كلمات قمة القاهرة على وقع القصف في غزة
أوصلت إسرائيل رسالة سلبية ومباشرة إلى قمة القاهرة للسلام التي حضرها ملوك ورؤساء دول وحكومات ومسؤولون كبار السبت بمواصلتها قصف قطاع غزة بالمزيد من الصواريخ التي أوقعت عشرات الضحايا من الفلسطينيين، وأظهرت عدم اعتداد بالمعاني التي رمت إليها القمة بشأن وقف الحرب وتمهيد الطريق لاستئناف عملية السلام، وذلك قبل أن تحقق الحكومة الإسرائيلية أهدافها الصعبة من الحرب.
وجاء جزء كبير من كلام ممثلي الدول المختلفة في قمة القاهرة أشبه بالتذكير بحقوق الفلسطينيين التاريخية وكأنه مؤتمر سلام حقيقي وليس مؤتمرا يعقد على وقع حرب دمرت فيها إسرائيل الكثير من مباني غزة، بذريعة الانتقام من حركة حماس الفلسطينية.
ورغم السعي المصري للإيحاء بأن التحرك يهدف إلى حماية الفلسطينيين وحل الأزمة الإنسانية، إلا أن ذلك لم يلغ الانطباع السائد بأن القمة كان محركها الأساسي حماية مصر والأردن من اللاجئين الفلسطينيين الذين قد تدفع بهم إسرائيل إلى هجرة جديدة باتجاه الأراضي المصرية والأردنية، وهو ما يظهر من خلال اللقاء بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وتشديدهما على أن “أيّ محاولة للتهجير القسري إلى الأردن أو مصر مرفوضة”.
ولا يتوقع من قمة السلام أن تتوصل إلى نتائج ملموسة في ظل المزاج الإسرائيلي والأميركي والغربي عموما الذي يدفع نحو التصعيد واستبعاد خيار وقف إطلاق النار في حرب غزة في الوقت الراهن، ما يجعل أيّ مساع للتهدئة تتبناها القمة غير ذات جدوى.
وغطت فعاليات القمة ومواصلة إسرائيل قصفها على أهداف في غزة وجنوب لبنان على خطوة طال انتظارها تتعلق بفتح معبر رفح البري السبت أمام دخول المساعدات الغذائية والدوائية من مصر إلى غزة، والتي تأجلت أكثر من مرة، وواجهت تعقيدات وشروطا قاسية من الجانب الإسرائيلي.
وعلى الرغم من المعاناة الإنسانية التي يواجهها القطاع قفزت الكثير من كلمات رؤساء الوفود إلى حلم الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، وما إلى ذلك من سرديات جاءت في غير أوانها العسكري والسياسي، لأن الدولة المعنية بهذه المسألة، وهي إسرائيل، غائبة ورافضة أصلا لمناقشة هذا الأمر، والولايات المتحدة التي تستطيع رعاية هذا النوع من الحلول المصيرية جاء تمثيلها محدودا في صورة أشبه بالاعتراض.
وقال الرئيس المصري في الكلمة الافتتاحية إن الإنسانية في اختبار أمام ما يحدث في غزة. وأضاف “ندين بوضوح استهداف المدنيين المسالمين”، مشدداً على أن “تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث وخاصة على حساب مصر”، مطالبا بوضع “خارطة طريق تنهي المأساة الإنسانية بغزة وإحياء مسار السلام.. خارطة الطريق تبدأ بوقف إطلاق النار وصولا إلى إقامة دولة فلسطينية”.
ولم تكن دوائر سياسية عديدة تعوّل كثيرا على قمة القاهرة لتحقيق اختراق سياسي ملموس في ظل أجواء تشهد تصعيدا عسكريا متلاحقا، وتوقعت أن يكون ممثلو الدول المختلفة جزءا منه إبراء للذمة والتظاهر بعدم الممانعة للسلام، والجزء الآخر لإثبات الحضور من قبل دول غربية لتثبيت الرواية الإسرائيلية.
