كركوك مدار معركة استثنائية في الانتخابات المحلية العراقية

غنى محافظة كركوك العراقية بالنفط وتنوّعها العرقي، يفسّران وجودها على رأس قائمة المناطق العراقية المتنازع عليها بين السلطات الاتحادية وإقليم كردستان العراق، كما يفسّران الصراع الشديد على إدارتها والذي خرج إلى السطح مجدّدا بمناسبة الانتخابات المحلية التي ستشمل المحافظة لأول مرّة منذ ثمانية عشر عاما.

مصلحة الحزب أولا

كركوك

تمثل الانتخابات المحلية العراقية المزمع إجراؤها في شهر ديسمبر القادم حدثا استثنائيا في محافظة كركوك الواقعة بشمال البلاد، ليس فقط لكونها الأولى من نوعها منذ سنة 2005 بعد أن استثنيت المحافظة من دورتي 2009 و2013، ولكن أيضا بسبب امتزاج الصراع العرقي والحزبي الذي يرفع من قيمة رهان السيطرة إداريا على المحافظة متعددة الأعراق والغنية بالنفط.

وعلى هذه الخلفية تحوّلت الحملة الانتخابية في كركوك إلى معركة سياسية حامية تتقاطع فيها الاتهامات، وتخرج أحيانا عن سياق التنافس المشروع من خلال تشويه بعض المرشحين إعلاميا ومحاولات إفساد حملات البعض الآخر بتمزيق لافتاته الدعائية.

وعرقيا يواجه عرب كركوك تهمة خوض الانتخابات مستندين إلى عملية تغيير ديموغرافي يقول بعض الأكراد إنّها تمت بشكل حثيث منذ سنة 2017 بعد فشل الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق وسيطرة القوات العراقية على المحافظة بدلا من قوات البيشمركة الكردية.

وتقول جهات كردية إنه تم منذ السنة المذكورة جلب أعداد كبيرة من العرب من محافظات تكريت وديالى ومناطق عراقية أخرى إلى كركوك حيث تمّ توطينهم في المدينة ومنحهم وثائق إقامة وتسجيلهم ضمن المشمولين ببطاقات التموين.

ولا تقدم تلك الجهات أرقاما محدّدة عن عملية التعريب التي تقول إن كركوك تعرّضت لها على مدار السنوات الستّ الماضية، وتكتفي بالقول إنّ الآلاف من المواطنين العرب تمّ استقدامهم من مدن وسط العراق وجنوبه وتسجيلهم في السجلات الرسمية بكركوك وبنيت لهم المئات من المنازل والوحدات السكنية خصوصا في الأحياء الجنوبية لمركز المحافظة.

لكنّ جهات محسوبة على المكوّن العربي تنفي تلك التهم جذريا وتقول إنّها جزء من عملية دعاية حزبية باستخدام النعرات الطائفية.

ومن بين الاتهامات الرائجة على هامش الحملات الانتخابية في كركوك ما يجمع المكونين التركماني والعربي في سلة واحدة من خلال اتهامهما بالعمل على إلغاء أجراء الانتخابات المحلية في المحافظة باستخدام ذريعة إعادة النظر في السجلات الانتخابية.

ويصدر هذا الاتهام أساسا عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني، حيث يسوّق الحزب لمرشحيه باعتبارهم مرشحين فوق العادة يحظون بشعبية كبيرة ويمتلكون أوفر الحظوظ للفوز في الانتخابات، في حال أجريت بشفافية وخلت من التزوير والاعتبارات الجانبية.

وقال سامان رشيد، عضو قائمة الحزب في كركوك، إنّ العرب والتركمان “يريدون عدم إجراء انتخابات مجالس المحافظات في كركوك، ويريدون أن يستمر هذا الوضع كما هو الآن”.

وأوضح في تصريحات أوردتها مواقع إخبارية كردية أنّ حزبه يسعى لتغيير الوضع القائم في المحافظة من خلال الانتخابات، وإلى استبدال “المحافظ الذي تم فرضه قسرا”.

ويشير رشيد إلى المحافظ راكان الجبوري الذي تمّ تعيينه سنة 2017 إثر الأحداث التي أعقبت الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، وذلك بقرار إداري تم اتّخاذه في عهد حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي خلفا للمحافظ المقال وقتها نجم الدين كريم المحسوب على حزب الاتحاد الكردستاني.

