احتكار الأعلاف والمضاربة يؤرقان المزارعين في تونس

مشاكل المزارعين تتعاظم

تونس

دعا الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى وضع حدّ لاحتكار توريد الأعلاف من عدد محدود من الأشخاص، في وقت تتفاقم فيه أزمة الأعلاف مع تواصل سنوات الجفاف وقلة المراعي التي تعد جزءا من النظام الغذائي للمواشي والأبقار.

وباتت عملية توفير الأعلاف تؤرق المزارعين في تونس، في ظل ارتفاع أسعارها مع تواصل ممارسات الاحتكار والمضاربة، وهو ما يهدد جدّيا الثروة الحيوانية في البلاد، كما أصبح الاحتكار مصدرا للإثراء غير المشروع من قبل عدد من شركات لتوريد وتصنيع الأعلاف.

وتتكرر شكوى المزارعين من ارتفاع أسعار الأعلاف خلال السنوات الأخيرة، إذ إن ما بين 60 و80 في المئة من تكاليف الإنتاج الحيواني متأتية من الأعلاف. وأكد الرئيس قيس سعيد، مساء الأربعاء، على "ضرورة وضع حد لاحتكار توريد العلف من قبل عدد محدود من الأشخاص”، لافتا إلى أنه “إما أن يتم توريد هذه المادة في إطار الشفافية المطلقة بعيدا عن أي احتكار أو مضاربة وإما أن تتولى الدولة بالقانون احتكار التوريد".

 وأشار سعيد خلال لقائه في قصر قرطاج بوزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عبدالمنعم بلعاتي إلى أن "صغار المزارعين، على وجه الخصوص، يعانون من الارتفاع المشط لأسعار العلف نتيجة لهذا الاحتكار المقنع والذي تخسر بسببه تونس كل يوم عددا كبيرا من المواشي". كما دعا الرئيس سعيد إلى تكثيف الجهد الوطني لتحلية المياه خاصة في ظل التغيرات المناخية وانحباس الأمطار.

وتم التأكيد خلال اللقاء على ضرورة الحفاظ على الثروة الوطنية من البذور لأنها تتلاءم مع مناخ البلاد وتمكن أيضا تونس من الحفاظ على استقلالها وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والعمل جار على أن يتحقق ذلك خاصة بالنسبة إلى القمح الصلب.

كما تم التطرق أيضا، إلى مشاريع الأوامر التي سيتم عرضها على مجلس الوزراء القادم والمتعلقة تباعا بإقرار حصول جائحة طبيعية معنيّة بتدخل صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية، وبتحديد مناطق الزراعات الكبرى المجاحة من جرّاء الجفاف للموسم الفلاحي 2022-2023، وبتنقيح الأمر عدد 732 لسنة 2009 المؤرخ في 16 مارس 2009 والمتعلق بضبط طرق تدخل صندوق النهوض بجودة التمور وطرق تسييره.

وخلف ارتفاع أسعار الأعلاف مع تواتر سنوات الجفاف، تذمّرا كبيرا في صفوف المزارعين، خصوصا مربي المواشي والأبقار، وسط تحذير من انعكاسات ندرة الأعلاف والتلاعب بمكونات ونسب تركيبتها.

وأفاد مروان الداودي، رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بسليانة (شمال غرب)، بأن "توريد الأعلاف خطر كبير على المزارعين فضلا عن غلاء الأسعار، حيث تتجاوز 100 كيلوغرام من الشعير الـ110 دنانير (34.76 دولارا)، و100 كيلوغرام من الأعلاف المركبة ما بين 120 دينار و155 دينارا (بين 37.91 و48.97 دولارا)، خصوصا تلك الموجهة لقطاعي الألبان واللحوم".

وقال لـ"العرب" إن "هناك كمّا هائلا من الأبقار التي تخرج من تونس نحو الجزائر، وبمستوى هذه الأسعار لم يعد باستطاعة المزارعين أن يواصلوا نشاطهم، كما يوجد تخوف في الفترة المقبلة من تهريب جزء كبير من قطيع الأغنام نحو ليبيا”. ولفت الداودي إلى أنه “تم التفريط في 500 بقرة من ولاية (محافظة) سليانة خلال شهر سبتمبر الماضي، وظاهرة الجفاف مع محدودية كميات الأعلاف فاقمت صعوبات المزارعين".

وتتهم السلطات التونسية المضاربين بالتسبب في النقص وارتفاع الأسعار نتيجة عمليات التهريب المنظمة لقطعان المواشي عبر الحدود مع الجزائر وليبيا. وسبق أن قال مدير الإنتاج الحيواني بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري منور الصغيري إن “حجم القطيع من الأبقار في سنة 2016، تجاوز 450 ألف رأس ليتقلص العدد حاليا، وفق آخر التقديرات، إلى حدود 388 ألف رأس”.

وتشير التقديرات إلى أن سعر مكعب العلف من التبن والذي يزن ما بين 25 و30 كيلوغراما قفز خلال شهر واحد بنحو 9 دنانير (2.9 دولار) ليصل سعره إلى 10.2 دولار. وأكد توفيق بالتومي، رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بقبلي (جنوب)، أن "المزارعين يواجهون مشكلة كبيرة في ظل ندرة الأعلاف مقابل غلاء أسعارها، وسط حالة من القلق جعلت البعض يفكر في بيع المواشي باعتبار الجفاف والتغيرات المناخية".

وأوضح لـ"العرب" أن "عددا من المزارعين نظموا مؤخرا وقفة احتجاجية بالجهة اجتجاجا على ارتفاع أسعار الشعير العلفي، حيث زاد سعر القنطار الواحد من 500 دينار إلى 800 دينار (من 157.98 إلى 252.77 دولارا)".

وأضاف توفيق بالتومي أن "الأعلاف أصبحت مكلفة، وليس كل المزارعين قادرين على اقتنائها، وهناك فئة معينة تورّد الأعلاف وتتحكم في الأسعار، وهذا ما يستدعي ضرورة تدخل الدولة في هذا القطاع الحيوي". وتابع “سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم اليوم يبلغ 40 دينارا (12.64 دولارا)، ولا يستبعد في ظل الأزمة القائمة أن يصل إلى سقف الـ70 دينارا (22.12 دولارا) في الفترة القادمة".

وتزدهر ظاهرة التفريط في القطيع خاصة لدى المزارعين في مناطق الوسط والساحل والجنوب، لأنها مناطق جافة ولا تتوفر على موارد علفية كافية. ويحمّل أهل القطاع تدهور عمليات الإنتاج الزراعي والحيواني إلى تقصير الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011، خاصة عدم تقديم الدعم للمزارعين في أوقات الأزمات.