الأردن يستعد لمواجهة تداعيات الحرب على غزة مع القليل من الخيارات

مع دخول الحرب بين إسرائيل وحماس أسبوعها الرابع تجد المملكة الأردنية نفسها على خط مواجهة مجموعة معقدة من التحديات الداخلية والخارجية. ومع اندلاع حرب برية محفوفة بالمخاطر في غزة الآن، تستعد المملكة الهاشمية لصراع أوسع نطاقا وتأثيرات متعددة.

الملك عبدالله الثاني: لن يكون هناك لاجئون في الأردن ولن يكون هناك لاجئون في مصر

عمان

يواجه الأردن العديد من التحديات الداخلية والخارجية والضغوط المتزايدة جراء تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، في ما لا تمتلك الحكومة خيارات كثيرة للتعامل معها .

ويقول جون كالابريس أستاذ السياسة الخارجية الأميركية في جامعة واشنطن في تحليل على موقع معهد الشرق الأوسط إن السخط الشعبي إزاء الفساد واللامبالاة من جانب المسؤولين الحكوميين والعائلة المالكة نفسها يتزايد، على الرغم من عدم وجود دلائل تذكر على أن بقاء النظام الملكي معرض للخطر.

ويضيف كالابريس في معرض تحليله أن ما يغذي هذا السخط تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية بعد فشل الاقتصاد الأردني في استيعاب الصدمات الخارجية المتعاقبة، وتحديداً جائحة كوفيد – 19 وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.

ووفقًا للأرقام الرسمية، بلغ معدل البطالة 22.3 في المئة في الربع الثاني من عام 2023 وأكثر من 40 في المئة لمن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا.

وتزيد أسعار الفائدة، التي استمرت في الارتفاع نتيجة لفترة متواصلة من ارتفاع معدلات التضخم وربط العملة الأردنية بالدولار الأميركي، من الضغط على دخل الأسر المعيشية، في ما لا تزال أسعار السلع الأساسية مرتفعة، وفقاً لمعايير ما قبل عام 2022.

وفي الوقت نفسه، ظل نمو الأجور راكداً على نطاق واسع. وتضخم الدين العام إلى نحو 110 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ممّا أدى إلى زيادة مدفوعات خدمة الدين الخارجي وبالتالي فرض عبئا ثقيلا على احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية.

التحديات

على الرغم من نجاحه في قمع الهجمات الجهادية ومنعها من التسلل إلى المملكة ولعب دور محوري في المصالحة العربية مع نظام بشار الأسد، إلا أن الأردن استمر في مواجهة الآثار غير المباشرة للحرب الأهلية السورية. وفي الوقت نفسه، تدهورت علاقاته مع إسرائيل.

وتخوض المملكة معركة صعبة ضد تزايد تهريب المخدرات والأسلحة وتحمل عبئًا ثقيلًا من اللاجئين، مما يزيد من استنزاف مواردها.

وعلى الجانب الآخر من حدودها الشمالية مع سوريا، أدت حالة الفوضى السائدة إلى تحويلها إلى طريق عبور رئيسي لتهريب الكبتاغون، وهو الأمفيتامين المربح للغاية والذي يسبب الإدمان، إلى جانب المخدرات والأسلحة الأخرى.

وبالإضافة إلى ذلك، أدى خفض برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مؤخراً للمساعدات المقدمة إلى 119 ألف سوري يقيمون في مخيمي اللاجئين الزعتري والأزرق في الأردن بمقدار الثلث إلى زيادة الضغوط المالية على الحكومة.

وفي الوقت نفسه، تدهورت علاقات الأردن السياسية مع إسرائيل. فخلال فترة رئاسة بنيامين نتنياهو الطويلة للوزراء (2009 – 2021)، كانت علاقات الأردن مع إسرائيل فاترة. وعلى الرغم من تحسن العلاقات الثنائية إلى حد ما خلال فترة “ائتلاف التغيير” الإسرائيلي التي استمرت 18 شهرًا بزعامة نفتالي بينيت ويائير لابيد، إلا أن عودة نتنياهو إلى السلطة على رأس ائتلاف قومي يميني متشدد في نهاية عام 2022 أججت التوترات من جديد.

ولا تزال معاهدة وادي عربة للسلام مع إسرائيل عام 1994 لا تحظى بشعبية كبيرة في الأردن. ووفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة “جيروزاليم بوست” في مارس 2022، صنف 32 في المئة من المشاركين إسرائيل على أنها الدولة الأكثر تهديدًا لأمن الأردن، وحدد 48 في المئة الدولة اليهودية باعتبارها الدولة الأكثر مسؤولية عن عدم الاستقرار الإقليمي.

