عرب وإسرائيليون ضد حماس وقت الحرب على غزة
البعض من العرب حرص على إظهار أنه يقف في صف إسرائيل ضد حركة حماس بسبب خليفتها الإخوانية. لكن المشكلة أنه يجد نفسه وقد تغاضى عما تقوم به إسرائيل، وهي الطرف القوي في المعادلة الراهنة.
كسبت حركة حماس الفلسطينية تعاطفا شعبيا في أوساط عربية عديدة بسبب جرأتها في عملية طوفان الأقصى التي كبدت إسرائيل خسائر فادحة، وتعاطفا إنسانيا جراء العملية العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة وراح ضحيتها آلاف من المدنيين العزل. ولم تمنع الحالتان من وجود شخصيات إعلامية عربية تدين موقف حماس وتؤيد محاولات إسرائيل اقتلاعها من جذورها.
لام كثيرون على هؤلاء، وأصبحت مواقفهم وتصريحاتهم منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي ولا حاجة إلى ذكرها هنا، لأنهم عبروا عن رأيهم بشأن إدانة المقاومة الفلسطينية في خضم حرب ضروس تشنها إسرائيل تتجاوز الضربة التي تعرضت لها، وبدلا من أن يصب هؤلاء غضبهم على الجلاد ظهرت شماتتهم في الضحية، والتي ليست حماس فقط، بل جُل الشعب الفلسطيني في غزة.
منحوا دوائر إسرائيلية مصداقية لحديثهم حول رغبة قيادات عربية في اجتثاث حماس تماما، ووفروا لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو غطاء سياسيا لتلميحاته حول تلقيه دعما عربيا في هذه المهمة. تكشف هوية الشخصيات العربية التي أبدت تعاطفا مع إسرائيل وغضبا من حماس بذرائع مختلفة الدول المقصودة في الخطاب الإسرائيلي، حتى ولو كان هؤلاء تحدثوا بدوافع شخصية وقناعات سياسية مستقلة، لكن في النهاية سيتم صبغ رؤاهم بطابع رسمي أو شبه رسمي وسط التجاذبات التي تسببت فيها عملية طوفان الأقصى.
يمنح وجود عرب في سلة واحدة مع إسرائيل حيال الموقف من حماس المزيد من الذرائع لاستمرار قتل المدنيين في غزة بحجة أنهم حاضنة اجتماعية للحركة وصمتوا على تصرفاتها السنوات الماضية، والأهم أن هذا الخطاب العربي، على قلته، يجهض الجهود السياسية للتوصل إلى تهدئة إنسانية تمهيدا لوقف الحرب، لأن التخلص من حماس هدف فضفاض لن تتمكن إسرائيل من تحقيقه إلا إذا أبادت سكان غزة.
لا أحد ينسى جذور حماس الإخوانية أو أهدافها الحركية المريبة، لكن في هذه اللحظة التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني للقتل يصب الحديث حول هذه النوعية من الجوانب في صالح إسرائيل، ويقدم لها دعما إعلاميا في حاجة إليه بعد أن تزايد الخطاب الرافض لتصرفاتها في دول عدة، ومن أيدوا إفراطها في العنف لا يستطيعون الاستمرار في قبوله مع توالي مشاهد المجازر التي لم تمنح مستشفى حرمة أو تمنع ضرب مدرسة استجار بها أطفال ونساء.
لعبت الدعاية السياسية الإسرائيلية على ما قامت به حماس في مصر من دعم للإخوان والتحريض على العنف أو ممارسته في سيناء عقب ثورة يناير 2011، ووجدت هذه الدعاية من يؤيدونها، لأنها تركت غصة في حلوق الكثير من المصريين، ولا تنسى الدولة الشواهد الدالة على ذلك، لكن الأوضاع الحالية لا تسمح بنقاش يمكن أن يفجر خلافات عميقة، فقد تحولت حماس خلال السنوات الماضية إلى واقع بحكم سيطرتها التامة على قطاع غزة الذي يمثل جزءا حيويا للأمن القومي المصري.
يقود فتح جراح قديمة أو تصفية حسابات سياسية حرجة وسط الحرب إلى منح إسرائيل مبررات أخلاقية لحربها، وتجاهل آلاف الضحايا من الفلسطينيين، خاصة مع تصاعد حدة الحديث عما قامت وتقوم به حماس باعتباره “إرهابا” وليس مقاومة مشروعة.
