الجزائر تتحصن ضد التطرف بالالتزام بالمرجعية الدينية المعتدلة

لثقافة الاعتدال دور مجتمعي أيضا

الجزائر

أجمعت الخطابات الرسمية في الآونة الأخيرة بالجزائر على ضرورة لعب الأئمة دور الدعاة والمؤثرين لنشر المرجعية الدينية الصوفية المعتدلة، للحيلولة دون تغلغل المدارس والتيارات المتطرفة، والحفاظ على الاستقرار والأمن الروحي للمجتمع، خاصة في ظل توفر آليات المنافسة لدى مذاهب وطوائف تريد استقطاب مريدين وأنصار لها في الجزائر.

ودفعت السلطات الجزائرية باتجاه تسليط الأضواء على احتفاليات اليوم الوطني للإمام المستحدث خلال السنوات الأخيرة، والثناء على التفاتة مجلس الوزراء الأخير الذي قرر مراجعة رواتب الأئمة وتخصيص حصة من المساكن لفائدتهم، كمحفزات لهذه الفئة من أجل الاضطلاع بالرسالة الدينية الوسطية التي تريد تكريسها في المجال الديني، قياسا بتأثيره في توجيه وصناعة الرأي العام.

وأكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي أن الاهتمام بخريجي المدارس القرآنية والزوايا يندرج ضمن الاهتمامات الأساسية للدولة التي ترمي إلى تطوير منظومة التعليم القرآني ودعم الزوايا التي تساهم في إرساء قيم الوسطية والاعتدال ومجابهة التيارات الدخيلة على ديننا وقيمنا وأعرافنا.

ووصف المتحدث، في رد على سؤال نيابي في البرلمان، طلبة المدارس القرآنية وخريجي الزوايا بـ”الخزان الإستراتيجي في تأطير مؤسسات القطاع الدينية وصمام الأمان للوطن”، في إشارة إلى اعتماد الوصاية على هذا الوعاء الذي يتكون في فضاءات تخضع لتوجيهات الدولة، عكس التيارات الأخرى التي تختلف وسائل تغلغلها في المجتمع.

وذكّر وزير الشؤون الدينية بالإجراءات التي اتخذت لصالح هذه الفئة، ومنها “تثمين شهادة حفظ القرآن الكريم وتأهيل بعض المدارس القرآنية والزوايا لمنح شهادة حفظ القرآن وإثبات المستوى، إلى جانب إشراكهم في صياغة وإعداد المقررات الدراسية لمختلف فئات التعليم القرآني”.

ولفت المتحدث إلى أن “معظم المساجد تتواجد بها مصليات خاصة بالنساء، وهي عامرة بنشاط دائم خاص بالتعليم القرآني ومحو الأمية والتوجيه الديني”، وهي رسالة تفيد بعدم تفريط الوزارة في أي فاعل من فواعل النشاط المسجدي، بمن فيهم النساء اللائي يحظين بتأطير وتوجيه يعتبران امتدادا لما هو قائم في الفضاء الرجالي، ولذلك يجري تكوين وتأطير موجهات ومرشدات دينيات للاضطلاع بالمهمة وسد منافذ أي تسلل للأفكار والاعتقادات التي يصفها بـ”الغريبة والدخيلة”.

وتحت شعار “الإمامة.. رسالة والتزام ومسؤولية – أهمية دور الإمام في نقل مبادئ الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم وفق مرجعيتنا الدينية”، تم تنظيم ندوة دينية بمدينة غرداية بمناسبة اليوم الوطني للإمام، قدم فيها وزير الشؤون الدينية مقاربة السلطة في بلورة الخطاب الديني والمسجدي.

وذكر في هذا الشأن بأن المعايير التي يتعين على كل إمام مراعاتها، خاصة في اختيار المواضيع والخطب المتعلقة بمختلف مجالات الحياة المجتمعية في الجزائر، تقوم على تكريس المرجعية الدينية المبنية على ثقافة الوسطية والاعتدال، والمستلهمة من رسالة رسول الإسلام، والتي سمحت لبلادنا بحماية نفسها من الفتنة وتقوية وحدة الأمة.

وأكد على أن “مسؤولية الأئمة في نقل الرسالة القرآنية هي قبل كل شيء مسؤولية أخلاقية ودينية ثابتة، وأن بلادنا تعمل على تعزيز قيم إسلام متسامح، في إطار المذهب المالكي السني الذي يرتكز على الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية”.

وتسعى الحكومة الجزائرية لوضع يدها على كل المساجد والزوايا والمؤسسات الدينية الناشطة في البلاد، بما فيها تلك التي تبرع بها خواص لصالح المجتمع، وذلك بغية بث خطاب ديني موحد يسد المنافذ أمام كل الأفكار والتصورات المشكوك في أغراضها وأهدافها، لاسيما المبنية على التطرف والتعصب.

غير أن ذلك لم يمنع ظهور خلايا وبؤر تصنف ضمن التيارات الدخيلة، على غرار المذهب الشيعي، والأحمدي، والسلفي، خاصة خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى دخول أجهزة الأمن والقضاء على الخط، والإعلان عن حل خلايا للمذهب الأحمدي في محافظتي البليدة وسكيكدة، الأمر الذي أثار مسألة الحريات الدينية المكرسة في دستور البلاد، لكن السلطة كان لها رأي آخر وهو ممارسة نشاط دون ترخيص قانوني وتهديد التماسك الروحي للمجتمع.

ولم تعد المقاربة الجزائرية حبيسة تراب الجمهورية، بل تعدتها إلى ديار المهجر، في خطوة تستهدف تصدير الخطاب الديني إلى الجالية المهاجرة لتحصينها من التيارات الدينية الأخرى.

وأبرز في هذا الشأن عميد مسجد باريس شمس الدين حفيز ضرورة ترسيخ المرجعية الدينية وتعزيز الهوية الوطنية، خاصة في أوساط الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج.

وقال “مرجعيتنا الدينية التي ترتكز على قيم التسامح العالمية، تفضل الحوار واحترام الآخر وترسيخ التلاحم الاجتماعي، وأن الإمام بصفته الشخصية الدينية يجسد الحكمة في معرفة القيم النبيلة، وتأطير المؤمنين للتعايش بين الثقافات وخاصة في الهجرة، مستلهمين ذلك من الإسلام الوسطي المعتدل”.

وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد أشاد في الرسالة التي وجهها للحاضرين في ندوة اليوم الوطني للإمام بـ”الدور متعدد الأبعاد المنوط بالأئمة الذين يساهمون اليوم في تنوير المجتمع تعزيزا لمنهج الوسطية وصونا للهوية الوطنية والدفاع عنها، بعد أن شاركوا بالأمس في تحرير الوطن من براثن الاستعمار”.

وقال “من رحاب المساجد والزوايا، انطلقت قوافل المجاهدين والشهداء، بدءا من الثورات الشعبية المباركة، إلى ثورة نوفمبر الخالدة، كما أفشلت جهود ومساعي سادتنا الأئمة مخططات تمزيق وحدتنا، بتصديهم للمؤامرات والمكائد، وبعد استرجاع السيادة الوطنية، واصل الأئمة أداء مهامهم، بانتقالهم من معركة التحرير إلى التنوير، من خلال بسط الوسطية والاعتدال ونبذ المغالاة والتطرف والتفاني في أخلقة الحياة الاجتماعية ونشر الفضيلة ومواجهة المحن الطارئة والمساهمة في إطفاء نيران الفتنة كلما أراد أعداء الوطن إشعال فتيلها”.