معارضو الرئيس التونسي يلتجئون إلى الحوار بعد فترة من التصعيد

يبدو أن مكونات المعارضة في تونس اقتنعت بأنه لا فائدة ترجى من المزيد من التصعيد مع السلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد، ودعّمها بإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 فقطعت مع منظومة الأحزاب التي تمكنت من السلطة بعد 2011، لذلك غيرت تكتيكها السياسي عبر الانتصار لآلية الحوار كضمانة للتقرب من السلطة، بعد فترة طويلة من التصعيد والرفض.

هاجس السلطة يحكم كل التحركات

تونس

بات معارضو مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021 الذي يتبناه الرئيس التونسي قيس سعيد يطالبون بتنظيم حوار وطني شامل يجمع مختلف القوى السياسية والمدنية، بعد فترة من التصعيد مع قصر قرطاج واتهام الرئيس باحتكار السلطات والانفراد بصناعة القرار السياسي.

وتسارع الأحزاب والحركات السياسية التي عارضت إجراءات سعيّد إلى الحوار كآلية للتقرب من السلطة، حيث عيّنت حركة النهضة (واجهة الإسلاميين في البلاد) الأسبوع الماضي شخصية جديدة في منصب الأمانة العامة معروفة بقدرتها على الحوار وفتح قنوات التواصل مع السلطة.

ونسجت جبهة الخلاص الوطني، التي تشكلت من مجموعة أحزاب وشخصيات سياسية معارضة بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021، على منوال الحركة الإسلامية ومن قبلها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) الذي دعا مرارا السلطة إلى الحوار.

وتشترك كل هذه الأطراف في البحث عن دور سياسي مفقود بعد تلك الإجراءات التي عجّلت بخروجها من مشهد كانت تديره بالولاءات الحزبية، لذلك تسعى إلى تدشين مرحلة جديدة من التهدئة في خطابها مع السلطة، بعد أن وصفت إجراءات سعيّد بـ”الانقلاب”.

ويقول مراقبون إن هذا التغيّر في الخطاب ما هو إلا مناورة سياسية جديدة، خصوصا بعدما أيقن الجميع أنه لا حلّ مع سعيد إلا بالحوار، وأن التصعيد لن يعطي نتائج، وذلك بعد أن تبين أيضا أن هذه الأطراف لم يعد لها وزن ولا مدّ شعبي في الشارع وتراجع خزانها الانتخابي، وهي الآن تخسر الكثير من مؤيديها، في المقابل لم تحقق أي نتائج تذكر في معارضة توجهات سعيد.

واعتبر رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، الاثنين، أن “الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية متردية وأن تونس تعيش أزمة مديونية خانقة والمطلوب إيقاف النزيف عبر إصلاحات يقررها التونسيون عبر حوار وطني يضم كافة المكونات السياسية والمدنية”.

وقال خلال كلمة له في ندوة صحفية عقدتها جبهة الخلاص من أجل الحديث عن القضية الفلسطينية وقانون المالية، ”يتم تشكيل حكومة إنقاذ وطنية لتطبيق ما يتم الاتفاق عليه وأيضا القيام بإصلاحات دستورية..”، مضيفا أن “فشل مبادرة الحوار التي قادها الاتحاد في وقت سابق هو عدم تمثيلها لكافة الأطراف السياسية والمدنية المختلفة”.

واعتبر الشابي أن “مشروع القانون لميزانية سنة 2024 يؤكد حاجة تونس إلى الاقتراض الداخلي والخارجي وانعدام الرؤية في تعبئة الموارد الخارجية مقابل إرهاق النظام البنكي التونسي، وفق ما أكدته وكالة التصنيف فيتش”.

ورغم تصاعد المعارضة الداخلية في تونس ضد إجراءات سعيد إلا أن تشتتها وانقسامها لا يمنحانها القوة الكافية لدفعه إلى التراجع عن توجهاته واستكمال مراحل مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.

