مجتمع الخليج بوست

بعد النكبة عام 1948..

ماهو الحزب الذي أسّس إسرائيل وقادها في حالة احتضار؟

عمير بيرتس، زعيم حزب العمل

برلين

جاء إعلان قيام إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني بعد النكبة عام 1948، لكن الصهيونية بدأت بتأسيسها قبل ذلك تحت رعاية الاستعمار البريطاني من خلال مؤسسات البنى التحتية ومنها الأحزاب كحزب “العمل” الذي كان يعرف بـ”مباي” برئاسة دافيد بن غوريون، وقد تولى بناءها وقيادتها طيلة عقود، وما لبث أن بدأت مسيرةُ ضموره حتى بات اليوم على حافة الانقراض وهو برئاسة عمير بيرتس.

وكانت الانتكاسة الكبرى الأولى التي تعرف في السياسة الإسرائيلية بـ”الانقلاب” قد حدثت في 1977 يوم خسر الحكم للمرة الأولى لصالح حزب “الليكود” برئاسة مناحم بيغن، وكانت للضربة التي تلقتها إسرائيل في حرب 1973 أثر كبير على زعزعة أركان “العمل” بعدما اتهمت رئيسة الوزراء الإسرائيلية وقتها غولدا مئير أنها تتحمل مسؤولية مباغتة إسرائيل من قبل سوريا ومصر، ولم تكترث بتحذيرات استخباراتية قدمها الجاسوس المصري أشرف مروان.

منذ عام 1977 عاد “العمل” للحكم لسنوات قليلة، لكن معظم هذه الفترة حتى اليوم، ظل “الليكود” في سدة الحكم وبالتزامن كانت هيبة وقوة الحزب في تراجع حتى بات حزبا متهاويا ملحقا وشريكا صغيرا في حكومات اليمين، وفي الفترة الراهنة يعيش حضيضا غير مسبوق تحت رئاسة أمينه العام عمير بيرتس ومعه ثلاثة نواب، بعدما كان يفوز بخمسين مقعدا وأكثر في الكنيست.

ويرى المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن قرار عمير بيرتس للانضمام إلى حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة كتحرير لحبل المقصلة لهذا الحزب، الذي تلقى الضربة القاضية في انتخابات مارس/ آذار 2020 بعد سلسلة ضربات “قاصمة” في السنوات الأخيرة.

في حين أن حزب “ميرتس” الذي تلقى هو أيضا ضربة قاصمة في تحالفه مع حزب العمل، ينتقل الآن لمرحلة صراع البقاء السياسي، غير أن تلاشي حزب العمل بصيغته الحالية قد يعطي “ميرتس” متنفسا، في صراعه للبقاء السياسي في المرحلة المقبلة، وهما معا طالما عرفا كمعسكر “اليسار الصهيوني”.

وقد تلقى تحالف حزبي العمل وميرتس، ومعهما الحزب الصوري للنائبة اليمينية أورلي ليفي- أبكسيس، ضربة قاصمة، ولكن بالنسبة لحزب العمل، كما يبدو، هذه الضربة القاضية برأي “مدار”. وهذا بدليل أن الحزب الذي استفرد بالحكم الإسرائيلي لثلاثة عقود، بات يتمثل بثلاثة نواب في الكنيست، وحتى هذه الكتلة الهامشية جدا تشهد انشقاقا، إثر رفض النائبة ميراف ميخائيلي الانضمام إلى حكومة نتنياهو، أو على الأقل أعلنت أنها لن تكون ملتزمة بالتصويت تأييدا للحكومة وكل قراراتها وقوانينها.

هزائم متتالية
وخلافا للتوقعات الأولى لدى إقامة التحالف بين حزبي العمل وميرتس، بأن يحافظ الحزبان على ما حققاه معاً في كل واحدة من جولتي الانتخابات في 2019، فإن الحزبين خسرا معا 35% من قوتهما، حيث خسرا في انتخابات مارس/ آذار الماضي 140 ألف صوت، وهبط التمثيل من 11 مقعدا إلى 7 مقاعد، ثلاثة منها لـ”العمل” ومثلها لـ”ميرتس”. أما المقعد السابع (الثاني في تدريج القائمة) فقد كان للنائبة أورلي ليفي، التي لم تمر بضعة أيام قليلة على صدور نتائج الانتخابات النهائية، حتى حملت مقعدها منفصلة عن التحالف، باتفاق مع حزب الليكود، وهذا بعد أن انقلبت على موقفها في الحملة الانتخابية، وأعلنت رفضها لأي تعاون بين كتلة “أزرق أبيض” والقائمة المشتركة، ورفضها لحكومة أقلية مدعومة من الخارج بالقائمة المشتركة.

