القاهرة تقترب من بيع حقيقي لشركات الجيش
اقتربت مصر من القيام ببيع حقيقي لشركات تابعة للجيش بعد أن تلقى صندوقها السيادي عروضا من شركات جديدة للاستحواذ على الأصول المطروحة، خاصة شركة وطنية والتي باتت حملا ثقيلا على الدولة في ظل تراكم الأزمات الاقتصادية والتحديات المالية الشاقة.
بدأت مصر مرحلة جديدة للتخلص من بعض الشركات المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة مع تزايد الانتقادات الموجهة للحكومة بأنها تصر على منافسة القطاع الخاص وعدم إتاحة الفرصة ليتحرك بحرية كافية.
ويعزز من سرعة إنجاز برنامج بيع الشركات هذه المرة دخول شركتي شل ونورث بتروليوم العالميتين سباق الاستحواذ على حصة في الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية).
وتنضم هاتان الشركتان إلى عروض شركة طاقة عربية وبترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وبترول الإمارات الوطنية (إينوك) وبترومين السعودية، والتي تتراوح بين 250 و280 مليون دولار.
وحسب أيمن سليمان مدير صندوق مصر السيادي، فإن من المتوقع أن تعلن الحكومة عن العرض الفائز بصفقة الاستحواذ قبل نهاية العام الجاري.
وتعد الخطوة الأحدث ضمن برنامج الطروحات الحكومية وتسريع الإصلاحات لتدفق سيولة من الدولار من أجل استكمال برنامج تسير فيه السلطات مع صندوق النقد الدولي الذي يمهد لحصول القاهرة على دعم مالي دولي.
ويشير هذا التوجه إلى نفي اتهامات سابقة بأن الحكومة المصرية لا تظهر علامات جديدة كبيرة لبيع بعض شركات الجيش، وزيادة تخارجه من الاقتصاد الوطني، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للعمل في مجالات الاستثمار المتعددة بحرية.
ورغم انتهاء الفحص النافي للجهالة لوطنية، لكن تعطل بيعها الفترة الماضية كان بسبب استبعاد محطات وقود تابعة للشركة من الصفقة ولجأت الحكومة إلى تأسيس شركة جديدة تضم هذه المحطات ككيان منفصل عن الشركة الأم.
ووفق بيانات المنصة الإلكترونية لشركة وطنية، فإن عدد المحطات العالمة يبلغ 255، بينما يبلغ عدد المحطات تحت الإنشاء 20 محطة.
وكشفت مصادر قريبة الصلة من الصفقة لـ”العرب” أن من المتوقع بيع وطنية بعدد محطات تبلغ 176 محطة كمرحلة أولى.
وقال الخبير الاقتصادي أحمد معطي إن "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية سيبيع حصة من وطنية بسعر الدولار الحالي في البنوك والمقدر بنحو 30.9 جنيها".
وأوضح لـ"العرب" أن حال حدوث تعويم للجنيه مع نهاية العام الحالي فلن تتعطل الصفقة من جراء ذلك، أي عدم الاعتداد بسعر الدولار في السوق الموازية والبالغ نحو 46 جنيها.
وأضاف أن "التنافس الشديد على وطنية يرجع إلى القطاع الواعد الذي تعمل فيه، وأن تعطيل البيع في الفترة الماضية هو ضمها لصندوق ما قبل الطروحات، وتهيئتها بشكل سليم وجاذب للعرض على المستثمرين".
واقتربت الحكومة من بيع الشركة الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الغازية (صافي) المملوكة للجيش أيضا، بعد إعلان صندوق مصر السيادي انتهاء الفحص النافي للجهالة عليها، وسيتم البيع لمستثمرين من الإمارات أو السعودية بنهاية العام الجاري.
وتسرّع القاهرة من خطوات بيع الشركات مع احتدام شح العملات الأجنبية وعودة النشاط لسعر الدولار في السوق السوداء، ما يعرضها لضغوط أكثر من صندوق النقد الدولي لتحرير سعر الجنيه، فضلا عن بيع الشركات بأسعار أقل من قيمها المستقبلية بعد أي خفض جديد.
