النزوح السوري الى لبنان ..
العزف على وتر التباينات مستمر من المستفيد؟

"أرشيفية"
مع تراجع الملف الرئاسي في لبنان، تتقدم أزمة النازحين السوريين التي لم تعد تبعاتها تقف عند عدم قدرة البلد على تحمّل الأعداد الكبيرة منهم، بفعل الوضع الاقتصادي الذي يعانيه والخوف والهاجس الكبير من توطنيهم فيه، بل بما قد تعدى ذلك إلى الهاجس الأمني والخوف من أن يؤدي هذا الوجود إلى المسّ بالوضع الأمني الذي تُظهره المداهمات على بعض مخيمات النازحين أو الحوادث التي باتت تحصل بينهم وبين اللبنانيين.
وبحسب مصادر سياسية متابعة، فإن الإشكالات الأمنية المتنقلة التي يكون طرفاها من اللبنانيين والسوريين تشكّل احتمالات مخاطر كبيرة تستدعي التحرّك الفوري، مضيفة أنّ سبب كل هذه التداعيات هو غياب الحكومة عن مسؤولياتها، ورمي الأعباء على المؤسسات الأمنية والبلديات، التي تفوق أعباء الملف قدراتها.
"حالة استنفار"
وبما أنّ الحل يبدأ سياسياً، سواء بالتوجّه نحو دمشق والتنسيق مع الحكومة السورية، وهو ما لا يبدو التوجه الحكومي نحوها صادقاً، أو بالتصدي للضغوط الغربية، حيث الحكومة تهرب من المواجهة، أو بضبط نشاط مفوضية اللاجئين الأممية، ومثلها نشاط الجمعيات التي تدير أموالاً طائلة تحت عنوان هذا الملف من وراء ظهر الدولة، التي تنازلت عن مسؤولياتها واستقالت من مهمتها، تطلق "القوات اللبنانية" صرخة مدوية في هذا المجال، وتعلن عن إعدادها لخطط كبيرة عملية على الأرض، للحد من الوجود السوري في لبنان، وبالتالي لوضع حدّ لمخالفات مفوضية اللاجئين الفاقعة، وفي اتصال مع "جسور"
يشير رئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب القوات اللبنانية، شارل جبور، إلى أنّ حزب القوات في حالة استنفار تنظيمي وسياسي، ورئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أجرى العديد من الإجتماعات التنظيمية في هذا الشأن مع رؤساء المراكز في مختلف المناطق اللبنانية، فضلا عن التواصل مع رؤساء البلديات لحسّهم على عدم إعطاء إقامات ووضع لائحات واضحة المعالم تضمّ أعداد النازحين الموجودين في كل قرية تمهيدا لخطوات أخرى.
ويوضح جبور أنّ هناك تواصلا أيضا مع الحكومة والمجتمعين الدولي والعربي، مبيّنا أنّ المفوضية السامية تؤمّن الأموال للاجئين وهذا بطبيعة الحال يدفعهم إلى البقاء في لبنان والأخطر من ذلك أن هذا التمويل يدفع بمن هم في سوريا أيضا إلى المجيء للبنان بهدف الحصول على هذا الراتب الشهري كون هذه الإمكانيات التي توفّرها لهم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان غير متوفّرة في سوريا.
إنفجار اجتماعي وشيك؟
وتابع رئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب القوات اللبنانية لـ "جسور"، أنّ هذا الأمر دفع بحوالي مليون نازح إلى الدخول بطريقة غير شرعية إلى لبنان، لذلك على هذه المفوضية السامية أن تعلم أن هذا الدور يشكّل خطورة على الوضع الديمغرافي والوجودي في لبنان فضلا عن تأزم الوضع الأمني، وبالتالي يجب إتخاذ تدابير فورية في هذا الخصوص، قائلا: "نحن نعتبر أننا دخلنا في العدّ العكسي لإنهاء هذا الملف، لأن عدم إنهائه يعني أن لبنان مقبل على إنفجار اجتماعي في ظل الأزمة المالية الموجودة، وعلى المجتمع الدولي أن يستدرك ويتفهّم ضرورة تخطي المواقف والتصاريح والإجتماعات واللقاءات التي لن تؤدي إلى أي نتيجة فعلية، لأن المجتمع الدولي إذا كان يخشى من هذا النزوح السوري باتجاهه ويريد إبقاء اللاجئين في لبنان، ففي حال انفجر الوضع فسيكون عندها المجتمع الدولي عرضة لنزوح لبناني إلى جانب النزوح السوري."
وأكد جبور أن الوقت قد حان لمعالجة هذه المعضلة الخطرة، مشيرا إلى أنه لا يوجد أي دولة في العالم قادرة على استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين على أراضيها، والذين أصبحوا يشكّلون نصف الشعب الموجود، وبالتالي هناك خطط يتم وضعها لمعالجة هذا الموضوع من جذوره لمصلحة لبنان وجميع اللبنانيين.
