تونس أمام رهان الحد من العنف والتنمر في المدارس
تتفاقم ظاهرة العنف المدرسي والتنمر في الأوساط التربوية بتونس حسب الخبراء، وتطال عواقبها عددا هائلا من الأطفال والمراهقين، ما يضر التحصيل الدراسي للتلاميذ وينعكس سلبا على صحتهم العقلية ونوعية حياتهم بشكل عام، ما يستدعي، حسب الخبراء، إرساء مدرسة دامجة ترسّخ القيم الإنسانية والكونية في الفضاء المدرسي.
وقدّر بعض المتخصصين في علم النفس السريري والمرضي وفي علم الاجتماع التربوي إمكانية الحد من هذه الظواهر عبر تدابير ممكنة منها إرساء مدرسة دامجة تغرس القيم الإنسانية عبر الممارسة.
وأوضح الأخصائي في علم النفس السريري والمرضي طارق السعيدي أن التلميذ يمارس العنف ضد الفئات التي تشكو هشاشة نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو جسدية أو ذهنية، إما تقليدا لما رآه من عنف من حوله أو محاكاة للعنف الذي يتعرض له أو رغبة في الانتماء إلى مجموعة تمارس العنف، الأمر الذي يمكنه في ذات الوقت من حماية نفسه من تعنيفهم، وهو بذلك شكل من أشكال إظهار قوة شخص ما عبر إلحاق ضرر معنوي بالمستضعفين.
وحذر في تصريح لوكالة الأنباء التونسية من تأثير العنف وخاصة المعنوي منه بما في ذلك التنمر على نفسية الطفل، حيث أنه يخلف اضطرابات في النوم وقلة أو فرطا في شهية الأكل والقلق والاكتئاب وصعوبات التعلم والرسوب والتسرب المدرسي.
ولفت إلى أن العديد من الأطفال يخيرون عدم البوح لآبائهم بالعنف الذي يتعرضون إليه، إلا أنه يمكن التفطن إلى ذلك من خلال ملاحظة حصول تغير في مزاجهم أو سلوكهم، حيث يمكن أن تظهر على الطفل ضحية العنف بعض العلامات الدالة ومنها المعاناة من الكوابيس أثناء النوم، خاصة التي تظهر فيها الثعابين والكلاب أو الوقوع في الحفر العميقة، والعصبية غير المبررة وممارسة العنف ضد المحيطين به واللعب بطريقة عنيفة، والشعور بأوجاع في البطن أو في الرأس والتقيؤ ورفض الذهاب إلى المدرسة.
وفي ذات السياق، أكدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في بلاغ أصدرته بمناسبة إحياء اليوم الدولي لمكافحة كل أشكال العنف والتنمر في المدارس ومنها التنمر الإلكتروني، الموافق لأول يوم خميس من شهر نوفمبر من كل سنة، أن احتمالات شعور التلاميذ المعرضين للتنمر بأنهم منبوذون في المدرسة ثلاثة أضعاف احتمال شعور غيرهم من الطلاب بذلك.
ولفتت المنظمة إلى أن احتمالات غياب ضحايا التنمر عن المدرسة تقدر بضعف احتمالات غياب سائر التلاميذ عنها، فضلا عن أن ضحايا التنمر يحرزون نتائج أسوأ من النتائج التي يحرزها زملاؤهم، ويعدون أكثر عرضة للانقطاع عن التعليم بعد إتمام التعليم الثانوي.
وتمر مساعدة الأبناء على تجاوز التأثيرات السلبية للعنف بجميع أشكاله وخاصة منها التنمر، حسب السعيدي، عبر اكتشاف نقاط ضعف الطفل المكشوفة للعيان والتي تجعل منه ضحية والعمل على تجاوزها إن أمكن، واعتماد التواصل الفعال والإيجابي داخل العائلة الأمر الذي يجعل الطفل قادرا على تطوير قدرات نفسية تتميز بالمرونة التي تخول له تقبل وتجاوز صعوبات الحياة بما ذلك التعرض إلى حوادث التنمر والعنف.
ويسهم تشجيع الطفل ضحية العنف على الانخراط والمشاركة في الأنشطة الخارجية وممارسة الرياضة والمسرح، في تعزيز ثقته بنفسه ومساعدته مع الوقت على التخلص من نقاط ضعفه التي كانت سببا في تعرضه للعنف.
وفي سياق الحلول الممكنة، شددت المختصة في علم الاجتماع التربوي إيمان بن دعدوش، السبت، على أن إرساء مدرسة تونسية دامجة تغرس القيم الإنسانية الكونية عن طريق الممارسة كفيل بالحد من تفشي العنف بجميع أشكاله داخلها. وبينت في تصريح لوكالة الأنباء التونسية أن المدرسة التونسية اليوم تعتمد على بعض الدروس النظرية في مادة التربية المدنية أو غيرها من أجل تلقين التلاميذ مبادئ القيم الإنسانية الكونية لتتحول بعد مدة زمنية إلى مجرد معلومات منسية ليس لها أثر فعلي على تعديل سلوكيات التلاميذ نحو الأفضل.
وتكمن أهمية المدرسة الدامجة، حسب رأيها، في أنها تقوم أولا، على مبدأ إدماج جميع فئات الأطفال على اختلاف قدراتهم العقلية والجسدية وطبقاتهم الاجتماعية بطريقة تخول للجميع دون إقصاء تحصيل المعارف، وتركز ثانيا، على مبدأ التعلم بالممارسة وبطريقة مبتكرة وجاذبة بعيدا عن الطرق التقليدية المملة في التدريس.