تسهيلات ضريبية في مصر تنذر بصدام جديد مع صندوق النقد

تنذر تسهيلات ضريبية جديدة تعتزم مصر تفعيلها بصدام مع صندوق النقد الدولي، الذي يطالب منذ أشهر بترشيد الإعفاءات وخفض الجباية وتحقيق المساواة بين شركات تابعة للجيش وأخرى خاصة، إذ يمكن أن تؤدي الخطوة إلى زيادة عجز الموازنة العامة.

هناك اختراع اسمه آلة عد النقود.. استخدمها!

القاهرة

يرجح خبراء أن يفتح اتجاه الحكومة المصرية نحو طرح قانون جديد للضرائب على الدخل ومنح إعفاءات أكبر للمشاريع الصناعية لتعزيز الاستثمار في السوق، جبهة مواجهة أخرى مع صندوق النقد الدولي.

وتأتي الخطوة المثيرة للجدل بينما تسعى السلطات إلى تحقيق التوازن بين التصدير والاستيراد وتعميق التصنيع المحلي.

وأعلنت وزارة المالية أنها ستطرح المشروع للحوار المجتمعي للتوافق عليه قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحالته إلى مجلس الوزراء ثم مجلس النواب لإقراره، حيث يهدف القانون إلى إنهاء الملفات الضريبية المتراكمة.

ويتضمن المشروع تسهيلات وإعفاءات لبعض المشاريع، وقد يتعامل مع أي منشآت لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 300 ألف دولار بنظام الضريبة القطعية المبسطة، كما هو معمول به مع قانون المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.

ويعول صندوق النقد على المتحصلات الضريبية لتعزيز إيرادات القاهرة، لكن البلاد لم تأبه لذلك، وقررت أخيرا تقديم إعفاء من الضرائب حتى 5 سنوات، للمشاريع التي تستهدف صناعات إستراتيجية، بشرط تنفيذها وتشغيلها طبقا لحجمها الكبير في مدة أقصاها ثلاث سنوات.

ويقول خبراء إن عودة مصر للتوسع في منح الإعفاءات الضريبية خالف توقعات صندوق النقد، وربما يفرز صداما على غرار مطالبه المستمرة بمرونة سعر الصرف والذي اعتبرته البلاد “أمنا قوميا” ولم تنفذ التعليمات حتى الآن.

وتبدو القاهرة مضطرة إلى توفير حوافز لتشجيع الاستثمارات الأجنبية بعد سنوات من التخلي عن هذه السياسة ضمن برنامج الإصلاح المالي الذي طبقته عام 2016.

وتسعى مصلحة الضرائب إلى حصر المجتمع الضريبي وضم الاقتصاد الموازي إلى المنظومة الرسمية ومكافحة التهرب الضريبي، مما يسهم في تحقيق العدالة الضريبية وزيادة موارد الدولة.

ومن شأن الإعفاءات والتخفيضات التأثير على وضع المالية العامة في مصر بما يتناقض مع برنامج الإصلاح وتوجهات صندوق النقد، إذ تفضي إلى عجز في الموازنة.

ولدى القاهرة مستحقات فوائد كبيرة على الديون، تمثل نحو 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قد تزيد السنوات المقبلة، ما يرفع العجز في الموازنة العامة، وهو مثار قلق الصندوق.

وتراهن الحكومة على ما تحققه من فوائض أولية، أي باستبعاد الفوائد تحقق فائضا مهما من الآن وصاعدا، لكن مع زيادة العجز من ناحيتي الإعفاءات والديون سيُظهر الموازنة في صورة سلبية للغاية.

وفي ضوء ذلك سوف تظهر مصر أمام العالم أنها في حالة اقتصادية متردية بسبب صندوق النقد، وهو ما لا يحبذ وقوعه.

وقال الخبير الاقتصادي سيد خضر إن مصر في تعاملاتها مع الصندوق “تنفذ ما يتلاءم مع اقتصادها في الداخل، ويتضح ذلك من عدم قيامه بإجراء المراجعة لبرنامج الإصلاح لمرتين متتاليتين لعدم تنفيذ شرط وجود سعر صرف مرن”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الصندوق يدقق في سعر الصرف والضرائب، وفي مصر يصعب تطبيق ذلك بالشكل الذي يتواءم مع برنامج الصندوق، وبالتالي سيظل العنصران (سعر الصرف والضرائب) نقطتي خلاف بين الطرفين”.

