السياسة النقدية المرنة تحرز تقدما في احتواء التضخم بالمغرب
تمكنت السياسة النقدية المرنة للبنك المركزي المغربي من احتواء التضخم بشكل كبير العام الحالي، وهو ما يعطي المسؤولين فرصة لالتقاط الأنفاس قبل التركيز على معالجة كل التشوهات في سياق الإصلاح الاقتصادي.
وواصل معدل التضخم في السوق المحلية مسيرة التباطؤ ليسجل 4.3 في المئة بنهاية أكتوبر الماضي بمقارنة سنوية، بعدما استقر لثلاثة أشهر متتالية عند 4.9 في المئة، وفقا لأرقام المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاءات، الصادرة الأربعاء.
وبدأت مسيرة التسارع في زيادة أسعار المستهلكين تهدأ قبل تسعة أشهر حين بلغت ذروتها عند عشرة في المئة بعد أن ارتفعت في عام 2022 نتيجة انعكاسات الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وكان مستوى تضخم أسعار الاستهلاك قد بلغ ذروته في شهر فبراير الماضي حين وصل إلى نحو 10.1 في المئة، وبدأ في التباطؤ حتى بلغ في يوليو 4.9 في المئة ثم زاد قليلاً إلى مستوى 5 في المئة في أغسطس ليعود إلى 4.9 في المئة بنهاية سبتمبر.
وقالت مندوبية التخطيط في نشرتها الشهرية إن “التضخم في أكتوبر نتج بشكل أساسي عن تزايد أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.8 في المئة والمواد غير الغذائية بنسبة 1.3 في المئة على أساس سنوي”. لكن على أساس شهري، نزل المؤشر 0.1 في المئة.
وما بين شهري سبتمبر وأكتوبر، رصدت المندوبية انخفاضا في أسعار الفواكه والسمك واللحوم والحبوب، فيما استمرت أسعار الخضر والزيوت والحليب في الارتفاع.
وكانت البلاد قد سجلت العام الماضي تضخما غير مسبوق بلغ نحو 6.6 في المئة، وهو ما دفع البنك المركزي إلى تشديد سياسته النقدية منذ سبتمبر 2022 برفع سعر الفائدة ثلاث مرات ليصل إلى 3 في المئة لكبح أكبر موجة لارتفاع الأسعار شهدتها البلاد منذ التسعينات.
وشكلت المحروقات العام الماضي أكبر عوامل ارتفاع الأسعار، ومنذ بداية هذا العام صارت أسعار المواد الغذائية وراء التضخم نتيجة الجفاف المستمر للموسم الثاني على التوالي بشكل دفع الحكومة إلى إقرار حزمة إجراءات لمواجهة ارتفاع الأسعار.
وقرر المركزي التوقف مؤقتا في يونيو وسبتمبر الماضيين عن رفع الفائدة لتمرير الزيادات إلى الاقتصاد على أن يتخذ قرارا جديدا في ديسمبر المقبل.
وقال البنك بعد اجتماع مجلس إدارته في سبتمبر الماضي في بيان إن "قرار الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير أخذ بعين الاعتبار مستوى اللايقين العالي المرتبط بتطورات الظرفية الدولية، وبالسياق الوطني بعد الزلزال".
ويجمع محللون على أن توقعات الفائدة في المغرب تتأرجح بين سيناريو التخفيف على وقع تباطؤ وتيرة التضخم في الأسواق التجارية خلال الفترة الأخيرة، ما يمنح الناس والأعمال فرصة لالتقاط الأنفاس ويسمح للاقتصاد بالنمو. وتبقى الآفاق الاقتصادية محليا ودوليا عنصرا يُؤخذ في الاعتبار من قِبل صناع القرار النقدي في المغرب قبل اتخاذ قرار بشأن الفائدة.
والرهان الأساسي بالنسبة إليهم هو الموازنة بين ضبط مساعي كبح التضخم، وفي الوقت ذاته دعم الانتعاش الاقتصادي، وهي مسؤولية تُلقى على عاتق محافظ المركزي المخضرم عبداللطيف الجواهري.
ويُتوقع أن يُنهي التضخم العام الجاري عند مستوى 6 في المئة، على أن يتراجع إلى نحو 2.6 في المئة خلال العام المقبل وفقا لآخر التوقعات الصادرة عن المركزي المغربي.
وتسعى الحكومة لخفض معدل التضخم السنوي خلال العام الجاري إلى 5.6 في المئة وإلى 3.4 في المئة خلال 2024، لكن خطة رفع الدعم تدريجيا عن أسعار أسطوانات غاز الطهو والدقيق والسكر العام المقبل قد تدفع التضخم ليعود إلى التصاعد من جديد. وكانت السلطات تتوقع مع بداية العام الحالي أن يتراجع التضخم في السوق المحلية ليقترب من مستوى اثنين في المئة في 2024.