تقارير وتحليلات
إنهاء إرث النظام السابق على رأس المطالب
الخرطوم تتصدى بالقانون لمعرقلي المسار الانتقالي
تحاول السلطات الانتقالية في السودان تجاوز أحد الاختبارات الحقيقية التي تواجهها في طريق المسار الذي رسمته لإخراج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية الخانقة.
وضاعفت جائحة كورونا متاعب المواطنين، الذين يتحملون بالكاد صعوبة الأوضاع الراهنة لحين تحسنها، انتظارا لوعود الحكومة التي تبنت خططا عديدة للإصلاح، في الوقت الذي يعاني فيه السودان من مشكلات سياسية جمة.
وقام عدد من أسر معتقلي النظام الرئيس المعزول عمر البشير الخميس باقتحام مقر النيابة العامة بالخرطوم، احتجاجا على تردي الوضع الصحي داخل سجن كوبر المركزي، بما يمثل ضغطا مضاعفا على الحكومة.
وبحسب معلومات نشرتها صحيفة “سودان تربيون”، أقدمت مجموعة من أسر المعتقلين السياسيين من رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير، على إقتحام مقر النيابة العامة بالخرطوم، عقب تنفيذ وقفة احتجاجية بغرض مقابلة النائب العام.
وتسعى الحكومة إلى إحلال التوازن في معادلة التداعيات السياسية لتحركات فلول البشير، وإجراءات الحد من انتشار الفايروس الذي لم يصب سوى 3 سودانيين، وفرضت حظرا للتجوال وعلقت حركة النقل بين الولايات.
ولاقت القرارات الصحية التي اتخذتها الحكومة ترحيبا، غير أنها ستكون أمام تحديات الحفاظ على استمرار نبضات الاقتصاد غير المستقرة، وعدم السماح بالسقوط في مستنقع انفجار الأوضاع الاجتماعية في وقت تعمل فيه جهات الثورة المضادة على إفشال خطط حكومة عبدالله حمدوك، وتحميلها مسؤولية جميع المشكلات التي تعانيها البلاد في الوقت الحالي.
ولم يكن أمام الحسن إبراهيم، عامل بأحد شركات التجارة، حل سوى أن يجلس في منزله بعد أن تعطّل عمله الذي كان في أوقات المساء، بسبب حظر التجوال الذي فرضته الحكومة الثلاثاء من الساعة الثامنة مساء وحتى السادسة صباحا، إذ يعتمد عمله بالأساس على نقل البضائع داخل ولاية الخرطوم وخارجها إلى الولايات الأخرى المختلفة.
وقال الحسن في تصريحات لـ”العرب”، إن “هناك الملايين من العمال الذين يعتمدون على الدخل اليومي توقفت أشغالهم بشكل كلي نتيجة الإجراءات الأخيرة، وغالبية هؤلاء لا يستطيعون تحمل نفقاتهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة”.
وأضاف أن عدم تفشي الوباء بالبلاد بصورة كبيرة يجعل الناس يتساءلون عن أسباب اتخاذ الإجراءات الصعبة بشكل مبكر، في ظل الصعوبات الاقتصادية الحالية.
ويحذر مراقبون من خطورة الأوضاع القائمة لأن الحالة الثورية المرتبطة بنزول المواطنين إلى الشارع مازالت حاضرة، مع وجود مناطق رخوة عديدة تغيب عنها قوات الجيش والأمن بشكل كبير واستمرار بعض الولاة المحسوبين على النظام البائد، وكل ذلك قد يشكل بيئة خصبة لإثارة الفوضى.
ولعل ذلك ما دفع السلطة الانتقالية إلى اتخاذ إجراءات اجتماعية واقتصادية، حيث قرر رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان الأربعاء تدشين صندوق قومي لمواجهة تفشي الوباء، وفتح باب التبرعات لمساعدة الحكومة على التعامل مع الأزمة.
وأكدت عضو المجلس السيادي، عائشة موسى، الأربعاء، إطلاق سراح 4217 من معتقلي سجن الهدى الإصلاحي الواقع في مدينة أم درمان، ويعد الإفراج بداية لإطلاق سراح المزيد من المعتقلين من سجون مختلفة. ويكمن الهدف الأساسي في رغبة السلطة التعامل السريع مع أي احتقان يصاحب الإجراءات الصارمة التي اتخذتها في مواجهة الوباء، لأن هناك حالة من الغضب المتصاعد جراء تفاقم أزمات الوقود والخبز وانخفاض قيمة الجنيه لمستويات متدنية.
ويؤمن الكاتب والمحلل السياسي مرتضى الغالي بأن السودان يحاول التعامل مع أزمات عدة تفاقمت على مدار الثلاثين عاما الماضية التي نتج عنها تجريف كامل للبنى الأساسية بما فيها البنية الصحية التي أهملها نظام البشير.
وذهب ذلك النظام باتجاه خلخلة العلاقة بين السلطة الاتحادية في المركز والولايات، بعد أن سيطر أتباعه على الهياكل الإدارية الكبرى في الخدمة المدنية.
وأوضح الغالي لـ”العرب” أن غالبية الولايات تعاني من عدم وجود أماكن مجهزة للعلاج، وسط بيئة ملوثة يطغى عليها انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة عدم الاهتمام بالنظافة وعدم وجود مخصصات لعلاج المرضى.
وقال إن “تلك الأوضاع تأتي في ظل محاولة السلطة الاتحادية إلزام المواطنين بالمكوث في منازلهم بينما هناك طبيعة ثورية اعتاد عليها المواطنون منذ عام ونصف العام تقريبا تهدد بحدوث صدامات بين الطرفين”.
ويرى الباحث السوداني أن المجتمع لا يواجه فقط كورونا، بل يواجه “فايروسات البشير التي امتصت رحيق الحياة وسرقت عافية المواطنين”، والآن تحاول استغلال الأزمة لتحريك المواطنين ضد الحكومة، اعتمادا على حدة المشكلات الاقتصادية. وتعاملت منظمة الصحة العالمية مع أوضاع السودان بمزيد من الشفافية، وأعلنت أنه في وضع “الخطر” بمواجهة جائحة كورونا، بسبب قدرات الحكومة الضعيفة في الاستجابة لأي تفشّ واسع “محتمل” للمرض.
وأكدت المنظمة العالمية أن الاستثمار في النظام الصحي بالسودان ظل محدودا لعقود طويلة، في وقت يفتقر فيه للكادر الطبي المؤهل ويعاني من ضعف البنيات التحتية والمعدات والإمدادات الدوائية.
واتفقت الباحثة في علم الاجتماع السياسي منال خضير مع التقارير الدولية التي أشارت إلى صعوبة الأوضاع، غير أنها على ثقة بقدرة الحكومة على تخطي الأزمة، لأن الغذاء الرئيسي الذي يحتاجه المواطنون مصدره الأساسي من الداخل.
وعوّلت في تصريح لـ”العرب” على وعي المواطنين الذين تنفسوا الحرية في أعقاب الإطاحة بنظام البشير، كما أن الحكومة حريصة على التواصل بشكل جدي مع المتضررين.