ويعتبر موقع المحافظ ذي الأهمية الكبرى مدار الصراع الأساسي في كركوك. وقال هردي حسين، عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي في كركوك، إنّ هدف حزبه من خوض الانتخابات المحلّية “هو محاولة استعادة جميع الحقوق الكردية في كركوك وتعيين محافظ كردي”.

ونقل موقع كردستان 24 الإخباري عن حسن مجيد، رئيس قائمة الحزب الديمقراطي الكردستاني في انتخابات مجالس المحافظات، قوله إنّ “كركوك لأهلها الأصليين ولكل المكونات. لكن لا يمكن لضيف غير مدعو أن يصبح مالكا لهذه المدينة، ولا يمكن أن يكون أصحابها أجانب”.

ورغم أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني يرفع في حملاته الانتخابية لواء الدفاع عن حقوق أكراد العراق في كركوك واستعادة مكانتهم في المحافظة، إلا أنّه متهم بدوره من قبل قطاع واسع من الأكراد أنفسهم بشق الصفّ الكردي وإضعاف حظوظ المكوّن في الفوز بالانتخابات المحلّية، بسبب سياسة التفرّد التي يتّبعها استنادا لحسابات حزبية ضيقة.

وجاء هذا الاتّهام استنتادا إلى خيار الحزب بعدم دخول الانتخابات المحلّية في كركوك ضمن قائمة مشتركة مع باقي الأحزاب الكردية رغم ما بذلته قيادات تلك الأحزاب من جهود كبيرة لإقناع الحزب الديمقراطي بذلك.

واختار الحزب خوض الانتخابات في كركوك باسمه وشعاره، بينما يخوضها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ضمن تحالف يضم الحزب الشيوعي الكردستاني ويحمل اسم “كركوك قوتنا وإرادتنا”. ويضم تحالف آخر كلاّ من الاتحاد الإسلامي الكردستاني وجماعة العدل الكوردستانية باسم تحالف “شعلة كركوك”. أما حراك الجيل الجديد فاختار المشاركة بمفرده في الانتخابات.

وذهب العضو المنشق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني كاويز ملا برويز حدّ اتهام قيادات الحزب بمجاملة تركيا عن طريق الابتعاد عن الأحزاب الكردية في مقابل التقرّب من العرب السنّة والتركمان القوميين المدعومين من قبل أنقرة.

وانتقد مؤسسات الحزب قائلا إنّها تعيش حالة من الارتباك والنتيجة هي أن كركوك ليست مهمة بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني.

وعن تركيا قال برويز إنّ “لها تأثيرا كبيرا على الوضع الحالي في كركوك وللدولة التركية دور كبير في تقسيم الأكراد في المناطق التي تشملها المادة مئة وأربعون من الدستور العراقي (خاصة بالمناطق المتنازع عليها)”، معتبرا أنّ كركوك كانت سببا في إضعاف إقليم كردستان العراق، أمام السلطات الاتحادية.

ولم يكن التدخل التركي في شؤون كركوك وخصوصا من بوابة دعم المكون التركماني ومحاولة فرض الوصاية عليه من دون تأثيرات على وضع المكوّن ذاته، حيث أدى إلى انقسامه بين تركمان قوميين “كماليين” شديدي الارتباط بتركيا وسياساتها، وآخرين يربطون هويتم بالانتماء إلى العراق أولا ويقيمون علاقات قوية مع المكونات السياسية المحليّة.

وعكست عملية الترشح للانتخابات المحلية في كركوك ذلك الانقسام حيث لم يستطع التركمان التوافق على تشكيل تحالف موحّد لخوضها.

وفي مظهر على حدّة الصراع على إدارة كركوك عبر الانتخابات المحلية، لم تغب عن الحملة الانتخابية المظاهر غير الحضارية التي ميّزت التنافس في عدد من مناطق العراق ومن ضمنها تمزيق المعلقات الدعائية للمرشحين.

وتم منذ بداية الحملة تسجيل ستة وخمسين شكوى من تمزيق معلقات انتخابية لدى مكتب كركوك التابع للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

ويضمّ مجلس محافظة كركوك الذي يجري التنافس على الفوز بامتياز تشكيله في الانتخابات المحلية القادمة خمسة عشر مقعدا سيتنافس عليها مئتان وثمانية وأربعون مرشحا من عشر تحالفات وخمس قوائم حزبية وثلاثة مرشحين مستقلين.