فصائل فلسطينية مسلحة على جبهة الجنوب اللبناني تخدم حزب الله

يبدو حزب الله متصدرا للجبهة الشمالية ضد إسرائيل، لكن جماعات مسلحة أخرى محسوبة على السنة وفلسطينية تشاركه القتال في خطوة يقول محللون إن الهدف منها هو ربط التحرك بالعلاقة مع حماس والإخوان وليس إيران.

تنويع الكيانات المسلحة دلالة على احتمال التصعيد

وكالات

لم تتوقف المناوشات العسكرية التي شارك فيها مقاتلون من مختلف الفصائل الفلسطينية على جبهة الجنوب اللبناني بالتنسيق مع حزب الله منذ انطلاق الحرب الحالية في السابع من أكتوبر الماضي، ما عزز قواعد الاشتباك ويعطي انطباعًا باحتمال التصعيد وفتح جبهة ثانية خلال مراحل متقدمة من الصراع.

وأعلنت سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، أكثر من مرة في الأيام الماضية على صفحتها في تليغرام مسؤوليتها عن عدد من العمليات على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وفي بعضها حدث تسلل واشتباك ميداني مع القوات الإسرائيلية، وصفته الحركة بأنه جزء من تكتيكات عملية “طوفان الأقصى”.

وتتقاسم العمليات على جبهة الجنوب اللبناني منذ انطلاق الحرب عدة كيانات مسلحة، سنية وشيعية، من فلسطين ولبنان، وهي الفرع اللبناني لكتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وسرايا القدس وقوات فجر، وهي ذراع الجماعة الإسلامية اللبنانية المسلحة بجانب قوات تابعة لحزب الله اللبناني.

وأطلق مقاتلون تابعون لحزب الله لأول مرة الأحد صواريخ جراد على بلدات كريات شمونة في شمال إسرائيل ردًا على استهداف سيارة، زعم الجانب الإسرائيلي أنها تقل مقاتلين، ما أدى إلى مقتل ثلاث فتيات وجدتهن.

يسلط تنويع الكيانات المسلحة وتطوير الأهداف ونوعية السلاح المستخدم خلال الاشتباكات المستمرة مع القوات الإسرائيلية على جبهة الجنوب اللبناني منذ أربعة أسابيع الضوء على احتمال التصعيد في مراحل مقبلة.

وتُظهر الهجمات المنسقة التي يتحكم حزب الله في إدارتها وتوقيتاتها مستويات استعداد جبهة جنوب لبنان (شمال إسرائيل) للانخراط في الحرب الجارية من عدمه، حينما يقتضي ذلك وفقًا لمجريات الأحداث.

كيانات متباينة 

وتصل الأنشطة المنسقة والمدروسة بدقة أحيانًا إلى مستوى شن هجمات عبر الخط الأزرق على المستوطنات الإسرائيلية، ويشارك بها فلسطينيون جرى استقطابهم وتجهيزهم من مخيمات اللاجئين في لبنان.

ونفذت الكيانات المسلحة هجمات كانت غائبة عن المشهد اللبناني، منذ تحرير جنوب لبنان في مايو عام 2000، لتعزز قواعد الاشتباك دون تغييرها بالكامل، مع إضافة تعقيدات إلى المشهد العسكري والجيوسياسي الخاص بجبهة الجنوب دون أن يُعد ذلك إخلالا بالقرار الدولي رقم 1701 الذي أوقف القتال بعد حرب يوليو عام 2006.

تعاملت إسرائيل مع كسر حزب الله لبعض قواعد الاشتباك بمرونة حتى لا يحدث تصعيد متبادل وتتحول الحرب إلى صراع إقليمي، من ذلك السماح لفلسطينيين في لبنان بدخول مناطق محظورة كونها عسكرية مثل منطقة جنوب قطاع الليطاني وتنفيذ مقاتلين منتمين إلى فصائل مسلحة فلسطينية عمليات عسكرية واشتباكات مباشرة مع القوات الإسرائيلية على الحدود.