ووقّعت شركة أبوظبي القابضة، وهي إحدى الأذرع السيادية لإمارة أبوظبي، العقود النهائية مع صندوق مصر السيادي لشراء حصص في 3 شركات حكومية بقطاع الطاقة في محفظة صندوق ما قبل الطروحات.
وبلغت قيمة صفقات كل من إيثيدكو والحفر الوطنية وإيلاب نحو 800 مليون دولار وجرت على سعر 30.9 جنيها للدولار.
وأعاد صندوق الاستثمارات العامة السعودية (صندوق الثروة) الاهتمام مجددا بصفقة الاستحواذ على بنك المصرف المتحد بعد توقف المفاوضات بين الجانبين مؤخرا، ومن المتوقع أن تبلغ قيمة الصفقة نحو 700 مليون دولار.
وأكد المحلل المالي المصري سيد عويضي أن الحكومة حرصت الفترة الماضية على الوصول بشركات الجيش إلى أفضل وضع مالي وهيكلي ولم تتسرع في عمليات البيع.
وأوضح أنها عملت كذلك على تحمل وتجاوز ضغوط المؤسسات الدولية واتهامها بالمشاركة بقوة في المجال الاستثماري والتجاري.
وأشار عويضي لـ”العرب” إلى أن القاهرة حرصت على عدم التفريط في كل الأصول كي لا تتم عمليات البيع بثمن بخس، لذلك تسمح بالاستحواذ على الحصص الجاهزة التي تدر عملة صعبة مستحقة عند إتمام الصفقات، مقابل إعادة الهيكلة وضبط ما تملكه في حوزتها.
وتدعم الخطوة المرتقبة مشاركة القطاع الخاص في مجالات اقتصادية مختلفة ولن تفقد قوتها الاستثمارية، خاصة أن عملية الطرح والترويج تمت بإشراف الصندوق السيادي.
ولفت عويضي إلى أن الحكومة واجهت طلبات من صندوق النقد بتسريع الخصخصة، وحرصت على بيع الشركات لمستثمر إستراتيجي كأداة ناجزة ومضمونة النجاح، مقارنة مع الطرح في سوق المال.
ومع كل المطالبات المتكررة من صندوق النقد بخفض سعر الجنيه وتسريع الإجراءات الأخرى المرتبطة بالإصلاح الاقتصادي، إلا أن التوقعات تشير إلى أن القاهرة لن تتخذ قرارات صعبة من شأنها رفع معدلات التضخم المتفاقمة إلا عقب الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل.
وترتب على ذلك قيام ثلاث مؤسسات دولية، هي موديز وفيتش وستاندرد آند بورز بخفض تصنيف مصر الائتماني بسبب تدهور القدرة على تحمل الديون والنقص المستمر في العملات الأجنبية.
ويتوقع محللون أن تتلقى مصر تمويلا جديدا من قبل صندوق النقد قبل نهاية 2023، في إطار مذكرة تفاهم بين الطرفين على أن تستكمل إجراءات الإصلاح مع بداية العام المقبل.
وتسعى القاهرة إلى اقتناص تمويلات بالدولار حاليا لأنها ملتزمة بسداد نحو 1.45 مليار دولار من ديونها لصندوق النقد في نوفمبر الجاري وديسمبر المقبل.
كما أنها ملتزمة بسداد 314 مليون دولار على دفعتين من أقساط برنامج التسهيل الممدد و238 مليون دولار اتفاق استعداد ائتماني خلال ديسمبر المقبل.
وسددت مصر نحو 1.456 مليار دولار لصندوق النقد منذ بداية العام الجاري، بينها 238 مليون دولار سبتمبر الماضي، وعليها سداد نحو 6.4 مليار دولار العام المقبل.
وكشفت وزارة المالية أن القاهرة يمكنها الحصول على نحو 5 مليارات دولار سنويا بشروط ميسرة من البنوك التنموية متعددة الأطراف، وهو ما يشير إلى ثقة المؤسسات في المسار الاقتصادي الذي تنتهجه الحكومة للتعامل المتوازن مع الأزمات والتحديات الإقليمية المتتالية.
ويظل قرض صندوق النقد هو العامل الأبرز لتعديل تصنيف مصر وتحديد مدى قدرتها على توفير اقتصاد حر يتسم بالمنافسة والشفافية وتمكين القطاع الخاص.