وقال: "موقفنا تصاعدي وليس تصعيدي وينم عن إصرار القوات على إنهاء هذا الملف بما يحفظ حياة النازحين، وفي الوقت ذاته، مصلحة لبنان وشعبه، التي بلغت أسوأ الدرجات من النواحي كافة."
مرحلة إشتباك على النتائج
من جهته، رأى الخبير في السياسات العامة واللجوء والهجرة، زياد الصائغ، في حديث لـ"جسور" أنّ "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هي المؤسسة الأممية المعنية والمكلفة من الأمم المتحدة لمتابعة قضايا اللاجئين انطلاقا من الإهتمام بحالاتهم الإنسانية، وإعداد خطّة لعودتهم إلى بلادهم، أو إعادة توطينهم في بلد ثالت"، لافتا إلى أنّ "المفوضية العليا في شؤون اللاجئين في لبنان حتى الان وبسبب تخلّف المنظومة السياسية اللبنانية من خلال الحكومات المتعاقبة عن إعداد سياسة عامة متكاملة لتنظيم وفود النازحين، وعدم إغراق لبنان بهم، أي دراسة قدرته الإستيعابية، رفضت أيضا هذه المنظومة إقامتهم في مراكز إيواء موقتة حدودية تمهيدا لعودتهم وأبقت الحدود سائبة ومفتوحة على التهريب كما على حركة المقاتلين، بسبب تورّط فريق لبناني في سوريا، أضف إلى ذلك عدم التمييز بين العامل والنازح،، وعدم ضبط الداتا وتوحيدها، ورفض إستمرار تسجيل النازحين بما شتّت هذه الداتا ووضعها بيد المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كل ما سبق خطايا قاتلة وسوء حوكمة أودى بنا إلى ما نحن فيه."
وتابع الصائغ: "عدم توقيع بروتوكول تعاون بين الحكومة اللبنانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين يضبط إيقاع عمل هذه المفوضية أدخلنا الأن في مرحلة إشتباك على النتائج وليس على المسبّبات، وإذا كانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وهذا واقع يجب الإعتراف به مقصّرة في إعداد خطّة للعودة، ولكن الإتهام الأكبر يقع على الحكومات اللبنانية المتعاقبة التي أجهضت إقرار سياسة عامة أساسها عودة النازحين، مع ضرورة الإعتراف بفشل المجتمع الدولي في إنجاز حل سياسي، وبالتالي تمكين قوى الامر الواقع في سوريا من الإستمرار في إفراغ سوريا من مواطناتها ومواطنيها في عملية ترانسفير هوياتية قاتلة."
ذلك يواجه الشرق الأوسط من تركيا الى الأردن الى لبنان وفق الصائغ، "حالة لجوء قاسية وهجرة وتهجير، وهذا يؤدي إلى تفريغ المجتمع السوري بالكامل من مواطناته ومواطنيه، عدا موجة النزوح الداخلية داخل سوريا أيضا التي حوّلت النسيج الديمغرافي إلى نسيج مختلف كليا عمّا كان هو عليه سابقا."
وبيّن الخبير في السياسات العامة واللجوء والهجرة، أنّ "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هي معنيّة بشكل أساسي بإعداد خطة العودة، وهنا يجب الضغط بشكل دبلوماسي فعّال هادىء وعقلاني لبدء مسار عودة النازحين السوريين إلى سوريا بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، موضحا أنّ "هذا المسار كانت بدأت به المديرية العامة للأمن العام في السنوات الخمس الأخيرة، وقد حقّقت إنجازا في هذه المسألة."
مسألة سيادية لبنانية
من هنا يقول الصائغ إنه "من الضروري الإعتراف بأن الدعوة إلى إقفال مكاتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هي مسألة سيادية لبنانية بطبيعة الحال. ولكن يبقى السؤال: هل هذا هو المسار الذي يجب أن ينتهجه لبنان، أو الأحرى التعاون مع المجتمع الدولي لإعادة النازحين إنطلاقا من الضغط على قوى الأمر الواقع في سوريا التي تعرقل هذه العودة؟" ويضيف الصائغ: "هذا سؤال برسم المنظومة السياسية الحاكمة أولاً، ولكن القوى السيادية الإصلاحية التي هي مؤتمنة، مع القوى المجتمعية الحيّة، ومع الإغتراب اللبناني، على طرح سياسة عامة متكاملة في مواجهة هذه المنظومة السياسية
المتورّطة ليس فقط في إبقاء النازحين داخل لبنان، ولكن في غضّ النظر وعدم تمكين الجيش اللبناني من القيام بدوره الفعّال بضبط الحدود، والإنتقال إلى مهاجمته بدل مساندته، وهذا يطرح علامات إستفهام أنما ما يواجهه لبنان هو مخطط منهجي لتغيير هويته ولضرب استقراره ولتوجيه رسائل سياسية إقليمية ودولية لا علاقة له بها، لا تهتمّ لا بحق الشعب اللبناني السيادي برفضه التوطين ولا بحق النازحين السوريين بالعودة."