وقال الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري “في أذهان قيادات المعارضة أن الحوار وارد مع السلطة، والوقفات الاحتجاجية كانت مجرّد مناورات لتحسين شروط التفاوض”.

وأكّد لـ”العرب” أن “السلطة أفرغت الأحزاب من قياداتها، والمعارضة اليوم وجدت نفسها في عزلة، لذلك تعتبر أن الحل الوحيد لإنقاذ نفسها هو الحوار، لأن القاطرة التي تقود التحركات (اتحاد الشغل) الآن في حالة ركود تام وبعيد عن المشهد السياسي”، متسائلا عن “شكل الحوار وآلياته، خصوصا وأن الرئيس سعيد يرفض الحوار بطرقه التقليدية”.

وأضاف العياري “السياسيون في تونس متعودون على ثنائية الثابت والمتغيّر، وأحمد نجيب الشابي الثابت دائما أنه معارض، والمتغيّر هو الحوار، بعدما كان يدعو إلى عزل الرئيس، لذلك يرى أنه من مصلحة الطيف السياسي المعارض هو اللجوء إلى الحوار الشامل وبإشراف الرئيس سعيّد”.

ويقول مراقبون إن الالتجاء إلى آلية الحوار فرض على المعارضة التي ما انفكت ترفض إجراءات سعيد وتوجهاته السياسية وتصفها بكونها “انقلابا على الشرعية”، وتُعتبر قوى في تونس تلك الإجراءات “تكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي (1987 – 2011).

ويعتبرون أن “شتات” المعارضة وانقسامها الأيديولوجي والسياسي، لم يقدرا إلى حدّ الآن على لمّ شمل مكوناتها وتكوين كتلة سياسية وازنة وقوية في الشارع يمكن أن تغير من الواقع السياسي.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة بأن “هذا الموقف قد يدخل في خانة المراجعات التي فرضتها التغيرات بعد أن تبيّن أن موازين القوى تميل إلى فائدة الرئيس سعيّد، ذلك أن جبهة الخلاص والنهضة وكل مكونات المعارضة لم تعد قادرة على التعبئة وتراجعت شعبيتها كثيرا”.

وأكّد لـ”العرب”، “لم يعد هناك اهتمام خارجي بموضوع المعارضة والسلطة في تونس، في وقت يتمتع فيه الرئيس سعيد بشعبية أكبر تعززت مع موقفه من القضية الفلسطينية، فضلا عن مواصلة فرض مربع تحرك الخصوم، فهناك من هو في السجن وهناك من هو في الخارج بمجال تحرك محدود”.

وأشار علاّلة إلى أن “كل الأطراف التي كانت لها صولات وجولات في السابق لم يعد لها رصيد سياسي وازن في الشارع، وهي الآن سلّمت بالأمر الواقع، وما وقع في النهضة مجرد ملء كرسي شاغر منذ سنوات لأن منصب الأمانة العامة مخصص للعمل اليوم أكثر من النشاط السياسي، ونجيب الشابي يطارد السراب وأصبح مجبرا على السير بسرعة حركة النهضة، فضلا عن اتحاد الشغل الذي يعاني من أزمة داخلية والجرح الذي حصل في المؤتمر الأخير جعل المنظمة مكبلة”.

واستطرد قائلا “من الصعب جدا أن يلتفت الرئيس سعيّد للمعارضة، وبات واضحا بعد 25 يوليو 2021 أنه في موقع قوّة، والأسلم لهذه الكيانات أن تعالج أوضاعها الداخلية، عوض أن تقدّم أفكارا جديدة للسلطة”.

وقام الرئيس سعيد في مرحلة أولى بوقف حكم المنظومة السابقة من خلال مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021، بحل الحكومة وتجميد البرلمان ثم حله لاحقا، وإنهاء النظام البرلماني الذي كان يؤسس لصراع السلطات ويمنع أي سلطة من أداء مهامها بشكل كامل، وهو ما أفضى إلى حالة شاملة من الفوضى واستضعاف الدولة، ثم قام قيس سعيد بالخطوة الأهم، وهي إسقاط حكم المنظومة.