وكالات..
القضاء على فايروس "سي" إنجاز مصري ينغصه ضعف الخدمات الصحية

"أرشيفية"
حققت مصر إنجازا صحيا غير مسبوق بعد أن تمكّنت من علاج غالبية الحالات المصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي فايروس “سي”، وحصلت على شهادة “المستوى الذهبي” من منظمة الصحة العالمية كأول دولة على مستوى العالم تقضي على الفايروس، وهو نجاح لمنظومة صحية تعاني من مشكلات نقص التمويل وقلة أعداد الأطباء وعدم توفر الرعاية الطبية المناسبة في غالبية المستشفيات الحكومية.
وقالت منظمة الصحة العالمية الاثنين إن مصر أول دولة تبلغ هذا المستوى في مسار القضاء على التهاب الكبد فايروس “سي”، وفقاً لمعايير المنظمة، ما يعنى أن القاهرة أوفت بالمتطلبات المبرمجة التي تؤدي إلى خفض حالات العدوى والوفيات الجديدة الناجمة عن التهاب الكبد “سي” إلى الحد الذي أهّلها للقضاء على هذا المرض.
منال السيد: مصر لديها مراكز علاج متخصصة وقاعدة بيانات كبيرة للمرضى
وقام مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم بتسليم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شهادة تؤكد تفوق القاهرة في القضاء على واحدة من المشكلات الصحية الخطيرة في العالم، وأقيم بالقرب من سفح الأهرام حفل بهذه المناسبة، حضره الكثير من السفراء الأجانب، إلى جانب مسؤولين كبار في منظمة الصحة العالمية.
وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن مصر شخصت 87 في المئة من المتعايشين مع فايروس “سي”، وقدمت العلاج إلى 93 في المئة من المصابين، وهو ما يتجاوز الأهداف المحددة للمستوى الذهبي للمنظمة، متمثلة في تشخيص 80 في المئة على الأقل من المتعايشين مع الفايروس، وتوفير العلاج لما لا يقل عن 70 في المئة من المصابين.
ويعد الإنجاز المصري الأهم على مستوى إستراتيجيات وخطط مكافحة الأمراض المزمنة والعدوى، والتي تواجه مشكلات غياب التكامل بين كافة المؤسسات الطبية والحكومية والقيادة السياسية، ما يجعلها لا تكتمل في تحقيق أهدافها، حيث تدفع البلاد فاتورة باهظة في علاج الأمراض خاصة المعدية التي تأخذ في الانتشار بين المواطنين.
وكشفت تقديرات سابقة للبنك الدولي أن مصر البالغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة هي الأعلى من حيث معدل الإصابة بفايروس الالتهاب الكبدي الوبائي (سي) في العالم ويعاني منه 4.4 في المئة من سكان مصر البالغين، ويتسبب المرض في وفاة 40 ألف مصري سنوياً، وهو ثالث سبب للوفاة بعد القلب والأمراض الدماغية الوعائية.
مسيرة طبية حافلة
بدأت مصر أولى خطواتها للتعامل مع المرض منذ العام 2000 وضاعفت من برامجها في مجال الوقاية والعلاج من الفايروس، وبعد نحو ست سنوات أنشأت اللجنة القومية لمكافحة الفايروسات الكبدية، وهي هيكل إداري حكومي معني بالإشراف على الاستجابة الوطنية لالتهاب الكبد وتوجيهها.
مصر شخصت 87 في المئة من المتعايشين مع فايروس "سي"، وقدمت العلاج إلى 93 في المئة من المصابين
وأطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عام 2014 حملة قومية للقضاء على التهاب الكبد (سي)، وتعززت هذه الخطوة عام 2018 حيث وفرت الحملة اختبارات الكشف عن الفايروس للملايين من المصريين والمساعدة في العلاج منه بلا مقابل مادي، وذلك ضمن حملة رئاسية موسعة حملت اسم (100 مليون صحة) قامت بفحص أكثر من 60 مليون شخص وعلاج حوالي 4.1 مليون مصاب.
وقالت عضو اللجنة القومية لمكافحة الفايروسات الكبدية منال السيد إن ما تحقق على أرض الواقع من إنجاز نتاج لعمل استمر أكثر من عقدين، ولم يكن مقتصراً فقط على جهة معينة، لكنه بالتعاون والتنسيق بين كافة مؤسسات الدولة الطبية والسياسية والتنفيذية، ودور التوعية التي قامت بها وسائل الإعلام، تم وضع إستراتيجية واضحة المعالم مبنية على أسس علمية ومنهجية وجرى تقديمها للجهات الرسمية في الدولة واعتمادها لتنفيذها على أرض الواقع.
وأضافت في تصريح لـ“العرب” أن مصر كانت من أعلى الدول في معدلات الإصابة بالمرض خلال التسعينات من القرن الماضي وبداية الألفية الراهنة، وأن الحكومة تدخلت لتقديم علاج مجاني للمرضى ولم يحقق في البداية سوى نسبة نجاح تتراوح بين 40 و60 في المئة، ولم يكن العلاج مناسبا لجميع الحالات وهو عبارة عن حقن أسبوعية تم توفيرها بأسعار زهيدة بالشراكة بين الحكومة وشركات أدوية عالمية.
