اهتمام متصاعد بالجبهة الاجتماعية يخفي هواجس الاستقرار لدى السلطة الجزائرية

أبدت الحكومة الجزائرية اهتمامها بالإجراءات الاجتماعية رغم انعكاساتها على التوازنات المالية من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين وضمان الحياة الكريمة للفئات الهشة، في خطوة تظهر حسب مراقبين مخاوف السلطة من تداعيات حالة الاحتقان والغضب المتفاقمة في الشارع الجزائري.

الرهانات الاجتماعية تحرج السلطة

الجزائر

أكد رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن خلال جلسة الرد على أسئلة النواب على هامش عرض بيان السياسة العامة للحكومة، على السهر الشخصي للرئيس عبدالمجيد تبون على الجبهة الاجتماعية، خاصة في ما أسماه بـ”كرامة المواطن والقدرة الشرائية”، مما يترجم حجم الهواجس التي تؤرق السلطة ومخاوفها من تداعيات حالة الاحتقان والغضب المتفاقمة في الشارع الجزائري.

وشدد رئيس الحكومة الجزائرية على أن الرئيس تبون حريص على الاهتمام بتوفير “الحياة الكريمة والقدرة الشرائية للجزائريين”، وهي نبرة تريد الإيحاء إلى أفضال رئيس الدولة على الفئات الاجتماعية الهشة، وإلى علاقة وجدانية بين هرم السلطة والشارع، تستشف منها رسائل غزل سياسي قبل حوالي عام من الانتخابات الرئاسية القادمة.

وأعاد ابن عبدالرحمن التذكير أمام نواب المجلس الشعبي الوطني بحزمة الإجراءات الاجتماعية التي تطبقها الحكومة منذ العام 2020، من أجل حماية القدرة الشرائية وضمان الحياة الكريمة للفئات الهشة، بداية من منحة البطالة وزيادة الرواتب والمعاشات (التقاعد ومنح اجتماعية)، ودعم المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، وتكثيف الدور الرقابي للمؤسسات الحكومية لمحاربة المضاربة والاحتكار.

رغم أنها تكلف الخزينة العمومية نحو 20 مليار دولار، إلا أن الإجراءات الحكومية تبقى ذات دور مسكّن للأوجاع

ورغم أنها تكلف الخزينة العمومية نحو 20 مليار دولار، حسب بيانات متداولة في الآونة الأخيرة، إلا أن الإجراءات الحكومية تبقى تؤدي دور مُسَكّن الأوجاع بدل الحل الجذري، قياسا بتفاقم مؤشر التضخم والغلاء، والندرة المتجددة في ظل الإصرار على كبح جماح الاستيراد، بدعوى تحقيق التوازن أو بلوغ المستوى الإيجابي في الميزان التجاري. 

وأشار رئيس الوزراء إلى أن “الحفاظ على كرامة المواطن وقدرته الشرائية خط أحمر، وذلك ما تلتزم الحكومة دوما بتطبيقه، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية، وإيمانا منها بأنه الصواب مهما كانت الظروف المالية والاقتصادية للبلاد”.

وأضاف “حماية القدرة الشرائية هي مسألة حيوية تكتسي أقصى درجات الأهمية لدى رئيس الجمهورية، وأن الحكومة تحرص دوما على الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية المكرس في بيان أول نوفمبر وفي الدستور، وذلك من خلال وضع المواطن ضمن أولوية الأولويات مهما كانت الظروف”.

وذكّر ابن عبدالرحمن بالمقاربة التي اعتمدتها الحكومة في مساعيها لدعم القدرة الشرائية وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين عبر جملة من الإجراءات والآليات، في إطار مسعى للحفاظ على القدرة الشرائية يظهر جليا في تطور مبلغ التحويلات الاجتماعية المباشرة المنتظر أن يرتفع من 27 مليار دولار خلال العام الجاري إلى نحو 29 مليار دولار خلال العام الداخل. 

ويمثل الرقم الجديد للتحويلات الاجتماعية نحو ثلث الموازنة السنوية للدولة، المقدرة خلال العام الجاري بـ109 مليارات دولار بعد تصحيحها في الأسابيع الأخيرة، وينتظر أن تحافظ على نفس السقف خلال موازنة العام القادم، غير أن انتقادات النواب كانت شديدة للحكومة، كون الوضع المعيشي والاجتماعي لغالبية الجزائريين لا يعكس حجم الإنفاق المعلن عنه.

ويبدو أن جهود الحكومة لاحتواء التداعيات الاقتصادية التي بدأت بجائحة كورونا، ثم حرب أوكرانيا، لم توفق في تطويق الأزمة المهددة بانفجار وشيك، في ظل توسع مظاهر الغلاء والندرة وتدهور القدرة الشرائية، خاصة في ظل الخيارات المنتهجة كالتقشف وحظر الاستيراد وتقليص الاستثمارات العمومية الكفيلة بخلق القيمة المضافة. 

وحول ما أثاره بعض النواب بخصوص العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لاسيما ما يتعلق بتعزيز التواصل بينهم وبين أعضاء الحكومة، أكد رئيس الوزراء على “حرص الحكومة على تمكين البرلمان من أداء دوره الرقابي، بإطلاق منصة رقمية على مستوى وزارة العلاقات مع البرلمان تربط كل القطاعات الوزارية وديوان رئيس الوزراء، بما يضمن العصرنة والفعالية المطلوبة في تسيير هذا الملف”.

وشدد على استعداد الحكومة التام لتنفيذ أي إجراء يراه المجلس الشعبي الوطني مناسبا، قصد تحسين سير الآلية وضمان التقيد بالآجال الدستورية للإجابة، حتى وإن اقتضى الأمر نزول كل أعضاء الحكومة إلى قبة البرلمان كل يوم خميس من الأسبوع.

ولجأت الحكومة إلى قطاع الوظيفة العمومية لاحتواء نسبي لأرقام البطالة المتفشية خاصة في أوساط خريجي التعليم العالي، حيث تم إطلاق عمليات توظيف في الجامعات وفي قطاع التربية والأسلاك شبه العسكرية كالشرطة والدفاع المدني، فضلا عن تسويات إدارية لنحو 600 ألف موظف بشكل يحسن مداخيلهم الشهرية.

وباتت المعالجة الفئوية لمختلف الطبقات الاجتماعية والعاملة أسلوب الحكومة في استرضاء الشارع الجزائري، ففي كل مرة يتم الإعلان عن تسوية إدارية تؤمن مدخولا إضافيا لأصحابها، لكن ذلك لم يكبح جماح التضخم والغلاء وانهيار القدرة الشرائية، فقد تم توظيف عشرة آلاف طالب حائز على شهادة الدكتوراه في الجامعات، وتم دمج ومراجعة وضعية نحو 600 ألف موظف في مختلف القطاعات التابعة للوظيفة الحكومية.

وينتظر أن تلقي العملية المذكورة عبئا جديدا على الخزينة العمومية، مقابل تراجع دور القطاع الاقتصادي والاستثمارات الخاصة في استقطاب اليد العالمة، إن لم يكن قد لفظ أعدادا من منتسبيه إلى لوائح العاطلين بسبب مناخ الأعمال والاستثمار الذي أحال قطاعا عريضا من النسيج العامل خاصة في مجال البناء والمنشآت على البطالة.