كادر من الصف الخلفي لقيادة حزب الأغلبية في الجزائر

نهاية زمن المخضرمين

الجزائر

تسير ترتيبات المؤتمر الحادي عشر لحزب جبهة التحرير الجزائرية، أياما قليلة قبل موعده، إلى قلب الطاولة على القيادة الحالية، وذلك بعد ظهور مفاجئ لجناح حقق خطوات متقدمة في طريق سحب البساط من الأمين العام الحالي أبوالفضل بعجي، والتمهيد لميلاد قيادة جديدة حتى ولو كانت بكوادر من الصف الثاني يتزعمهم عبدالكريم بن مبارك، مرشح الكواليس للفوز بمنصب الأمين العام لجبهة التحرير الوطني خلال الخمس سنوات القادمة.

ولم يدم التفاؤل الذي حمله أنصار بعجي طويلا خاصة خلال وغداة انعقاد دورة اللجنة المركزية في غضون الأسبوع الماضي، حيث ساد الاعتقاد لدى هؤلاء بأن المأمورية ستمر على سجاد أحمر، قبل أن يتفاجأ الجميع بمرشح من الصف الثاني يطفو على السطح، خاصة وأنه يحظى على ما يبدو بدعم دوائر في السلطة، تريد التخلص من تركة العهد السابق في حزب الأغلبية الذي يشكل الوعاء الانتخابي الأول لاستحقاقاتها.

ويبدو أن البرلماني السابق والمنتخب المحلي بمجلس العاصمة عبدالكريم بن مبارك، سيضطلع بمهمة اجتثاث فلول العهد السابق، وتعبئة الحزب لصالح السلطة القائمة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، وهو ما ظهر في تصريحات مقتضبة لبن مبارك الذي لم يتوان في توجيه تهم الجهوية والفساد وخدمة الأغراض الشخصية، وعرقلة ما أسماه بـ”جهود رئيس الجمهورية في تنفيذ الإصلاحات الشاملة في البلاد”.

وتحدثت تقارير محلية عن “توافقات” تم التوصل إليها داخل حزب الأغلبية، من أجل الدفع ببن مبارك إلى الفوز بمنصب الأمين العام، خلفا لأبوالفضل بعجي، الذي يكون قد سحب ترشيحه لصالح عبدالكريم بن مبارك، ليكون بذلك القيادي الوحيد المستقدم من الصفوف الخلفية لتصدر أكبر القوى السياسية في البلاد، عكس أسلافه الذين كانوا شخصيات سياسية برصيد نضالي وشعبي معتبر، حتى وإن لم يحققوا الإجماع داخل صفوف الحزب.

ويبدو أن سبب تأجيل موعد المؤتمر على مرتين، زيادة عن تأخره لثلاث سنوات كاملة، قد تجلى من خلال عدم تجديد دوائر القرار الثقة في الأمين العام الحالي، والدفع بمرشح جديد، الأمر الذي يوحي بأن السلطة التي ظلت تعتبر جبهة التحرير الوطني ذراعها السياسية، تريد طبعة جديدة موثوقا في توجهاتها وعقيدتها السياسية والانتخابية، ولا مكان فيها لأي شكوك قد لا تتوافق مع أجندتها، كما حدث خلال الانتخابات الرئاسية المنتظمة نهاية العام 2019، لما ساند الحزب حينها مرشح التجمع الوطني الديمقراطي عزالدين ميهوبي، وليس عبدالمجيد تبون، الذي ينحدر أصلا من صفوفه.

وأعطى بن مبارك الانطباع لمحيطه المحدود بأنه “ضحية توجهات القيادة الحالية، بسبب مواقفه الرافضة لتوجهاتها وخياراتها، ولذلك تم عزله في وقت سابق من صفوف الحزب، وحرم من الترشح لمجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)”، ليظهر بذلك في ثوب المعارض لأبوالفضل بعجي، والوفي لخيارات الدولة خاصة فيما أسماه بـ”المرحلة الحرجة”، وهو ما يكون قد مهد له الطريق لخوض سباق الأمانة العامة.

ولا يستبعد متابعون لشؤون الحزب الأول في الجزائر، أن يكون عبدالكريم بن مبارك هو واجهة السلطة القائمة في جبهة التحرير الوطني، وإذ ارتبط كل أمين عام برئيس دولة، فإن الرجل سيرتبط بحقبة الرئيس تبون، وسيكون أداته في تطويع الجبهة لخدمة أجندة السلطة، لاسيما الانتخابات الرئاسية المنتظرة نهاية العام القادم.

وغالبا ما يعمد رؤساء الجزائر خلال التعددية على خوض الاستحقاق في ثوب المرشح المستقل، حتى ولو كانت علاقته عضوية مع أي من الأحزاب، كما هو الشأن بالنسبة للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، والرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، المعروفين بانحدارهما من جبهة التحرير، وذلك بدعوى أن “الرئيس هو رئيس جميع الجزائريين، وأنه لا حزب بإمكانه قيادة البلاد منفردا”.

وتبقى جبهة التحرير من أكثر الأحزاب حركية ونشاطا في البلاد، حيث تداول على قيادته العديد من الوجوه والرموز السياسية، على غرار المناضل التاريخي الراحل عبدالحميد مهري، ولذلك تميز بعد الاستقرار والانقلابات البيضاء، تماشيا مع التوازنات القائمة داخل السلطات المتعاقبة، إذ يبقى يمثل قاعدة خلفية لأي جناح منتصر يستوجب عليه الاستعانة بالوعاء الشعبي للحزب من أجل تثبيت أركان حكمه.

غير أن اللافت في التحول الأخير، هو الفارق الكبير في رصيد وخبرة ووزن شخصية الأمين العام، حيث تغيب أوجه المقارنة بين الأمين العام المنتظر، وبين أسلافه بداية من الراحل عبدالحميد مهري، إلى غاية جمال ولد عباس، ومرورا بعلي بن فليس وعبدالعزيز بلخادم.. وغيرهم، ولو أن الحزب يعتبر أرضية خصبة لصراع الأجيال، بين ما يعرف بالحرس القديم وبين جيل الشباب الذي أفرز عددا من الأمناء العامين لكنهم فشلوا في مساراتهم كما هو الشأن بالنسبة لمعاذ بوشارب ومحمد جميعي، ثم أبوالفضل بعجي.

وفي تصريح نادر للقيادي المنتظر، أبدى الرجل تناغما مع توجهات السلطة القائمة بقيادة الرئيس تبون، خاصة في ما يتعلق باجتثاث تركة الحقبة السياسية السابقة، وتحديدا الفلول المحسوبة على مرحلة بوتفليقة، كما لم يتوان في التشكيك في نوايا القيادة الحالية حول ما أسماه بـ”مناورات عرقلة برنامج الإصلاحات الشاملة التي أقرها الرئيس تبون”.