وكي لا يُحتسب هذا التحول كسرًا لقواعد الاشتباك المعمول بها تعاملت إسرائيل مع العديد من عمليات التسلل التي نفذها فلسطينيون من سرايا القدس وكتائب القسام بعد السابع من أكتوبر الماضي بقصف مواقع لحزب الله وللجيش اللبناني ما أوقع قتلى وإصابات في صفوفهما. وبعث ذلك رسالة مفادها أن الجيش الإسرائيلي لا يكترث لهوية المنفذين الفلسطينية، ويلصق المسؤولية مباشرة بحزب الله والدولة اللبنانية.

على الرغم من حالة عدم الاستقرار والمناوشات المستمرة وتسهيل تنفيذ هجمات الحلفاء من الجماعات الفلسطينية المسلحة، لم يكسر حزب الله بعد قواعد الاشتباك بينه وبين إسرائيل، ولم يتسبب في حالة نزوح جماعي لأهل الجنوب اللبناني أو يستخدم ترسانته الصاروخية في قصف المدن الإسرائيلية وضرب أهداف حيوية في العمق الإسرائيلي.

ولم يغير التنسيق والتعاون بين أجنحة محور المقاومة الشيعية والسنية في جنوب لبنان المعادلات أو يرفع من حظوظ حماس في كسب المعركة، لكنه يخفف نسبيًا الضغط عن حماس من خلال جعل إسرائيل مضطرة إلى نشر قوات عسكرية على جبهتها الشمالية، ما يعيق تركيز قوتها الكاملة على جبهة غزة، وهو ما أشار إليه زعيم حزب الله حسن نصرالله في خطابه الأول بعد الحرب، الجمعة الماضية، واعتبره إنجازا ودعما كبيرا لحماس.

ويحافظ حزب الله على موقف متزن نسبيا، لكن في حال تغير قواعد الاشتباك نتيجة التغير في مجريات الأحداث وحسابات أطراف الصراع قد يضطر إلى فتح جبهة ثانية للحرب في الشمال التي لا يتمركز بها حزب الله وحده، إنما تنتشر فيها أيضا فصائل فلسطينية مسلحة مدربة جيدًا على القتال الميداني وعمليات التسلل والاشتباكات المباشرة.

قواعد الاشتباك

وتراهن جبهة الجنوب اللبناني بقيادة حزب الله على قدرة حماس على الصمود في غزة وعدم قابلية تحقق هدف سحقها والقضاء عليها بالكامل وفقًا لحسابات إسرائيل، ما يجعل سقف تدخلها منخفضًا تفاديا لسيناريو أسوأ.

ويسمح حزب الله بالمناوشات منخفضة القوة التي لا تحفز إسرائيل على شن حرب ضده، لكنه في نفس الوقت يحفظ ماء وجهه نسبيًا، مراهنًا على عوامل أخرى قد تصل بالصراع إلى الاكتفاء بتقليص قدرات حماس والجهاد الإسلامي داخل فلسطين إلى الحد الأدنى دون إنهاء وجودهما.

وطالما أن حماس لم تشارف على الانهيار الكامل والفناء ولم تُمنَ بالهزيمة العسكرية الشاملة لن تتدخل تشكيلات المقاومة السنية والشيعية على جبهة الجنوب بصورة كبيرة، مبقية على إسنادها الحذر وعملياتها المدروسة دون تجاوز الخطوط الإسرائيلية الحمراء.

ولن تظل هذه المعادلة قابلة للتطبيق في حال انهارت قوة حماس الذاتية على الصمود داخل القطاع بعد أسابيع وربما أشهر، حيث ستكون قد استنفدت مخزونها من السلاح ووسائل الحياة بالنظر إلى قطع الإمداد الخارجي.

وباتت خيارات حزب الله لإنقاذ حماس من الهلاك ومنع تدمير قدرات المقاومة العسكرية وإنهاء حكم حماس لغزة متعلقة بفتح جبهة الشمال ودفع قوات الحزب إلى دخول عمق الأراضي الإسرائيلية من مواقعه في لبنان وسوريا تحت حماية الضربات الصاروخية الإيرانية.

إذا فتح حزب الله جبهة الشمال وتورط في حرب مباشرة بجانب الفصائل الفلسطينية فسوف تحول إسرائيل آلتها العسكرية مستهدفة تدمير قدراته مع الحرص على إفقاده شرعيته داخل لبنان بتحميله مسؤولية تعريض الدولة للدمار بهدف خدمة المصالح الإيرانية.