ينسجم هذا الخطاب مع ما تريده إسرائيل في الترسيخ لفكرة أن الصراع بدأ في السابع من أكتوبر الماضي، أي مع انطلاق طوفان الأقصى، وتوسيع نطاق السردية المغرضة التي تركز على ضحاياها وتجاهل الضحايا الفلسطينيين، وتجاهل عقود طويلة أمضاها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وهو يحاول بالأدوات المسلحة تارة استعادة أرضه، وأخرى عبر الانخراط في عملية سياسية مضنية، وكلاهما لم يحقق الهدوء.
أحدث تناغم بعض الشخصيات العربية مع سردية إسرائيل، بعيدا عن عددهم، كبيرا أم صغيرا، مؤثرا أم ضعيفا، حالة من الغليان الشعبي، لأن حديثهم لم يأت في أوانه، وصب في صالح إسرائيل وهي الطرف القوي في المعادلة الراهنة، وصوب عيون بعض الجهات العربية حول هذا الجدل على حساب النقاش الهام الدائر حول ضرورة وقف إطلاق النار لوقف تزايد أعداد الضحايا، والبحث عن مخرج للأزمة.
يضعف هذا التوجه من حجة الدول العربية الساعية لوقف الحرب، ويحرج قياداتها عندما تطالب إسرائيل بهدنة لأسباب إنسانية، ويجعل من القمة العربية المقبلة في الرياض في الحادي عشر من نوفمبر الحالي بلا جدوى حال تطرقت أو ألمحت إلى حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم في مواجهة الآلة الإسرائيلية وغطرستها الكبيرة.
أخطأ مؤيدو التعامل مع حماس باعتبارها حركة إسلامية “متطرفة” في عدم المساواة بين المتطرفين على الجانب الآخر، فالانفجار الذي حدث في السابع من أكتوبر وما بعده يتحمل جزء كبير من مسؤوليته عتاة المستوطنين واليمينيين في إسرائيل الذين منحوا حرية واسعة في التعدي على الفلسطينيين بلا عقاب، ناهيك عن لجوء نتنياهو نفسه إلى خطاب توراتي لا يقل تعصبا عن خطاب الجماعات الإسلامية المتطرفة.
تؤكد النظرة الأحادية في هذا التوقيت أن هناك استهدافا مقصودا للتخلص من حماس، وليس رفضا للتطرف في المقاومة، فإذا كان مبرر المتوافقين العرب مع توجهات إسرائيل ضد الحركة رفض خطاب الكراهية فعليهم تعميمه ومد الخيط على استقامته، لأن ما نراه من تصريحات ضد الفلسطينيين يعيد تكرار المشهد برؤية أشد قبحا، ولا تعني شيطنة حماس أن إسرائيل ملاك، فما يحدث في غزة من عنف وانتهاك ومذابح بحق المدنيين يصعب قبوله مهما كانت براءة التفسيرات التي يقدمها داعموه.
توفر طريقة الانتقام الخفية من قبل بعض الشخصيات العربية من حماس في الوقت الراهن حججا لمن شككوا في دوافع الحرب وخلفياتها، ودعم فكرة من ذهبوا إلى أن إسرائيل تعمدت نصب هذا الفخ الإستراتيجي للتخلص من مركز المقاومة الفلسطينية من خلال الحصول على مبررات قوية للقيام بالهجمة العسكرية الكبيرة، المدعومة أميركيا وغربيا، وتصفية كل الجيوب العسكرية في غزة والضفة الغربية.
مهما كانت أخطاء حماس ومراوغاتها ونظرتها العقائدية الضيقة على مدار السنوات الماضية مع إسرائيل أو مناوشاتها مع دول عربية، فعملية طوفان الأقصى أيقظت العالم على كابوس المخاطر الناجمة عن تجاهل القضية الفلسطينية طويلا، والتي تحتاج إلى نوع جديد من التعامل يعيد الاعتبار إلى السلطة الفلسطينية، لأن تفريغها من دورها السياسي وتكسير عظامها العسكرية منح حماس فرصة لسد الفراغ.
كان أحرى بمن صبوا غضبهم على حماس من شخصيات عربية تبني رؤية للمستقبل، تحمّل إسرائيل والمجتمع الدولي جانبا معتبرا من التراخي في العملية السياسية حتى جرى وأدها وأصبحت السلطة الوطنية بلا سلطة حقيقية، لأن الاصطفاف بجانب إسرائيل وسط المعارك سوف يضير هؤلاء معنويا أكثر من حماس.