تقارير وتحليلات
خبراء يحذرون من تهديد اتفاق الرياض ويدعون للتهدئة..
تقرير دولي: عدن بين مناورات «الحكم الذاتي» واتهامات «الانقلاب»
تطورت الاتهامات المتبادلة بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى إعلان المجلس فجر الأحد «الإدارة الذاتية للجنوب» وهو ما وصفته الحكومة اليمنية انقلابا على اتفاق الرياض، وقالت في بيان إنه استمرارٌ للتمرد المسلح، في الوقت الذي أعلنت فيه 6 محافظات وسلطات محلية رفضها إعلان المجلس، مؤكدة وقوفها مع الحكومة المعترف بها دوليا.
ويحذر خبراء من أن المناورات السياسية قد تهدد اتفاق الرياض اليمني بالانهيار، وهو ما لن يكون محل ترحيب لدى تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولا الدول الراعية للسلام في اليمن، ولا الأمم المتحدة التي تعوّل على وقف النار الذي مدده التحالف قبل أيام شهرا كاملا لمنح المفاوضات والانخراط في التعاطي مع المبعوث الأممي إلى اليمن متاحا لحل الأزمة برمتها.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن سكان في مدينة عدن قولهم إن المدينة شهدت «انتشارا مكثفا» لقوات أمنية وعسكرية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وأقيمت نقاط تفتيش. وانتشرت عربات عسكرية ترفع أعلاما انفصالية عند مداخل المدينة وأيضا في الشوارع الرئيسية.
«كعكة المسؤولية»
اتهم المجلس وهو مكون سياسي حديث تأسس في 2017 ويقول مؤيدوه إنه امتداد للحراك الجنوبي وحركات مقاومة الوحدة اليمنية التي نشأت بعد حرب 1994 الحكومة اليمنية بالتلكؤ وتهربها من تنفيذ ما يتعلق بها من اتفاق الرياض.
وسبق للمجلس أن أصدر بيانا بعد سيول اجتاحت عدن وتسببت في قتل 14 شخصا على الأقل وإصابة العشرات متهما الحكومة بأنها غير موجودة على الأرض.
كما حملها في بيان الأحد بمسؤولية «تردي الخدمات العامة وفي مقدمتها البنية التحتية للكهرباء والمياه والطرق والذي أظهرته بشكل جلي كارثة السيول الأخيرة ما تسبب في معاناة شديدة لأهلنا في العاصمة الجنوبية عدن سيما مع دخول شهر رمضان المبارك، واستخدام ذلك كسلاح لتركيع الجنوبيين».
ويرى الدكتور محمد جميح المحلل السياسي اليمني بأنه «لا يمكن أن تقول إنك مسيطر على الأوضاع في عدن، ثم تطلب من الحكومة القيام بمسؤولياتها، ولا يمكنك ممارسة السلطة دون تحمل المسؤولية، الكعكة لذيذة، لكنها تفرض مسؤوليات على من يريدها». ويتساءل جميح في سياق رده على أسئلة بعثت بها «الشرق الأوسط» كتابيا: «الخدمات متردية، والحكومة تتحمل جزءاً من المسؤولية، لكن هل تم تمكين الحكومة من ممارسة عملها؟».
كسر الجمود السياسي
قال بيان للشرعية إن الحكومة اليمنية حمّلت المجلس الانتقالي وقياداته الموجودة في أبوظبي، المسؤولية الكاملة عن عدم تنفيذ بنود اتفاق الرياض، وصولاً للانقلاب الكامل على مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن من خلال بيانهم الصادر يوم أمس السبت 25 أبريل (نيسان) 2020 والمذيل باسم المدعو عيدروس الزبيدي (رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي).
واعتبرت الحكومة في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) إعلان المجلس الانتقالي «تمرداً واضحاً على الحكومة الشرعية وانقلاباً صريحاً على اتفاق الرياض واستكمالاً للتمرد المسلح على الدولة في شهر أغسطس (آب) 2019»، وقالت إنه «محاولة للهروب من تداعيات الفشل في تقديم أي شيء للمواطنين في عدن الذين يكتوون بنار الأزمات، وانعدام الخدمات بعد التعطيل الكامل لمؤسسات الدولة والاستيلاء عليها ومنع الحكومة من ممارسة مهامها».
لكن هاني مسهور الكاتب الصحافي اليمني يعتقد أن ما اتخذه المجلس الانتقالي الجنوبي من قرار بإعلان حالة الطوارئ وإدارة الحكم الذاتي يأتي «كإفراز طبيعي لحالة الجمود السياسي خاصة بعد توقيع المجلس والحكومة اليمنية لاتفاق الرياض الذي ما زال حبرا على ورق لرفض الحكومة إعادة قواتها من محافظتي شبوة وأبين».
يقول مسهور إن «قرار المجلس الانتقالي يمكن أن يكون فرصة مواتية لكسر الجمود السياسي وتعيين محافظ ومدير أمن لمدينة عدن كمدخل لتنفيذ اتفاق الرياض الذي يعد مهماً في المنظور القريب خاصة أن المبعوث الأممي مارتن غريفيث يسعى لأحياء العملية السياسية في اليمن وبدون هيكلة المؤسسة السياسية واستبعاد عناصر الإخوان والمتورطين في قضايا الفساد فإن الطرف الأضعف سيظل طرف الحكومة وهو ما يهدد مكتسبات ثمينة تحققت من عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل خلال السنوات الخمس الماضية».
وسبق للمجلس أن أصدر بيانا بعد سيول اجتاحت عدن وتسببت في قتل 14 شخصا على الأقل وإصابة العشرات متهما الحكومة بأنها غير موجودة على الأرض.