وتكررت الأيام الماضية على ألسنة مسؤولين وقادة عسكريين إسرائيليين تهديدات باستهداف كل أشكال البنى التحتية في لبنان، فضلًا عن المطار والموانئ والقرى والمناطق الحضرية، إذا فُتحت جبهة الجنوب اللبناني ودخلت باقي فصائل محور المقاومة الحرب.

ومن المرجح أن تتحمل المناطق والقرى الشيعية العبء الأكبر من الانتقام، ما يضاعف التذمر والغضب وربما إعلان التمرد ضد حزب الله من قبل أبناء طائفته الذين يعانون من آثار المواجهات السابقة مع إسرائيل.

ويخشى الحزب اللبناني أن يؤدي استياء الشيعة منه وغضب الطوائف الأخرى عليه إلى ارتخاء قبضته على البلاد، في ظل وضع اقتصادي مترد يُدان الحزب باستمرار من مختلف الطوائف كمتسبب رئيسي في خلقه.

ولن تتحمل الطائفة الشيعية في لبنان موجة نزوح أخرى داخل مناطق غير شيعية، خاصة أن معاناة النازحين الشيعة الجدد ستتضاعف بالمقارنة مع معاناة مئات الآلاف ممن سبقوهم في أعقاب المواجهات السابقة، نظرا للمدى الذي وصل إليه الاستقطاب الطائفي في لبنان اليوم، ما يرجح ردود فعل أكثر عدائية وعنفًا من قبل أبناء الطوائف الأخرى.

تدمير الحزب ولبنان

ويمهد انخراط الحزب في الحرب الدائرة لنزاع طائفي لبناني، ما يصب في مصلحة إسرائيل بالنظر إلى أن الطريقة المثلى لإضعاف الحزب هي الزج به في صراع داخلي لفترة طويلة، لأن الحرب الأهلية في البلاد كادت في السابق تقضي على منظمة التحرير الفلسطينية.

واستدعت فكرة “وحدة الجبهات أو الساحات”، التي تعني في المقام الأول ربط لبنان بالقضية الفلسطينية ومسارات الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هواجس الحرب الأهلية لدى اللبنانيين بالنظر إلى أن سبب الحرب الرئيسي عام 1975 هو الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان.

واقتضت مصلحة حزب الله تأمين غطاء سني مسلح على الجبهة الجنوبية للبنان من أجل تحصين الجبهة الداخلية عبر اجتذاب أعداد كبيرة من الموالين في أوساط السنة، كي لا يُدان وحده ولا يتحمل بمفرده مسؤولية تخريب البلد.

وحرص الحزب أيضًا على أن يُعوض خسارته الحليف المسيحي (التيار الوطني الحر) الذي كان يمثل في السابق غطاءً لسياساته وقراراته، وينبهه إلى أن البديل المتمثل في سنة لبنان جاهز.

ومن المرجح أن يستمر نشاط حزب الله وباقي الفصائل الفلسطينية المسلحة على جبهة الجنوب اللبناني ضمن حدود قواعد الاشتباك المعمول بها منذ فترة ما دامت حماس قادرة على الصمود، وأن البدائل المتعلقة بالانخراط المباشر في الحرب جميعها ذات عواقب كارثية.

ويعني إعلان الحرب على إسرائيل من قبل باقي فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حزب الله، تعرض إيران لخسارة فادحة بفقدان وكيلين رئيسيين لها في المنطقة، وستدخل الولايات المتحدة الحرب بجانب الجيش الإسرائيلي بصورة تكفي لتدمير إيران، ما يجعل دخول الحزب الحرب أمرا مستبعدا.

لذلك يمارس حزب الله ومعه الأجنحة المسلحة الفلسطينية والسنية على جبهة الجنوب أقصى درجات ضبط النفس، وصياغة رواية تعفي الجناح الشيعي من الحرج وتخفف الضغوط الهائلة الملقاة عليه.

ومن شأن الترويج لاستقلال حماس بخططها وقراراتها عن محور المقاومة والتذكير بتبعيتها لجماعة الإخوان أن يبعد إيران وحزب الله عن تحمّل مسؤولية نتائج المعركة الدائرة أمام القوى الغربية وشعوب المنطقة.