ووجد مؤشر الرأي العربي 2022 الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومقره الدوحة، في يناير من هذا العام أن 94 في المئة من الأردنيين الذين شملهم الاستطلاع يعارضون أيّ اعتراف بإسرائيل أو إقامة علاقات معها.

ومما أثار شبح تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة في ديسمبر الماضي، مع اقتراب حكومة متشددة جديدة في إسرائيل من تولي السلطة، حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” قائلاً “علينا أن نقلق بشأن الانتفاضة المقبلة.. وإذا حدث ذلك، فهذا انهيار كامل للقانون والنظام، ولن يستفيد منه لا الإسرائيليون ولا الفلسطينيون”.

تتصارع مع الصراع

أدت الحرب في غزة إلى تفاقم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه المملكة الهاشمية. ويعيش في الأردن أكثر من مليوني فلسطيني أو 40 في المئة من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين المسجلين.

ومنذ بداية الحرب، خرج الآلاف من الأردنيين إلى الشوارع يوميًا في عمان وفي جميع أنحاء البلاد في مسيرات مؤيدة للفلسطينيين نظمتها أحزاب المعارضة وللاحتجاج على حملة القصف الإسرائيلي والتوغلات في غزة.

وحاول بعض المتظاهرين الشباب اقتحام السفارة الإسرائيلية، بينما ورد أن آخرين طالبوا السلطات الأردنية “بفتح الحدود” حتى يتمكنوا من الانضمام إلى القتال من أجل “تحرير فلسطين”.

وحث قادة حماس العشائر الأردنية على الدخول في الصراع ضد إسرائيل. ويواجه الملك عبدالله الثاني دعوات متزايدة لطرد الدبلوماسيين الإسرائيليين وإلغاء اتفاق السلام الأردني مع إسرائيل.

وبعد أسبوعين من الحرب، وفي قمة شرق أوسطية طارئة في القاهرة، عبّر العاهل الأردني عن الغضب الشعبي المتزايد للأردنيين، وانتقد إسرائيل بشدة لفرضها “عقاباً جماعياً” على الفلسطينيين في غزة.

وبالمثل، انتقد الدبلوماسيون الأردنيون إسرائيل علناً. وفي الوقت نفسه، وجه المسؤولون في عمان غضبهم وإحباطهم ليس فقط إلى إسرائيل، بل أيضاً إلى “الصمت” الغربي في مواجهة المعاناة الفلسطينية والدعم الأميركي غير المشروط على ما يبدو للانتقام الإسرائيلي.

وفي مقابلة مع شبكة “سي إن إن” شجبت الملكة رانيا، وهي من أصل فلسطيني، “الكيل بمكيالين الصارخين في مواجهة مثل هذه المعاناة الإنسانية”، والتي “بالنسبة إلى الكثيرين في منطقتنا تجعل العالم الغربي متواطئا”.

وفي اليوم الحادي والعشرين من الصراع، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا غير ملزم قدمه الأردن يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية”، حتى في الوقت الذي كانت فيه قوات الدفاع الإسرائيلية أعلنت عن توسيع العمليات البرية وفرض تعتيم شبه كامل للاتصالات على الجيب المحاصر.

ومع استمرار الحرب في أسبوعها الرابع، يتصارع الأردن مع الأبعاد المتعددة للصراع المتصاعد بسرعة. فعلى الصعيد الداخلي، سعت السلطات الأردنية إلى احتواء الاحتجاجات. ومنعت وزارة الداخلية التجمعات والتظاهرات في الأغوار والمناطق الحدودية. وفي وقت سابق، أطلقت الشرطة الأردنية الغاز المسيل للدموع لتفريق الآلاف من المتظاهرين المحتجين في منطقة محيطة بالسفارة الإسرائيلية.

وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك شكوك حول احتمال أن يكون بعض الإسرائيليين يفكرون في فكرة نقل السكان.

ومما يعكس هذه المخاوف، رفض بيان مشترك صدر خلال قمة القاهرة، بعد اجتماع الملك عبدالله مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، “أيّ محاولة للتهجير القسري لسكان غزة إلى الأردن ومصر”.

وفي مؤتمر صحفي عُقد في 17 أكتوبر عقب اجتماعه مع المستشار الألماني أولاف شولتز في برلين، قال الملك عبدالله الثاني بشكل لا لبس فيه “لن يكون هناك لاجئون في الأردن ولن يكون هناك لاجئون في مصر”، معلناً أن ذلك “خط أحمر”.

وفي ترديد لتصريحات الملك عبدالله، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بشكل مثير للقلق، إن أيّ محاولة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية سوف “تعتبر بمثابة إعلان حرب”.