وفي تفصيل النتائج، نجد أن تحالف حزبي العمل وميرتس خسر 14 ألف صوت في الشارع العربي، من أصل 24 ألف صوت حصل عليها الحزبان في انتخابات أيلول، وأيضا من أصل 45 ألف صوت حصل عليها الحزبان في انتخابات نيسان 2019. وهذه أصوات صبّت مباشرة لصالح القائمة المشتركة. يضاف لها خسارة حوالي 6 آلاف صوت في الشارع اليهودي، أيضا لصالح القائمة المشتركة. وحسب تقديرات حزبية، فإن الأصوات الـ6 آلاف من اليهود هم من مصوتي ميرتس، الذين رفضوا تحالفا يضم عمير بيرتس وأورلي ليفي. وهذا يعني أن 120 ألف صوت خسرها التحالف لصالح تحالف “أزرق أبيض”، الذي هو أيضا خسر عشرات الآلاف من الأصوات، مع فرضية أنها اتجهت كلها تقريبا لليكود. وهذا يوضح أن “أزرق أبيض”، الذي حصل على 50 ألف صوت زيادة في الانتخابات الأخيرة، قد عوّض نفسه وزاد من الأصوات التي خسرها تحالف العمل- ميرتس”.

 المسمار الأخير
ويعتبر “مدار” أيضا علاوة على جهات أخرى أنه لا يمكن إلقاء كل تهمة النتيجة الأخيرة لحزب “العمل” على عاتق شخص عمير بيرتس، إلا أن ممارساته منذ أن عاد إلى رئاسة حزب العمل في يوليو/تموز 2019، سرّعت الخطى نحو المربع الأخير لـ”العمل” الذي سيكون من الصعب رؤيته يخلص نفسه منه، ويعود إلى الحلبة السياسية في أي انتخابات مقبلة إذا ما بقي على حاله اليوم.

وأزمة حزب العمل بدأت بأزمة قيادة، رافقتها أيضا أزمة أجندة سياسية، وهذه الأزمة بدأت تضرب الحزب مع اغتيال رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين، وعودة شيمون بيريز إلى رئاسة الحكومة والحزب.

ويرى “مدار” أنه منذ اغتيال رابين في 1995 وحتى الانتخابات التي جرت في مايو/ أيار العام التالي 1996، بمعنى 6 أشهر، فتح بيريز جبهات تصعيد وحرب على الساحة الفلسطينية باستئناف الاغتيالات، التي قوبلت بعمليات تفجيرية، وبحرب “عناقيد الغضب” على جنوب لبنان، ما بدد الشعور بالأمن في الشارع الإسرائيلي، وتراجع قسم كبير من الإسرائيليين عن النظرة التفاؤلية التي رافقت مفاوضات السلام المتشعبة.

وهذه الأزمة عززها إيهود باراك، منذ أن تسلم رئاسة الحزب في عام 1997، ولاحقا خلال رئاسته للحكومة لمدة 20 شهرا، ابتداء من حزيران 1999 وتوالت بعد ذلك الضربات والأزمات القيادية والسياسية.

وفي انتخابات 2015 حصل “العمل” على ما يمكن وصفه الآن بالفرصة الأخيرة، ليموضع نفسه مجددا في مقدمة الخريطة السياسية، منافسا على سدة الحكم، حينما أقام “المعسكر الصهيوني”، بتحالف مع حزب “الحركة” برئاسة تسيبي ليفني، وحصول التحالف في ذلك العام على 24 مقعدا، منها 19 مقعدا لـ”العمل”. إلا أن العمل برئاسة إسحاق هيرتسوغ لم يستثمر هذا الإنجاز السياسي، بل اختار مسار الانحياز نحو أجندات اليمين الاستيطاني، فأقر في 2016 برنامجا سياسيا، تراجع فيه عن حل الدولتين، واختار مسار الانفصال من جانب واحد عن الضفة، بخلق كانتونات فلسطينية غير متواصلة ومعزولة، وبعد مرور سنوات طوال، قد تنشأ فرصة للتداول في إقامة دولة فلسطينية، بموجب منطق برنامج ” العمل” الذي لم يتراجع عنه رسميا لاحقا.

