تقارير وتحليلات
عرض الصحف الفرنسية..
تقرير: الإمارات أرض التسامح.. التعايش السلمي بين المجتمعات الدينية
في ظل الجدل الدائم حول مشروع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإصلاح نظام المعاشات في فرنسا، نشرت جريدة "لاتريبون" مقتطفات من التحليل الذي بثته قناة "إكسيرفي" والذي تناول السؤال التالي: العمل لفترة أطول أم قبول الهجرة لإنقاذ المعاشات؟
حيث يعدّ الجانب الأمامي من العملة والخبر السار هو أن متوسط الأعمار في تزايد. أما الوجه الآخر من العملة، فهو الصداع الحقيقي الذي يسببه ذلك للمسئولين عن خطط المعاشات التقاعدية.
فوفقًا لسيناريوهات النمو المختلفة التي رسمها المجلس التوجيهي للمعاشات، ستشهد فرنسا عجزًا يتراوح ما بين 8 و9 مليارات يورو في عام 2025 تقريبًا لضمان توازن نظام المعاشات التقاعدية ككل، ومن 8 إلى 14 مليار يورو في عام 2030، أي ما يعادل 0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبعيدًا عن الانتقادات العنيفة وغير المتيقنة من طرح بعض الفرضيات، لا سيما فيما يتعلق بالموارد المخصصة لنظام المعاشات، ثمة نقطة اتفاق وهي: أن انخفاض عدد المساهمين مقارنةً بعدد المتقاعدين يمثّل مشكلة خطيرة على التوازن، فبعدما كانت نسبة المساهمين إلى المتقاعدين تساوي 3 إلى 1 في منتصف السبعينات، انخفضت إلى 2 إلى 1 في منتصف الألفينات لتهبط إلى 1.7 إلى 1 اليوم، خاصة وأن التوقعات، أيًّا كانت الظروف، تسير في نفس الاتجاه إذا لم يتغير شيء؛ وبالتالي فإن الحل البديهي يكون برفع سن التقاعد لعكس الاتجاه.
العمل على المتغيرات الديموغرافية
تعتمد العلاقة بين المشاركين والمتقاعدين بشكل أساسي على ثلاثة متغيرات ديموغرافية وهي: الخصوبة ومتوسط العمر المتوقع، وتعتمد أيضًا على سلوك النشاط في جميع الأعمار، وبشكل جزئي على معدل البطالة.
وتستطيع الشعوب الأكثر شبابًا زيادة عدد العاملين، وبالتالي عدد المساهمين مقارنة بعدد المتقاعدين، وتعد الفرضيات الديموغرافية التي استند عليها المجلس التوجيهي للمعاشات في عمله هي نفسها التي استخدمها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في عام 2016، وتستمر حتى عام 2070.
• وتستند هذه الفرضيات قبل كل شيء إلى معدل الخصوبة الذي يبلغ في المتوسط 1.95 طفل لكل امرأة، مع نطاقات منخفضة وعالية تتراوح بين 1.8 و2.1 طفل. ومع ذلك، فقد تلاحظ استمرار معدل الخصوبة في الانخفاض منذ أربع سنوات، وصار عند الحد الأدنى من النطاق المذكور.
• وثمة فرضية أخرى تشير إلى صافي عدد المهاجرين. حيث رصدت أحدث الملاحظات ثبات هذا العدد إلى حد ما عند 70 ألف مهاجر في المتوسط، على الرغم من انخفاضه قليلاً، حتى بلغ 58 ألف مهاجر خلال السنوات الثلاث الماضية.
• بالنسبة إلى متوسط العمر المتوقع عند 60 عامًا، فهو مستمر في الارتفاع، لكنه أقل تسارعًا بالنسبة للنساء وأكثر بالنسبة للرجال. وإذا كان السؤال هو عن معرفة ما إذا كان المواليد والهجرة يمكن أن ينقذوا نظام المعاشات بشكل مطلق فإن الإجابة نعم. لكن هذا لن يحدث طالما أن السياسة الأسرية لا تحظى بالأولوية.
انخفاض معدلات العمل والتوظيف
يبدو تمديد سن التقاعد، وبالتالي زيادة نسبة المساهمين إلى المتقاعدين، الأداة الأفضل لموازنة نظام المعاشات التقاعدية ما دمنا لا نريد زيادة قيمة الاشتراكات أو اقتطاع جزء كبير من المعاشات التقاعدية مخافة إفقار شريحة من السكان ذات وزن انتخابي ثقيل. وتتمثل المشكلة في الحالة الفرنسية في أنه من الصعب لزيادة فترة الخدمة أن تحقّق التأثيرات الميكانيكية المنتظرة على صعيد الحجم الكلي للعمل والاشتراكات.