كما حملها في بيان الأحد مسؤولية «تردي الخدمات العامة وفي مقدمتها البنية التحتية للكهرباء والمياه والطرق والذي أظهرته بشكل جلي كارثة السيول الأخيرة ما تسبب في معاناة شديدة لأهلنا في العاصمة الجنوبية عدن سيما مع دخول شهر رمضان المبارك، واستخدام ذلك كسلاح لتركيع الجنوبيين».
هل الشرعية مخطوفة من «الإخوان المسلمين»؟
يقول أحمد عمر بن فريد وهو ممثل المجلس الانتقالي لدى دول الاتحاد الأوروبي لـ«الشرق الأوسط» في رده على سؤال عن تهمة الانقلاب، «طوال خمس سنوات لم تفعل الحكومة الشرعية شيئا خلاف البيانات التي تكرر فيها متلازمة «انقلاب»، حتى باتت هذه المفردة ملتصقة بها وتفسر على أساسها كل شيء، ولن أبالغ إذا ما قلت إنه سيأتي يوم ستصدر فيه الحكومة بيانا تصف فيه موقف التحالف بأنه انقلاب عليها، هذه الحكومة لا تريد أن تفعل أي شيء إلا أن يقاتل التحالف والجنوب الحوثي نيابة عنها وأن تنقل إلى صنعاء لتحكم اليمن عبر تنظيم جماعة الإخوان المسلمين».
وتتهم قيادات المجلس الانتقالي وأنصاره الحكومة اليمنية بأنها تحت سيطرة الإخوان المسلمين، ويقصدون بذلك «التجمع اليمني للإصلاح»، الحزب اليمني الذي أعلن في مرتين منفصلتين عامي 2013 و2016 تبرؤه من الإخوان المسلمين، لكن المنتقدين يصرون على ذلك.
وسألت «الشرق الأوسط» راجح بادي المتحدث باسم الحكومة اليمنية عن رده على التهمة، فنفى ذلك، وقال إنها «تهمة لم تعد تنطلي على أحد، وهي الحجة ذاتها التي استخدمها الحوثيون في إسقاط العاصمة صنعاء»، مضيفا أن «الحكومة (اليمنية) مكونة من 38 وزيرا، حزب الإصلاح لديه أربع حقائب إضافة إلى وزير دولة من دون حقيبة، والحكومة الحالية مشكلة من عدة أحزاب، فهناك المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري والحراك الجنوبي، وهناك أيضا تكنوقراط»، متمسكا بتسمية ما حدث في عدن بأنه «انقلاب على اتفاق الرياض، أما الحكومة في عدن فقد جرى الانقلاب عليها في أغسطس الماضي».
في المقابل، تجدر الإشارة إلى تقرير نشرته «رويترز» الأحد اتهم المجلس الانتقالي بأنه «مدعوم من الإمارات العام الماضي، وانقلب على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وسيطر على عدن ووصلت أعمال العنف وقتها لمناطق أخرى في الجنوب».
وسبق أن رفض بيان سعودي - إماراتي مشترك العام الماضي الاتهامات الموجهة إلى دولة الإمارات، وأكد على استمرارها ضمن التحالف الداعم لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي في مواجهة الانقلاب الحوثي.
ويقول تقرير «رويترز» إن المجلس الذي قال إنه يرغب في أن يكون جزءا من أي مفاوضات سياسية، من اللجان المعنية بتطبيق اتفاق الرياض انسحب في يناير (كانون الثاني).
متطلبات الوقت الراهن
يعتقد الدكتور محمد جميح بأنه «كان على الحكومة أن تضع النقاط على الحروف ليس في عدن وحدها، ولكن في مجمل القضايا الأمنية والعسكرية والاقتصادية والخدمية. إما أن تتحمل مسؤوليتها، أو تقول إنها لا تتحمل المسؤولية لأن السلطة الفعلية في عدن هي للمجلس الانتقالي». ويقول: الإشكال هنا أن الحوثي والانتقالي يسيطران فعلياً على صنعاء وعدن، ويطلبان من الحكومة صرف المرتبات، وهذا لا يستقيم، لأن المسؤولية تقع على من يمارس السلطة.
وبسؤال ممثل الانتقالي في أوروبا عن وجود أي اتصالات لتهدئة الأمور وتغليب مصلحة المواطنين بالعودة إلى اتفاق الرياض، قال أحمد فريد «في جميع المحطات والمنعطفات تثبت قيادة المجلس الانتقالي حرصها الكبير على الأهداف الاستراتيجية للتحالف العربي وتثمن تثمينا كبيرا جدا دور الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية وتحرص كل الحرص على التفاعل مع كل ما تطرحه الرياض من مبادرات».
بينما يرى هاني مسهور بأن المطلوب عملياً «تنقية الأجواء بين طرفي اتفاق الرياض والعمل على بناء الثقة بتنفيذ الخطوات الإجرائية التي تعزز من استكمال الثقة فيما يمكن أن يصحح مسار الحكومة اليمنية وعدم إقصاء المجلس الانتقالي الجنوبي كمكون يحظى بتأييد شعبي واعتراف إقليمي»، مضيفا أنه يجدر «تغليب العقل والمصلحة هو الأهم في هذه المرحلة وهو ما يجب على الشخصيات المؤثرة في الحكومة التعاطي معه بإيجابية ومسؤولية فهذه مرحلة لها ما بعدها فالخطر الإيراني ما زال قائما بسيطرة الحوثيين على صنعاء ومحافظات الشمال ولن يتم تجاوز هذا الخطر بغير الانسجام مع مطالب الشعب الجنوبي بإدارة محافظاتهم والتعاون مع المحور العربي الذي تقوده السعودية وتدعمه الإمارات لاستكمال أهداف عملية عاصفة الحزم».