السيسي يستفيد شعبيا من حرب غزة

طريق السيسي مفتوح لولاية ثالثة
انعكست التطورات في قطاع غزة على المشهد السياسي الداخلي في مصر قبل نحو شهرين على انتخابات الرئاسة، وسط أجواء يتنامى فيها مؤشر تصاعد المناوشات حول عملية تحرير توكيلات للمرشحين المحتملين، تزامنا مع أزمة اقتصادية استحوذت على اهتمام جزء كبير من المصريين، وطرحت أسئلة صعبة حول الآليات الناجعة التي سوف يتعامل معها المرشحون لحلها.
ولم يعد تركيز المصريين منصبا على انتخابات الرئاسة ومناكفاتها منذ اندلعت حرب غزة، وزادت القناعة بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي يمضي في طريق ولايته الثالثة بهدوء، وتراجع الحديث عن الأوضاع الاقتصادية المتردية، لصالح تصاعد النقاش بشأن تأثير الحرب المشتعلة في غزة على مستقبل الأمن والاستقرار السياسي.
وجاءت الحرب بين إسرائيل وحماس كجرس إنذار بأن هناك خطرا يهدد الدولة المصرية بقوة من الشرق، ما استدعى حديثا جرى عندما طالب مواطنون وزير الدفاع وقتها المشير عبدالفتاح السيسي بالترشح في انتخابات 2014 بعد سقوط حكم الإخوان، باعتباره المرشح الضرورة الذي تفرضه المقتضيات الأمنية للحفاظ على وحدة الدولة والتصدي للتحديات التي تجابهها.
وأسهمت المناقشات حول حرب غزة في إعادة المشهد السابق مع السيسي نفسه، حيث زادت شعبيته، أو على الأقل استعاد جزءا مما فقده منها بسبب تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وباتت عملية ترشحه أشبه بضرورة أمنية مرة أخرى.
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمود العلايلي إن “الجنوح إلى الاستقرار دائما ما يأتي على رأس أولويات المصريين عندما تكون لديهم حرية إبداء الرأي عبر صناديق الاقتراع، بغض النظر عما سوف تؤول إليه الأوضاع في قطاع غزة، لكن بالطبع الأحداث الملتهبة في أكثر من منطقة حدودية تضاعف من الرغبة في أن يبقى الوضع الداخلي في حالة مستقرة، وهو ما يدعم الحاجة إلى تواجد الرئيس السيسي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “لا يوجد منافس حقيقي له في الانتخابات المقبلة، لكن ذلك لا ينفي أن المواطنين سوف يذهبون إلى الانتخابات وهم يضعون في حساباتهم اختيار من يستطيع القيام بالأدوار الدفاعية والحفاظ على الأمن القومي المصري ومجابهة التحديات التي تواجه الدولة شرقا وغربا وجنوبا”.
وأوضح أن استحداث خطر للأرض يجعل المصريين يضعون ذلك في أذهانهم كقيمة مهمة أكثر من أي قيم اقتصادية، وهو ما يظهر في المسائل الاجتماعية التي يكون فيها تعامل بين المصريين وبعضهم حينما يتعلق الأمر بالأرض، فهي محرك رئيسي ومهم في تفكير المواطنين بوجه عام، وفي توجهاتهم السياسية.
وركزت كلمات مقتضبة قالها السيسي، الثلاثاء، على عبارات تتجاوب مع مخاوف المصريين، وأبرزها “أمن مصر القومي مسؤوليتي الأولى ولا تهاون أو تفريط فيه تحت أي ظرف، وأن مصر لا تتخلى عن التزامها بالقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية”.
وأكدت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر أنها تلقت أوراق ثلاثة مرشحين منذ فتح باب الترشح في الخامس من أكتوبر الجاري، وهم: السيسي، وفريد زهران رئيس حزب المصري الديمقراطي، وعبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد.
وأعلنت رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، الأربعاء، انسحابها من السباق الانتخابي واستجابتها لأعضاء الجمعية العمومية للحزب الذين صوتوا لصالح عدم المشاركة في الانتخابات، وأنها تعرضت لتجاوزات في أثناء عملية تحرير التوكيلات.
ومن المقرر غلق باب الترشح للانتخابات المصرية السبت المقبل، ويبقى المرشحان المحتملان أحمد الطنطاوي رئيس حزب تيار الكرامة سابقا، وأحمد الفضالي رئيس حزب السلام الديمقراطي فقط اللذان لم ينتهيا بعد من تحرير التوكيلات الشعبية المطلوبة.
وذكر مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة عمرو الشوبكي أن هناك حالة من القلق الشعبي في الوقت الراهن تخدم السيسي، مع الرفض الشعبي والرسمي لأفكار متداولة في إسرائيل تتعلق باقتطاع جزء من سيناء كوطن بديل للفلسطينيين في غزة.
وأوضح الشوبكي في تصريحات لـ”العرب” أن حرب غزة تدعم دور الرئيس المصري على المستوى الداخلي والخارجي، فالصراعات تعلي من قيمة الدول المستقرة، ومصر لديها حضور مهم في المواجهات السابقة مع إسرائيل، ومع خفوت الحرب وتراجع التهديدات المرتبطة بأمن سيناء بعد أسابيع أو أشهر سوف يندفع الداخل للعودة مرة أخرى إلى العلامات المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية بكل تعقيداتها، والسياسية بتشابكاتها المختلفة.
ويبدو تفضيل مرشح له خلفية عسكرية أمرا حاضرا في العقل الجمعي للمصريين، الأمر الذي تعكسه طبيعة الزعماء الذين توافدوا على الحكم منذ خمسينات القرن الماضي، وعلى واقع الخبرة تشكلت رغبة ليكون البحث منصبا دائما على دعم رئيس قوي.
وأخذ الارتباط الخاص بخلفية المرشحين للرئاسة تتزايد أهميته منذ نحو عشر سنوات عندما كانت الدولة المصرية تواجه تهديدات مصيرية مع انتشار عناصر إرهابية في سيناء، والمخاطر التي واجهتها مناطق عدة، تعرضت لعمليات إرهابية قام بها متطرفون، ولذلك فالاتجاه لرئيس ينحدر من المؤسسة العسكرية يُنظر إليه بتقدير في اللحظات الحاسمة والتحديات المصيرية التي تواجهها الدولة.