العطش يهدد التونسيين مع تراجع جديد في مخزون المياه

مخزون المياه في تراجع سريع

تونس

وجدت السلطات التونسية نفسها مرة أخرى أمام تحدي ندرة المياه بسبب انحباس الأمطار وتقلّص الكميات المخزنة، وتراجع مخزون المياه في السدود بنسبة 25 في المئة، ما ينذر بتفاقم الوضع المائي والغذائي في البلاد.

وتشهد الموارد المائية منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات وأيضا الإفراط في استغلال المياه، وسط دعوات الخبراء إلى ضرورة وقف النزيف في الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ المائية التي ستسمح باعتماد وتنفيذ تدابير استثنائية من بينها تحلية مياه البحر.

وكانت وزارة الزراعة أعلنت، في نهاية سبتمبر الماضي، تمديد العمل بنظام الحصص في توزيع مياه الشرب في الشبكة العمومية، وحظر استخدامها في ري المساحات الزراعية ومحطات غسيل السيارات وغيرها من الاستخدامات حتى إشعار آخر بهدف التقشف.

ووفق بيانات للمرصد الوطني للفلاحة، تراجع مخزون المياه إلى 586.4 مليون متر مكعب حتى السادس من الشهر الجاري مقابل 787.9 مليون متر مكعب في الفترة نفسها من العام الماضي.

ولا تتعدى نسبة امتلاء سد “سيدي سالم”، وهو أكبر سد في البلاد والمزود الرئيس لولايات الشمال، 30 في المئة من طاقة استيعابه.

وتبلغ النسبة الإجمالية لمخزون المياه في كل السدود حتى منتصف سبتمبر الماضي 27.3 في المئة من طاقة استيعابها.

وضرب الجفاف تونس في سبعة مواسم من أصل آخر ثماني سنوات، وسُجلت في صيف هذا العام درجات حرارة قياسية لم تعرفها من قبل وصلت إلى 50 درجة.

ومنذ سبتمبر الماضي، سقطت 110 ملايين متر مكعب فقط من الأمطار في تونس، أي حوالي خمس المعدل الطبيعي إذ إن المعدل الاعتيادي لا يقل عن 520 مليون متر مكعب.

ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب السدود التونسية مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن الجفاف يمنع تعبئة أكثر من نصف طاقتها سنويا.

وأفاد حسين رحيلي، الخبير في الموارد المائية، بأن “من الطبيعي أن يحدث تراجع في مخزون المياه لأن عملية السحب خلال الصيف كانت أكبر من المتوقع من 1.9 إلى 3 ملايين متر مكعب لأربع عشرة ولاية (محافظة)، نظرا إلى أن الطلب المتزايد على الماء كان كبيرا مع ارتفاع درجات الحرارة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هناك تراجعا كبيرا لمياه السدود، ولأول مرة بلغ النقص 200 مليون متر مكعب بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية”، لافتا إلى أن “هناك انعكاسات كبيرة لذلك، حيث مدّدت وزارة الفلاحة والصيد البحري في آجال إجراءات القطع الدوري لمياه الشرب، وللسنة الخامسة تواليا يتواصل الجفاف في البلاد، ما سيؤثر خصوصا على الزراعات الكبرى وخصوصا موسم الحبوب”.

وتابع رحيلي “قد تطالب الوزارة المزارعين بتقليص المساحات المخصصة للزراعة وتعويضها بالمنتوجات الفصلية، أو التخفيض من كميات مياه الريّ”.

وأثر التراجع الكبير في الموارد المائية بسبب الاستنزاف، في إنتاج المحاصيل الزراعية، وتراجع إنتاج الحبوب بنسبة 60 في المئة هذا العام مقارنة بالعام السابق.

وتعاني تونس أيضا شحا في السيولة المالية، ما ضاعف من أزمة التزود بالمواد الأساسية في الأسواق، مثل الطحين والدقيق والسكر والقهوة والأرز.

وتواجه بقية الزراعات مثل الزيتون الذي يمثل أهم صادرات تونس، بدورها خطر التراجع الكبير وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري الغذائي للبلد الذي توشك ماليته العامة على الانهيار.

ودفع الجفاف وندرة الأعشاب وغلاء الأعلاف الكثير من المزارعين إلى التخلي عن الآلاف من الأبقار، مما خلف تراجعا كبيرا في إنتاج الحليب، ما فاقم غضب السكان الذين يعانون الويلات للحصول على سلع أخرى من السكر والزيت والزبدة والأرز.

وقال زهير حلاوي، وهو أستاذ في علم المناخ بجامعة تونس، إن “تراجع مخزون المياه مع ندرة التساقطات يفاقمان من حالة الجفاف التي تتواصل إلى الموسم الخامس، مما ستكون له انعكاسات حادة خصوصا على الزراعة”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “قطاع الزراعة يستهلك نسبة 80 في المئة من الموارد المائية في تونس، فضلا عن الأشجار المثمرة والأنشطة السياحية المستهلكة للماء”.

وأردف زهير حلاوي “نحن الآن في فترة زراعة الحبوب، ووزارة الزراعة بصدد تحضير حزمة أخرى من الإجراءات، من بينها تقسيط مياه الري وربما أيضا مياه الشرب”.

وتُصنّف تونس من بين البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش.

ويستهلك التونسيون أكثر من 3 ملايين طن من الحبوب سنويا موزعة بصفة متقاربة بين القمح الصلب واللين والشعير. ويرتكز النمط الغذائي التونسي حسب المسح الوطني حول تغذية الأسر بالأساس على الحبوب.

ولمواجهة الجفاف، بدأت تونس عدة مشاريع لتعبئة المياه من بينها إنشاء سدود جديدة كسد “سيدي ملاق” بمحافظة الكاف وإنشاء محطات تحلية مياه البحر.

وتوجد في تونس ثلاث محطات لتحلية مياه البحر في جربة وقابس وصفاقس (جنوب شرق) وتوفر 15 مليون متر مكعب سنويا وستصل الكمية في 2050 إلى 300 مليون متر مكعب بزيادة عدد محطات التحلية.

وكانت الأمم المتحدة قد حثت تونس والجزائر وليبيا على “ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإيقاف تضرر الخزان المائي الجوفي المشترك في الصحراء الحدودية للبلدان الثلاثة”.

وتتوزع مياه الخزان الجوفي على 80 في المئة داخل الأراضي الجزائرية، و13 في المئة في ليبيا، و7 في المئة فقط في تونس.

 وتواجه تونس إضافة إلى مشكلة شحّ المياه تحدّيات أخرى، لاسيما ارتفاع درجات الحرارة، إذ يُتوقّع أن ترتفع درجات الحرارة بأكثر من 3 درجات في أفق عام 2050.

وطرح تراجع الموارد المائية كيفية تعامل السلطات مع الاضطرابات المتواصلة والانقطاع اليومي لمياه الشرب في مختلف المناطق، فضلا عن الإستراتيجيات المتبعة في ذلك، خصوصا مع تزايد الرهانات على الماء.

وفشلت حكومات ما بعد ثورة يناير 2011 في إيجاد حلول تقي سكان المناطق النائية بصفة خاصة من الجفاف والعطش وندرة المياه وانعدامها في أحيان كثيرة.