وأوضح خضر أنه رغم الصدام المرتقب، لكن يصعب إغفال تقديم حوافز ضريبية للشركات حتى فترة معينة لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تمثل علاجا مهما لأزمة العملة الأجنبية التي تضرب البلاد.

وتستهدف مصر تعميق الصناعة المحلية، وتصطدم خطتها بما يطالب به صندوق النقد، فوجود منتج محلي قادر على المنافسة والانتشار بالخارج لزيادة الصادرات يتطلب إعفاءات مستمرة وخفضا للفائدة، وهذا يصعب تحقيقه في ظل الظروف الراهنة.

ورفض عمرو مطر، عضو جمعية مستثمري الألف مشروع، استسلام الحكومة لمطالب الصندوق في ما يخص الضرائب، لأن المستثمرين يئنون من ارتفاع التكاليف، ولابد من حافز يتشبثون به مع الانكماش الاقتصادي الراهن.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أنه ينبغي تقديم حوافز أكبر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وضمها إلى الإعفاءات الضريبية مثل نظيرتها الكبيرة لأنها عصب الصناعة الثقيلة والكبيرة في مصر.

ولفت مطر إلى أن من السلبيات الكبيرة الناشئة عن برنامج الإصلاح إلغاء المبادرات التي كان يطلقها البنك المركزي بمنح قروض بفوائد مخفضة للمشاريع، حيث ترتب على ذلك الإلغاء إغلاق عدد كبير من المصانع مع ارتفاع الفائدة حاليا وعدم القدرة على الاقتراض.

ويمكن لمصر زيادة إيراداتها عبر الضرائب على المدى الطويل، إذا كانت عازمة على تشجيع الصناعة وجذب المستثمرين الأجانب، لأن منح الإعفاءات لفترة محدودة يؤدي إلى دخول مستثمرين جدد وارتفاع معدلات التشغيل والإنتاج.

ويمكن للسلطات فرض الضرائب على الدخل وبعد انتهاء فترة الإعفاء، كونها منحت الفرصة للشركات وسنحت لها بالإنتاج وتحقيق الأرباح والتوسع بدلا من رفع الضرائب في الوقت الحالي، والذي ينجم عنه هروب بعض المستثمرين.

ومن أبرز أنواع الضرائب التي تدر دخلا للحكومة، ضريبة القيمة المضافة، وهي من أنواع الجباية التي يحبذها صندوق النقد بشدة، لكن التوسع فيها خلال السنوات الأخيرة ألحق ضررا بالعديد من الصناعات، خاصة التي تستورد الآلات الثقيلة.

وقررت وزارة المالية في وقت سابق هذا العام بعد شكاوى من المستثمرين إلغاء هذه الضريبة وعدم إلزام المنتج الصناعي بتقديم ضمانات أو التأمين النقدي أو خطاب الضمان البنكي للاستفادة بتعليقها، وكانت مقررة بنحو 5 في المئة من قيمة المعدات والآلات.

وتصدرت عائدات القيمة المضافة على السلع المرتبة الأولى في التمويلات الضريبة العام الماضي، وبلغت نحو 6 مليارات دولار، بنسبة نمو بلغت نحو 27.2 في المئة لتستحوذ على 22.3 في المئة من إجمالي العائدات الضريبية.

ومن البدائل التي تلجأ إليها القاهرة لزيادة إيرادات الضرائب، التجارة الإلكترونية، وبلغت الحصيلة الناتجة عنها 20 مليون دولار، وهي وحدة لحصر مواقع التجارة الإلكترونية المحلية والأجنبية وصناع ومقدمي ومنتجي المحتوى.

ومن ضمن المحفزات الضريبية الجديدة التي أُقرت أخيرا منح إعفاءات تتراوح بين 33 و55 في المئة على الدخل المكتسب من مشاريع الهيدروجين الأخضر التي ستبدأ الإنتاج خلال السنوات الخمس المقبلة.

وإضافة إلى ذلك، إعفاء معدات وآلات الإنتاج والمواد الخام اللازمة للمشاريع من ضريبة القيمة المضافة، مع التوسع في استخدام أدوات التمويل الأخضر.