظيا على المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي الأربعاء، وجرى توظيف الفيديوهات لتأكيد أن معاوني السيسي يستخدمون عناصر الحزب للقيام بدور أفراد الأمن ومناكفة معارضيه.

واستبعد متابعون أن تكون مضايقات أعضاء مستقبل وطن للمعارض الطنطاوي معبرة مباشرة عن توجه رسمي داخل السلطة، لكن الأمر أشبه بنفاق سياسي مبالغ فيه من عناصر داخل الحزب يسيئون تقدير الحسابات.

وقام بعض أعضاء الحزب في البرلمان باقتحام نقابة المهندسين وقت إجراء الاستفتاء على بقاء نقيبها طارق النبراوي أو عزله، ما تسبب في حالة غضب واسعة ضد السلطة، لأن الواقعة تزامنت مع تعهد الرئيس السيسي بالانفتاح على كل القوى والكيانات الحزبية والنقابية لترميم الجبهة الداخلية للدولة من خلال الحوار الوطني.

وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن بعض الأحزاب التي تسوّق لقربها من الحكومة تسببت في موت الحياة السياسية إكلينيكيا بعد أن تحولت إلى أبواق دعائية، مع أن النظام لا يحتاج إلى نفاق بقدر ما يبحث عن رؤى واقعية تساعد على تصحيح الأخطاء، بما يتناسب مع المسار العام وطبيعة المرحلة والتحديات الراهنة.

وأوضح أسعد في تصريحات لـ”العرب” أن مشكلة مستقبل وطن تكمن في أنه يدور في فلك جمعية أهلية ويفتقر إلى الرؤية السياسية الحكيمة، وأخفق في أن يقوم بالدور الذي كان عليه الحزب الوطني في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لافتقاده الشخصيات السياسية التي تقوده إلى الاقتراب كثيرا من الشارع، وتتعامل بحنكة مع الأزمات والتحديات.

وقال إن “حزب الأغلبية بحاجة إلى زعامة لها ثقل في الشارع لتكون لديه أرضية يرتكز عليها بعيدا عن الاعتماد على القرب من الحكومة، فالمرحلة المقبلة لن تتحمل المزيد من تباعد المسافات بين الحزب والمواطنين”.

وتعبر التغييرات الجديدة في تركيبة مستقبل وطن عن امتعاض من عدم قدرة الحزب على تحقيق الشعبية المطلوبة على مستوى القواعد، ما أثر على حضوره في الشارع.

وتوحي بعض التلميحات السياسية حول ما يحدث من تغييرات في مستقبل وطن بأن السلطة تنوي عدم توفير الحماية لأي شخص ينسب نفسه إلى السلطة ويتجاوز بطريقة تسيء إليها إساءة بالغة، لأن الصمت ينطوي على خطورة سياسية.

وعلمت “العرب” أن البعض من نواب مستقبل وطن تم تجميدهم داخل البرلمان، دون إسقاط عضويتهم، كنوع من التأديب على تجاوزات لم يُفصح عنها حفاظا على الصورة السياسية للحزب، وفضّل استمرارهم كأعضاء وحرمانهم من أي دور فاعل.

وتتمسك جهات حكومية فاعلة في ترتيب المشهد السياسي بأن يكون أعضاء حزب مستقبل وطن قدوة لغيرهم وليسوا أصحاب نفوذ أو مصالح ولا يستغلون قربهم من دوائر السلطة للقيام بتصرفات لا تخلو من استعراض معنوي فج.