 استبدال الرئيس 12 مرة
ويعلل “مدار” استخدام “أزمة” بالإشارة إلى أنه بعد اغتيال رابين استبدل الحزب رئيسه 12 مرة، بمعنى في غضون 24 عاما، حتى صيف العام الماضي، من بينها ولايتان قصيرتان لشيمون بيريز، ورئاستان لعمير بيرتس. وفي 2017 استورد الحزب رئيسا له من خارج صفوفه، آفي غباي، الذي قاد الحزب إلى هزيمة نكراء في انتخابات أبريل/ نيسان 2019، إذ حصل الحزب على 6 مقاعد، بدلا من 19 في انتخابات 2015.

وبعد تلك الهزيمة، بات الحزب مثل “الوليمة الشهية” لعمير بيرتس، الذي انقض على رئاسة الحزب مباشرة، في منافسة ضعيفة أمامه. إلا أن بيرتس انقلب في اليوم التالي لانتخابه على ما وعد به بالتحالف مع ميرتس، بل تصدى للمبادرة بشراسة، واختار التحالف مع النائبة أورلي ليفي- أبكسيس، التي كانت قد حصلت في انتخابات أبريل/ نيسان 2019، على ما يعادل مقعدين برلمانيين، ولكنها لم تعبر نسبة الحسم.

وكانت حسابات بيرتس في تلك الانتخابات طائفية يهودية، فاعتقد أن تحالفا كهذا يرأسه هو الشرقي، ومعه شريكته الشرقية أورلي، سينقض على “تركة” حزب “كلنا” المنحل، الذي كان برئاسة وزير المالية الحالي موشيه كحلون، ولكن حسابات بيرتس كانت فاشلة كليا، لأن حصة كبيرة من “تركة” كحلون، عادت إلى مربعها الأصلي، بمعنى دعم حزب شاس الديني المتزمت، وحصل العمل مع شريكته ليفي على 6 مقاعد، منها 5 لحزب “العمل”.

 تحت إبط ” أزرق- أبيض ”
ولم يكتف عمير بيرتس بالهزيمة الأخيرة، بل رأى لربما أن هذه دورته الأخيرة شخصيا في الحلبة البرلمانية، فاختار الانضمام إلى حكومة بنيامين نتنياهو، تحت إبط حزب بيني غانتس “أزرق أبيض”، مقابل حقيبتين وزاريتين لكل من بيرتس، وشريكه في القائمة إيتسيك شمولي.

وبذلك نكث بيرتس وهو رجل شرقي من أصول مغربية بوعده، بعدما سبق وأقسم بشاربه بعدم الانضمام لحكومة برئاسة نتنياهو، وما لبث أن أعلن نيته الانضمام قبل أسبوعين متخلصا من وعده ومن شاربه الذي بادر لحلاقته بنصيحة خبراء في الإعلام، اعتبروا الشارب الكثّ يكرس صورة نمطية لشخص تقليدي متقادم.

وتعتبر خطوة بيرتس هذه، في حال تمت أم لم تتم في اللحظة الأخيرة، أو حتى لو دخل بيرتس الحكومة وغادرها بعد وقت قصير، فإن الضربة القاضية كليا لـ”العمل” باتت حقيقة واقعة، وبات بالإمكان القول الآن إن حلته الحالية أسدل الستار عليها، أو أن بيرتس قد حرر حبل المقصلة عليها، فإن بقيت كوادر وأجهزة حزبية لهذا الحزب، فسيكون عليها البحث عن إطار سياسي جديد برأي مراقبين كثر.

شباب الانتفاضة يضرمون النار في مراکز قمعیة للنظام الإيراني


موجة الاحتجاجات تجتاح مدنًا متعددة في إيران


إيران والشرق الأوسط الملتهب!


احتجاجات واسعة النطاق في إيران بسبب الأزمات الاقتصادية