وهناك عدد من القادة حضروا كنوع من المجاملة الرمزية للقاهرة التي تحمست للقمة لتأكيد حماية حقها في إجهاض عملية توطين لاجئين من غزة في سيناء، وهو الهدف نفسه الذي كان الأردن معنيا به، فالنزوح من غزة إلى سيناء قد يجلب معه أو بعده نزوحا مماثلا من الضفة الغربية المحتلة إلى الضفة الشرقية في الأردن، ما يضع على المملكة عبئا جديدا في ملف اللاجئين.
وحاول بعض المسؤولين أن تكون كلماتهم في الجلسة الافتتاحية منسجمة مع الواقع، وتحمل مضمونا متوازنا، فقد كشفت الحرب عن مواقف حديّة، وأوحت بأن هناك فسطاطين، أحدهما يدعم حقوق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم والتشبث بها، والآخر يؤيد دفاع إسرائيل عن نفسها بكل الوسائل وبلا ضوابط قانونية أحيانا.
وأكد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن بلاده تعمل مع “أشقائها وأصدقائها على الوقف الفوري لإطلاق النار، وتوفير الحماية للمدنيين، وضمان ممرات إنسانية آمنة لدعم قطاع غزة”.
وأوضح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن الأحداث المأساوية في فلسطين تحتم التحرك العاجل لوقف إطلاق النار، معلنا رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، قائلا “نأمل أن تسهم القمة في تحرك حاسم للمجتمع الدولي لإيجاد حل لهذه الأزمة، ونؤكد على تمسك المملكة بالسلام خيارا إستراتيجيا عبر الوقوف مع الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المشروعة”.
ولم يصدر عن القمة بيان ختامي في ظل الحديث عن خلاف بشأن الصياغات، ما اضطر مصر لإصدار بيان خاص بها.
ويقول متابعون إن قمة القاهرة حوت إشارات إيجابية عن الدور المصري، خاصة أن التمثيل الإقليمي والدولي جاء مناسبا، فالترتيب للقمة لم يستغرق وقتا طويلا، وخلال بضعة أيام نجحت الرئاسة المصرية في دعوة عدد كبير من الملوك ورؤساء الدول والحكومات، والوزراء والسفراء، وهو اعتراف ضمني بما يمكن أن تقوم به القاهرة في الفترة المقبلة.
◙ عدد من القادة حضروا مجاملة للقاهرة التي تحمست للقمة لتأكيد رفضها عملية توطين لاجئين من غزة في سيناء
وأشار الخبير في الشؤون العبرية أحمد فؤاد أنور إلى أن إسرائيل لم تكن معنية كثيرا بالقمة، لأن تفكير قادتها حاليا ينصبّ على كيفية الانتقام من حماس ووضع ترتيبات أمنية جديدة في غزة تجتث البنية العسكرية للمقاومة، ولا تجعل لها دورا في المستقبل، وهو توجه يعتقد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أنه سيخفف عنه الضغوط الداخلية التي يتعرض لها منذ عملية السابع من أكتوبر الحالي.
ولفت في تصريح لـ”العرب” أن متابعة إسرائيل لقمة القاهرة كانت في حدود تمكنها من فرز المواقف السياسية، والتي جاءت كلمات الوفود الغربية متوافقة مع تصوراتها ورؤيتها للحرب، وفهمت فحوى رسالة بعض الدول العربية التي عبّرت عنها كلمات الرئيس السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وذكر فؤاد أنور أن مصر حققت أهدافها من القمة وفي مقدمتها إعادة إحياء القضية الفلسطينية لوضعها على جدول المجتمع الدولي قريبا بدلا من تجاهلها، لأنها يمكن أن تتسبب في تفجير المنطقة ما لم يتم التعامل معها بقدر من العدالة، وسوف تظل قنبلة قابلة للانفجار في أيّ وقت، ولذلك فالحل يجب أن يأتي من رحم إعادة الاعتبار لها.