وهز الصراع الحالي في غزة أسس علاقة الأردن مع إسرائيل. وفي انعكاس للتوتر الذي فرضه الصراع على العلاقات، قرر الأردن سحب سفيره من إسرائيل. ومع ذلك، يحتاج الأردن إلى إسرائيل، وبالتالي يجد نفسه في مأزق يتفاقم بشكل مطرد.

وفي مواجهة أزمة المياه المتفاقمة والنقص المحتمل الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار، كان الأردن يقترب من وضع اللمسات النهائية على اتفاق ملزم بشأن “مقايضة المناخ” مع إسرائيل قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2023 (المؤتمر الثامن والعشرون للأطراف، COP28)، عندما اندلعت حرب غزة.

وتتوخى المبادرة، التي يطلق عليها اسم “مشروع الازدهار” والتي ترعاها دولة الإمارات العربية المتحدة، بيع المياه المحلاة للأردن من إسرائيل وشراء إسرائيل الكهرباء الخضراء من مزرعة للطاقة الشمسية بتمويل إماراتي في الأردن.

ومن المرجح أن تؤدي حرب غزة على الأقل إلى تأجيل هذا المشروع، إن لم يكن إلى خروجه عن مساره، فضلاً عن تأخير استكمال المنطقة الصناعية المشتركة “بوابة الأردن” التي تمت الموافقة عليها سابقاً.

وتمتد التداعيات الاقتصادية السلبية المحتملة للصراع المتصاعد على الأردن إلى ما هو أبعد من علاقتها مع إسرائيل.

وقبل وقت قصير من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، حذر تقرير لصندوق النقد الدولي من أن الضغوط الاقتصادية المتزايدة تهدد “الاستقرار الاجتماعي والسياسي” في الأردن وكذلك مصر ولبنان.

ومنع أنصار قوات الحشد الشعبي العراقية، المحتجين على الهجمات الإسرائيلية على غزة، شاحنات ناقلات النفط من العبور إلى الأردن، قائلين إنهم لن يسمحوا بتصدير النفط العراقي إلى الدول التي أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل.

واعتماداً على مدة استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس ومدى استمرارها، يمكن أن يعاني الأردن من انخفاض حاد في السياحة والاستثمار الأجنبي، فضلاً عن تعطيل التجارة عبر الحدود.

ويمكن للخطة الكبرى التي تدعمها الولايات المتحدة لبناء الممر الاقتصادي متعدد الوسائط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، والذي سيمر عبر الأردن، أن تصبح ضحية للصراع في غزة.

كما أدى الصراع إلى تعقيد علاقة الأردن مع الولايات المتحدة. وألغى الملك عبدالله، الشريك الإقليمي القوي لواشنطن، اجتماعه مع الرئيس جو بايدن في عمّان في أعقاب الانفجار المميت الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة.

ومن المؤكد أن استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى “هدنة إنسانية” في الصراع قد قوبل بالاستياء في عمان.

ويقال إن المسؤولين الأردنيين (والمصريين) اعتبروا تعهد الولايات المتحدة بتقديم حزمة بقيمة 100 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بمثابة لفتة رمزية.

ونظراً إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر مساهم منفرد في المساعدات الثنائية للأردن (وهي المساعدات التي أصبحت البلاد تعتمد عليها بشكل كبير) فمن المرجح أن تتحرك عمّان بحذر خشية أن تؤدي خلافاتها مع واشنطن بشأن الصراع إلى إلحاق ضرر كبير بالعلاقات.

ومع ذلك، كلما طالت الحرب وزادت الخسائر في أرواح المدنيين في غزة، أصبح من الصعب على النظام الملكي الأردني أن يوازن بين مهام إدارة علاقاته مع واشنطن من ناحية والتداعيات السياسية الداخلية الناجمة عن الصراع على غزة.

وفي حديثه في مؤتمر صحفي عُقد في 19 أكتوبر، ومع فشل الجهود الدبلوماسية في تحقيق نتائج لإنهاء الصراع في غزة، أعرب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن خوفه من أن “الأسوأ قادم”.

ويبدو أن اعتقاله قد تأكد، بعد ما يزيد قليلا عن أسبوع، تقدمت القوات الإسرائيلية إلى الجزء الشمالي من الجيب، مصحوبة بقصف جوي ومدفعي مكثف ووسط انقطاع الاتصالات. ومع بدء مرحلة جديدة خطيرة من الحرب بين إسرائيل وحماس، ينتظر الأردن التداعيات، حيث لا يتمتع بنفوذ كبير ولا يملك سوى القليل من الخيارات السياسية.