المحكمة الاتحادية العليا تنهي عضوية الحلبوسي بالبرلمان

الحلبوسي خلال جلسة برلمانية

بغداد

أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أعلى سلطة قضائية في البلاد، الثلاثاء قرارا يقضي بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، في خطوة أتت بناء على دعوى “تزوير” تقدم بها أحد النواب.

ويقول مراقبون إن قرار المحكمة يصب في مصلحة الإطار التنسيقي الشيعي ومجموعات سنية قريبة منه خططت لسحب البساط من تحت أقدام الحلبوسي في الشارع السني عبر تحالف مدعوم من قوى مختلفة تشترك في التحرك للإطاحة برئيس البرلمان عبر القضاء أو من خلال الانتخابات.

وتأتي الإطاحة بالحلبوسي قبل ما يزيد قليلا عن شهر من حلول موعد انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت آخر مرة قبل عشر سنوات، ما يفتح الطريق أمام خصومه في الساحة السنية لتحقيق مكاسب انتخابية على حساب حزبه “تقدم” وتحالفاته التقليدية. وبدأت قوى سنية بإعادة ترتيب أوراقها من خلال تأسيس ائتلاف “تحالف الحسم الوطني”، على أن يستبعد من صفوفه تحالفيْ “عزم” و”تقدم”.

وواجه الحلبوسي سيلا من الاتهامات تتراوح بين ضلوعه في قضايا فساد مالي والتواصل غير المشروع مع جهات أجنبية والتواطؤ مع الكويت في قضية خور عبدالله والعمل على إلغاء قانون المساءلة والعدالة والدفع بقانون العفو العام بهدف تبرئة مطلوبين للعدالة وإعادة إدماجهم في الحياة السياسية.

ونجح خصوم الحلبوسي في التخلص منه بالاعتماد على أحد الفاعلين السابقين في حزبه، النائب في البرلمان ليث مصطفى حمود الدليمي الذي أقام الدعوى أمام المحكمة الاتحادية لتنهي عضويته هو أيضا.

وجاء في البيان الذي نشر على الموقع الرسمي للمحكمة أنها “قررت إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد ريكان الحلبوسي اعتبارًا من تاريخ صدور الحكم في 14 نوفمبر 2023”. وبدأت المحاكمة في فبراير الماضي أمام المحكمة الاتحادية العليا، بعد شكوى تقدم بها النائب الدليمي.

واتهم الدليمي رئيس البرلمان بـ”تزوير” تاريخ طلب استقالة باسمه قدم سابقا، بهدف إنهاء عضويته كنائب في يناير الماضي عبر “أمر نيابي غير قانوني”. وقال الحلبوسي في مقطع مصور أصدره مكتبه الثلاثاء إن قرار المحكمة إنهاء ولايته “غريب” وإنه سيطلب توضيحات. وقرار المحكمة نهائي وغير قابل للاستئناف.

وقال عامر الفايز النائب البرلماني المستقل إن النواب اجتمعوا لحضور جلسة برلمانية عادية وكان الحلبوسي موجودا في القاعة وقت صدور القرار. وأضاف فايز أن الحلبوسي خرج من القاعة فور سماعه أنباء عن القرار قبل أن يعلن افتتاح الجلسة.

ويتولى نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي، وهو شيعي، رئاسة البرلمان مؤقتا إلى حين انتخاب رئيس جديد. ومع انتخاب 37 نائبا من حزب “تقدم” خلال الانتخابات التشريعية لعام 2021، تولى الحلبوسي زعامة ائتلاف سني كبير داخل البرلمان، قبل حدوث انشقاقات في معسكره.

وحصل الحلبوسي، المحافظ السابق لمحافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية، على أول ولاية له كرئيس للبرلمان في عام 2018، بدعم من الكتل الموالية لإيران. وبدأ صعوده السريع، وأصبح لاعبا رئيسيّا في الساحة السياسية، ومحاورا مميزا للعديد من المستشاريات الغربية والعربية.

ودار الحديث قبل أشهر عن خلافات حادّة بين رئيس مجلس النواب من جهة ورئيس الحكومة محمّد شياع السوداني والإطار التنسيقي الذي يقف وراء حكومته، من جهة أخرى، سببها عدم التزام قيادات الإطار بتنفيذ تعهّدات تجاه الحلبوسي ومقرّبين منه كانت قد تعهدت بها أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة.

وتحدّثت مصادر سياسية آنذاك عن مساع بذلها رئيس مجلس النواب بهدف تجميع أكبر عدد ممكن من الشخصيات والقوى السياسية السنيّة لتأسيس إطار تنسيقي مضاد للإطار المكوّن من أحزاب شيعية. وبات تضخّم ثروة الحلبوسي ومقرّبين منه موضع تركيز استثنائي ودافعا لتحريك دعوات قضائية ضدّه.

ودعا حيدر الملا، عضو تحالف “عزم”، رئاسة الوزراء وهيئة النزاهة إلى التحرّك للكشف عن “مصدر الملايين التي ينفقها رئيس مجلس النواب على مظاهر البذخ المبالغ فيها وعلى طائراته الخاصة في رحلاته”.

وأظهرت وثيقة متداولة في وسائل إعلام محلّية توجيه هيئة النزاهة رسالةً إلى مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تطلب فيها معلومات عن امتلاك الحلبوسي وزوجتيه عقارات وحسابات بنكية في كلّ من الأردن وبلاروسيا.

وسبق لرئيس البرلمان العراقي أن واجه اتهامات تتعلق باستقطاع نسب من أموال المشاريع في محافظة الأنبار وتقاضي عمولات لقاء منح رخص إقامة بعض المشاريع.

ويقول خصوم الحلبوسي إنّ الرجل أسس له نفوذا راسخا في المحافظة التي سبق له أن تولى فيها منصب المحافظ، وذلك بتنصيب أتباعه وأقاربه في المناصب الهامّة بمختلف الإدارات في الأنبار.

إلى جانب ذلك ربطت وسائل إعلام عراقية تابعة لقوى شيعية اسم حزب الحلبوسي بقضية فساد في دائرة الصحة بالأنبار. وقالت إنّ لجانا من هيئة النزاهة بدأت النظر في ملفات فساد في الدائرة تتعلق بالتزوير والحصول على مبالغ مالية ضخمة بطرق غير قانونية من قبل قيادات في حزب “تقدم” برئاسة محمد الحلبوسي.

وتتجاوز التهم الموجهة إلى الحلبوسي مجرّد التورط في قضايا فساد مالي إلى إجراء اتّصالات غير قانونية مع أطراف خارجية والتواطؤ معها ضد المصالح العليا للعراق. وثارت مؤخّرا عاصفة انتقادات في وجه الحلبوسي إثر زيارته إلى تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة.

واعتبر تحالف الفتح، أحد مكونات الإطار التنسيقي، أنّ الزيارة جزء من حملة يقودها رئيس مجلس النواب من أجل حشد الدعم الإقليمي لإلغاء قانون المساءلة والعدالة الهادف، بحسب التحالف، إلى إعادة أعضاء حزب البعث إلى السلطة.

وقال القيادي في تحالف الفتح علي الفتلاوي إنّ الحلبوسي “استخدم عنوانه الرسمي لأجل طلب الدعم لمشروعه بإعادة البعثيين إلى العملية السياسية من خلال إلغاء المادة 25 من قانون المساءلة والعدالة”.