بيان السياسة العامة للحكومة "الواقع الجزائري لا يعكس حجم الإنفاق الضخم"
انتقد عدد من نواب البرلمان الجزائري بشدّة نشاط الحكومة وسط إقرار بكونها فشلت في ترجمة حجم الموازنة السنوية الضخمة التي رصدت للعام الجاري، ومدى انعكاسها على واقع الإنفاق اقتصاديا واجتماعيا، في ظل مخاوف متصاعدة من استنزاف السلطة للمقدرات المالية في خطابها السياسي.

انتقادات لاذعة لحكومة أيمن بن عبدالرحمن
يعكف رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن على عرض بيان السياسة العامة أمام البرلمان في أجواء تسودها الشكوك حول أداء وحصيلة الحكومة في ظل عدم الانسجام بين حجم الإنفاق والمستوى الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، فالحكومة التي رصدت موازنة فاقت المئة مليار دولار خلال العام الجاري، عجزت عن ترجمة ذلك بتحقيق الرخاء الاجتماعي المأمول، وفوق ذلك تذهب المؤشرات إلى تسجيل تدهور غير مسبوق ينذر بانفجار اجتماعي، الأمر الذي يعيد سيناريو الحقبة السياسية الماضية التي استنزفت 1500 مليار دولار، وانتهت إلى انتفاضة شعبية أطاحت بقطاع كبير من السلطة.
وشرع نواب البرلمان الجزائري في مناقشة بيان السياسة العامة لحكومة ابن عبدالرحمن وسط شبه إجماع على فشلها في ترجمة خطاب وشعارات السلطة في حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وخلال ما يعرف بـ”الجزائر الجديدة”، حيث وجه نواب متدخلون من مختلف الكتل النيابية انتقادات شديدة للحكومة بسبب فشلها في ترجمة حجم الموازنة السنوية الضخمة التي رصدت للعام الجاري.
وخاطب النائب البرلماني هشام صفر رئيس الحكومة بالقول “الموازنة الضخمة التي فاقت المئة مليار حدث لها ما يحدث لمن يفرغ الماء في الرمل”، في إشارة إلى غياب النتائج الملموسة للموازنة التي وصفت بـ”الضخمة”، و”غير المسبوقة” في تاريخ البلاد، وإلى عدم الانسجام بين الخطاب وبين النتائج.
وذكر متدخل آخر من محافظة تلمسان بأقصى غرب البلاد بأن “النواب لم يعد بإمكانهم العودة إلى القواعد الشعبية التي انتخبتهم بسبب عدم الوفاء بالتعهدات والفشل في التكفل بانشغالات المواطنين”، بسبب الهوة القائمة بين الهيئة التشريعية والشعب.
وشدد المتدخل على أن “الجزائر الجديدة ليست شعارات أو خطابات جوفاء، بل هي تنمية مستدامة وتكفل بانشغالات المواطنين وتعليم وصحة وشغل وخدمات مختلفة، يلمسها الناس في حياتهم اليومية، وإلا لا فرق بينها وبين الجزائر القديمة”.
وكانت الحكومة قد أخذت ترخيصا من البرلمان منذ أسابيع لتصحيح الموازنة السنوية بإضافة سبعة مليارات دولار إلى مجموع الموازنة الكلية لتصل بذلك إلى 105 مليارات دولار، وهو سقف غير مسبوق في تاريخ مالية البلاد، غير أن شبه إجماع يسود مختلف النخب على أن الواقع الذي يعيشه الجزائريون لا يعكس حجم الإنفاق المعلن عنه.
واستعرض ابن عبدالرحمن أمام النواب حصيلة الحكومة في الفترة الممتدة بين شهري أغسطس 2022 و2023، حيث تطرق إلى مختلف المحاور التي استحدثت من أجل تجسيد ما أسماه بـ”تعهدات رئيس الجمهورية”، في مختلف المجالات، على غرار الدفاع والخارجية والاقتصاد والتنمية والتكافل الاجتماعي.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد ذكر في تصريح له بأن “حوالي 70 في المئة من التعهدات التي أطلقها في برنامجه السياسي قد تحققت، وأن التركيز جار حاليا من أجل استكمال تجسيد باقي التعهدات الـ54 التي وعد بها الجزائريون خلال حملة الانتخابات الرئاسية”.
غير أن نخبا أكاديمية وسياسية ونقابية تجمع على أن حصيلة الرئيس تبون “مخيبة ولا تعكس طموحات الجزائريين ولا عرابي مشروع الجزائر الجديدة، فرغم الأغلفة المالية الضخمة المرصودة خلال العام الجاري وحتى العام المقبل، إلا أن الوضع الاجتماعي يعيش على صفيح ساخن بسبب تفاقم الغضب والاحتقان، جراء تفشي الفقر والغلاء والندرة والبطالة”.
وأكد ابن عبدالرحمن حرص حكومته على “تجسيد السياسة الاجتماعية للدولة، من خلال القدرة الشرائية للمواطن والتكفل بالفئات الهشة، وتدعيم أنظمة الضمان الاجتماعي”.
وقال إن “السياسة الاجتماعية للحكومة ركزت على رفع القدرة الشرائية للمواطن، وتحسين التكفل بالفئات الهشة وتدعيم أنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد، وتحسين إمكانية الاستفادة من السكن والخدمات العمومية الأساسية بهدف زيادة فرص التربية والتكوين وتمكين جميع المواطنين من الحصول على العلاج”.
وأعاد المتحدث التذكير بالزيادات المقررة في الرواتب والمنح ومعاشات التقاعد التي مست نحو خمسة ملايين جزائري من مختلف الفئات الاجتماعية، إلى جانب مليوني منحة بطالة، وذلك بغرض تحسين القدرة الشرائية ومواجهة موجة الغلاء، والتكفل بالفئات الهشة ومواصلة دعم المواد ذات الاستهلاك الواسع الذي رصدت له نحو 17 مليار دولار.
وعلى صعيد آخر ذكر بأن “الجزائر التزمت بانتهاج مسار تدعيم حوكمتها وتحسينها بهدف تعزيز مؤسساتها وضمان ممارسة كاملة للحقوق والحريات وترقية حوكمة شفافة ومسؤولة، وأن الحكومة واصلت تنفيذ إصلاح قطاع العدالة، لاسيما من خلال وضع الجهات القضائية الجديدة حيز الخدمة، وتكريس نمط الجلسات المتنقلة واستكمال المراجعة العميقة لأهم القوانين. يضاف إلى ذلك العمل على تعزيز العلاقة التكاملية مع السلطة التشريعية، وهو ما يتجلى في سير مختلف آليات الرقابة البرلمانية”.
وتابع “ضمن هذا السياق، يندرج الشق المتعلق بالممارسة الكاملة للحقوق والحريات التي تعد شرطا أساسا لبروز مجتمع صامد وحيوي وتسريع مسار التطور الاجتماعي والثقافي وأن الحكومة واصلت جهودها الرامية إلى وضع إطار قانوني مناسب لتحسين ظروف هذه الممارسة، ترسيخا للأحكام الجديدة للدستور”.
ومع ذلك يبقى ملف الحريات وحقوق الإنسان محل تباين بين السلطة وبين الهيئات والمؤسسات الحقوقية في الداخل والخارج، لاسيما وأن تصريح المقرر الأممي لشؤون حريات التجمع السلمي والحقوق السياسية نهاية الشهر المنقضي وجه نداءات صريحة بضرورة مراجعة العديد من الممارسات المتصلة بالحريات السياسية والإعلامية والاعتقال وسجناء الرأي.