وأكدت أن تراجع معدلات الشفاء دفع اللجنة القومية للفايروسات لاقتراح عمل أبحاث علمية تسهم في إيجاد علاج مناسب، ساعد في أن تضع الدولة خطة موسعة للقضاء على المرض عام 2011، وسمح ذلك بتوفير أول علاج محلي يحقق نتائج إيجابية بعد نحو ثلاث سنوات يسمى “سوفالدي” من دون حاجة إلى الاستيراد من الخارج.
مسح شامل للمواطنين
قامت مصر في ذلك التوقيت بإنشاء مراكز علاج متخصصة انتشرت على نحو واسع في كافة قرى ومراكز وأقاليم الدولة، ودشنت في الوقت ذاته 67 مركزاً لعلاج سرطان الكبد، ووفرت موقعًا إلكترونيًا لتسجيل الحالات المصابة، وتمكنت عام 2017 من علاج ما يقرب من مليوني مواطن، قبل أن يتراجع التسجيل على الموقع، وهو ما دفع نحو التفكير في إجراء مسح شامل للمواطنين على مستوى الجمهورية.
وأكدت السيد في حديثها لـ“العرب” أن مصر لديها مراكز علاج متخصصة وقاعدة بيانات كبيرة للمرضى ومنظومة إلكترونية صحية تسهّل وصول العلاج إلى مستحقيه، ورؤية شاملة للتعامل مع المرض، وكل هذه التحركات كانت بتنسيق ودعم منظمة الصحة العالمية التي أسهمت في مشاركة التجربة المصرية لدول عديدة حول العالم.
واعتبرت أن القضاء على المرض أنهى تهديدا مجتمعيا كان يلحق بالدولة المصرية، كأحد الأمراض المعدية التي تؤثر سلبا على الحالة الاجتماعية والتمييز بين أفراده سواء أكان ذلك داخل إطار الأسرة الواحدة أم في محيط العمل، ويتسبب في حالة شديدة من الإرهاق، وأن الدراسات المصرية أثبتت أن علاج كل مواطن يوفر ما يضاهي 10 آلاف دولار، وما تحقق في الالتهاب الكبدي تحقق بدرجات أقل في أمراض أخرى مثل شلل الأطفال ومرض البلهارسيا.
خالد سمير: المطلوب من الحكومة المصرية تحسين جودة الخدمات الطبية
وتبذل الحكومة المصرية جهودا لمنح التطعيم المطلوب للأطفال بما يمنع إصابتهم بمرض شلل الأطفال، ومع ظهور أيّ طفرة وبائية في الدول المجاورة تذهب نحو تدشين حملات التطعيم التي تصل إلى كافة الأطفال في منازلهم، واستطاعت أن تقضي على نحو 99.9 في المئة من معدلات الإصابة بمرض البلهارسيا الذي كان ينتشر بنسبة تفوق 79 في المئة بالقرى الفقيرة في مصر، من خلال خطة علاجية وأخرى لتطهير مياه الترع والمصارف من القواقع النيلية.
في المقابل هناك مجموعة أخرى من الأمراض تسجل حضورا واسعا بين المصريين بينها داء السكري والضغط وأمراض السمنة وأمراض القلب، والأزمة الأكبر المتمثلة في عدم القدرة على اكتشاف الأمراض مبكرا، ومعاناة بعض المستشفيات الحكومية من قلة أعداد الأطباء ونقص المستلزمات الطبية أحيانا، والتي تواجه فيها الحكومة أزمة في استيرادها من الخارج بسبب أزمة نقص الدولار المستمرة منذ فترة.
كلمة السر
أكد عضو مجلس نقابة الأطباء سابقًا خالد سمير أن اختراع عقار مصري لعلاج فايروس “سي” يمكن اعتباره كلمة السر في النجاح الذي تحقق، لأن الأزمة كانت في توفير ميزانيات ضخمة لاستيراد العلاج من الخارج وتقديمه للمواطنين مجانًا، وأنفقت الحكومة مبالغ طائلة للقضاء على الفايروس بشكل كامل، وتحتاج إلى ميزانيات كبيرة للتعامل مع باقي الأمراض، وهي في الأساس أمراض مزمنة يصعب القضاء عليها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب أن المطلوب من الحكومة المصرية تحسين جودة الخدمات الطبية التي تقدمها في ظل مشكلات ضخمة تواجه مسألة إقرار ميزانيات الصحة في مصر، وهي في حاجة إلى أن تتضاعف ليكون هناك تمويل مناسب لهذا القطاع، حيث يشير الوضع الطبي الحالي إلى أن كل مواطن في حاجة إلى ألف دولار سنويًا كي تقدم إليه الخدمة بشكل جيد، وهو رقم ضخم يصعب على الحكومة توفيره في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية.
ولفت سمير إلى أن القضاء على فايروس “سي” له خصوصية سياسية، لأن الرئيس عبدالفتاح السيسي وضعه على رأس برنامجه الانتخابي عام 2014، وفي ذلك الحين جرى الحديث عن وجود جهاز للعلاج، لكنه واجه سخرية العديد من المصريين قبل أن تتحرك جهات طبية وحكومية بطريقة علمية وجادة لتقديم العلاج اللازم للمرضى.
وتواجه خطة التأمين الصحي الشامل التي تنوي الحكومة الانتهاء منها عام 2030 صعوبات عدة في التنفيذ، وهي في حاجة إلى تدخل رئاسي جديد داعم لإتاحة الخدمات الطبية الحكومية وتقديمها إلى أكبر عدد من المواطنين.