إجراءات كويتية لإلزام موظفي الدولة باحترام الدوام الرسمي
تتّجه وزارة الداخلية الكويتية نحو تعميم استخدام أجهزة البصمة لمراقبة مدى التزام جميع موظفيها بالدوام الرسمي.
ويأتي ذلك امتدادا لتوجّه أشمل سلكته الدولة الكويتية منذ سنوات نحو الحدّ من ظاهرة عدم التزام الموظفين العموميين بأوقات عملهم والتي نتج عنها تباطؤ شديد في وتائر العمل وانخفاض مهول في إنتاجية الموظّفين الذين تضعهم بعض الإحصائيات في أدنى المراتب العالمية من حيث أوقات العمل الفعلي بمعدّل لا يتجاوز حوالي سبع وعشرين دقيقة في اليوم لكل موظّف.
ويعتبر ذلك مناقضا تماما لحالة الرفاه التي يعيشها الموظف الكويتي لجهة ارتفاع الأجر وثراء الحوافز المادية الأخرى قياسا بأوضاع الموظفّين في الكثير من بلدان العالم بما في ذلك بعض البلدان المتقدّمة.
واعتمدت الكويت منذ سنوات عدّةَ طرق لضبط عملية حضور وانصراف الموظّفين بدءا بكشوف ودفاتر الحضور واستخدام البطاقات الإلكترونية ووصولا إلى نظام البصمة الذي يتم تطبيقه باستخدام أجهزة موضوعة على مداخل المؤسسات والإدارات العمومية والذي اتّخذ ديوان الخدمة المدنية سنة 2017 قرارا بإلزام جميع موظفي الدولة باستخدامه لإثبات أوقات حضورهم وانصرافهم.
غير أنّ الكثير من الأوساط الكويتية تقول إنّ اتّباع كل أساليب الرقابة تلك لم يُجْد نفعا حيث مازالت أعداد كبيرة من الموظفين الكويتيين تجد طريقة للالتفاف على أساليب الرقابة، فضلا عن عدم الصرامة في معاقبة من لا يلتزم بأوقات العمل؛ ومن ذلك تمتّع الغالبية العظمى من الموظفين، بمن في ذلك غير الملتزمين، بنفس الحوافز المالية التي تتمتّع بها الأقلية المنضبطة والمثابرة.
ويذهب بعض الكويتيين إلى القول إنّ الالتزام بالحضور إلى الإدارات والمؤسسات والانصراف منها في الأوقات المحدّدة لا يعني الرفع من إنتاجية الموظّفين بشكل آلي، إذ أن من بين هؤلاء من يواظب على الحضور لكنّه يتراخى في أداء الوظائف والمهام المنوطة به.
ويستندون في ذلك إلى تواصل شكاوى المواطنين من تعطيل مصالحهم ومعاملاتهم في إدارات الدولة رغم وجود الموظفين في مكاتبهم ومواقع عملهم.
ولا تقتصر ظاهرة انخفاض الإنتاجية والتراخي في أداء الواجبات الوظيفية على قطاع حكومي دون آخر، حيث تطال حتى القطاعات الحساسة على نحو خاص مثل القطاع الأمني.
وقالت مصادر أمنية إن وزارة الداخلية تعتزم بالتعاون مع وزارة المالية طرح مناقصة لتركيب أجهزة البصمة لإثبات دوام الموظفين في جميع إدارات وأقسام الوزارة.
ونقلت صحيفة “الرأي” المحلية عن المصادر قولها إنّ الوزارة تعمل على تعميم أجهزة البصمة لإثبات الدوام لعموم العاملين فيها من ضباط وأفراد ومهنيين ومدنيين بعد نجاح تطبيقها في قطاعي الأمن الجنائي والأمن العام، حيث كان لها أثر بالغ في ضبط آلية العمل والالتزام بحضور وانصراف العاملين، الأمر الذي استدعى أن يتم تعميمها على كل قطاعات الوزارة.
وبينت أنّ تركيب الأجهزة الجديدة سيتم قبل نهاية العام الجاري، مضيفة قولها إنّ النظام المعمول به في إثبات حضور وانصراف الموظفين يتم عن طريق دفتر الأحوال وعبر تسجيل اسم العسكري وتوقيعه، الأمر الذي لوحظ معه عدم ضبط آلية الحضور، إلا من خلال المسؤول المباشر الذي يدقق في الدفتر.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أنّ تركيب أجهزة البصمة يتواكب مع التطور التكنولوجي الذي تسعى له الوزارة من خلال الحد من عدم التزام العاملين، وربط بصمة الحضور والانصراف بالترقيات وصرف المكافآت وضبط آلية السفر لدى العسكريين والمهنيين الذين لا يسمح لهم بالسفر إلا بإذن مسبق.
وفضلا عن عرقلته عجلة الإنتاج، يكلّف التهرّب الوظيفي بمختلف أشكاله خزينة الدولة الكويتية أموالا طائلة. وتظهر إحصائية سابقة بلوغ عدد الإجازات المَرضية الممنوحة للموظفين في مختلف الجهات الحكومية خلال عام واحد قرابة ثلاثة ملايين إجازة، بواقع ألف يوم عمل وبكلفة مالية تجاوزت 182 مليون دولار.
ويشجّع الإخصائيون الاجتماعيون والاقتصاديون على اتّباع الصرامة في مراقبة أداء الموظّفين الكويتيين، معتبرين أنّها خطوة أولى على الطريق الصحيح، على أن تُستتبع بإرساء نظام دقيق وشامل في مراقبة الأداء وتقييم الإنتاجية وضبط الحوافز المالية وفقا لذلك دون مجاملة أو تسامح.
ويعتبر هؤلاء أن قضية التهرّب من الواجبات الوظيفية وضعف إنتاجية العمل في الكويت هي أيضا مسألة عقلية ساهم في غرسها في المجتمع الكويتي نظام دولة الرفاه بما يتضمّنه من سخاء في التقديمات المادية والامتيازات الاجتماعية للمواطنين ما يجعل الكثير منهم في غنى عن الاجتهاد وتقديم الإضافة لتحسين أوضاعهم المادية، مثلما هي الحال في غالبية دول العالم.
ورغم أن الكثير ممن يشغلون الوظائف في الكويت هم من الوافدين من بلدان أخرى، إلاّ أنهم، بحسب الأخصائيين، غالبا ما يتأثرون بالبيئة الكويتية وما يسود فيها من ثقافة عمل لا تشجع على الاجتهاد والإبداع.
ويقول هؤلاء إنّ هذه الثقافة تجلّت بشكل واضح في الجدل الذي ثار حول فرض نظام البصمة وتعميمه على موظفي الدولة، وتميّز على وجه الخصوص بالاعتراضات الشديدة على القرار رغم ما ينطوي عليه من مصلحة للبلد ومواطنيه.
وصدرت أغرب الاعتراضات عن عدد من نواب مجلس الأمّة (البرلمان) الذين بنوا اعتراضاتهم عموما على كون اعتماد نظام البصمة يعبّر عن عدم ثقة في الموظفين والعاملين ويجعلهم محل شك وريبة، ويشيع التوتّر وعدم الارتياح في مواطن العمل.
وذهب البعض إلى حدّ تبرير اعتراضه على القرار بأن من شأنه أن يتسبب في إرهاق الموظفين، محذّرا من أنّه يؤدي إلى هجرة الخبرات والكفاءات الوطنية، وهو أمر صعب عمليا لأسباب تتعلّق بالكفاءة وبصعوبة توفّر امتيازات من خلال العمل في الخارج تماثل ما هو متوفّر محليا.