ويجب أن نركز في المقام الأول على معدل العمل، أي النسبة بين عدد العمال النشطين إلى مجمل السكان المقابلين لهم، وبالتالي، يتضمن التعداد أولئك الذين يعملون والذين يرغبون في العمل. ومع متوسط بلغ 71.6 في المائة في الربع الثاني من عام 2019، تقل فرنسا عن متوسط منطقة اليورو بنقطتين. وهذه الفجوة مبنية على قيم متطرفة بشكل هائل بين الشباب؛ لأن عمالة الطلاب أقل انتشارًا في فرنسا عن بقية أوروبا؛ وبالتالي مساهمتهم في تمويل المعاشات التقاعدية ضئيلة، والمشاركة أكثر هامشية كذلك بين كبار السن بسبب تقاعدهم المبكر.
إن تحليل معدل العمالة، أي عدد الأشخاص العاملين بالفعل مقابل عدد الأشخاص في سن العمل، يأخذ فرنسا إلى مجال آخر. فالفجوة ترتفع إلى 3 نقاط وتتسع بشكل سريع. والنقص في سوق العمل الذي وصل إلى الحضيض. وبطبيعة الحال، هو موضع سؤال، حيث ارتفع معدل البطالة لمن عم فوق سن الستين عامًا من 4.2 في عام 2012 إلى 7.5 ٪ في عام 2018. لقد أسفر إصلاح نظام التقاعد الذي قام به الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بمتديد الأقساط هو على وجه الخصوص ما أدى إلى زيادة معدل البطالة في الفئات العمرية الأعلى.
وبسبب إخفاقها في التأثير على المتغيرات الديموغرافية ومعدلات النشاط والعمالة التي تعد الخيارات الأقل إيلامًا، اختارت الحكومات المختلفة تعديل سن الإحالة إلى التقاعد، وهو خيار لم يثبت فاعليته الكاملة حتى الآن.
الإمارات تراهن على التسامح
وتحت عنوان: "الإمارات تراهن على التسامح"، أشادت جريدة "لاكروا" المتخصصة في الأديان بالجهود التي تقوم بها دولة الإمارات لتعزيز التسامح حيث تكثف من إعلاناتها ومشاريعها الخاصة بالتسامح والتعايش الديني، كمنتدى السلام في المجتمعات الإسلامية الذي انعقد في ديسمبر الجاري.
ما المبادرة التي قامت بها الإمارات؟
بحضور أبرز الشخصيات في مجال الحوار بين الأديان وفي الفترة من 9 إلى 11 ديسمبر، عقد منتدى السلام في المجتمعات الإسلامية نسخته السادسة في أبو ظبي بحضور عدة مئات من القادة الدينيين والسياسيين والمنظمات غير الحكومية من جميع أنحاء العالم.
ويظهر موضوع المنتدى "دور الدين في تعزيز التسامح: من الاحتمال إلى الضرورة" استعداد المنظمين للانتقال من مرحلة الأقول إلى مرحلة الأفعال.
وقبل أسبوع من انعقاد المنتدى، توجه الكاردينال ميغيل أيوسو جيكوت، رئيس المجلس البابوي للعلاقات بين الأديان، ومحمد عبد السلام، المستشار السابق لشيخ الأزهر، إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو دوتيريس وطلبا منه "إعلان الرابع من فبراير يومًا عالميًّا للأخوة الإنسانية".
ما هو السياق؟
يقول لور عساف، الأستاذ المساعد في علم الأنثروبولوجيا بجامعة نيويورك في أبو ظبي، إن خطاب التسامح "ليس مجرد خطاب ذي أهمية كبيرة في دولة الإمارات، بل بات مشروعًا سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا كذلك؛ حيث شهد انفجارًا حقيقيًا منذ إصدار قانون مناهضة التمييز والكراهية في عام 2015، والذي كان بمثابة سيفًا ذا حدّين: فهو يحظر التمييز على أساس الدين أو الطائفة أو المعتقد أو العقيدة أو العرق أو اللون؛ لكنه يهدف أيضًا إلى معاقبة "عدم التسامح" من خلال تجريم الكلام الذي يُعد إهانة أو كراهية للأديان، بما في ذلك المحتوى المنشور عبر الإنترنت".
لقد قامت الإمارات بالكثير من المبادرات في هذا الشأن حيث أنشأت وزارة للتسامح في عام 2016، وأعلنت عام 2019 عاما للتسامح، واستقبلت البابا فرانسيس في العام نفسه، ولا تزال المبادرات تتوالى. ويتابع الباحث في علم الأنثروبولوجيا قائلًا: "لقد تضمنت المناهج والكتب المدرسية التسامح"، ومثل هذه المبادرات تساعد في تعزيز صورة الإمارات الإسلامية المعتدلة أمام المجتمع الدولي، "وهو ما يعزّز التعايش السلمي بين المجتمعات الدينية المختلفة".
وبكل سهولة تقدم الإمارات، التي يشكّل الأجانب 88 في المائة من سكانها، نفسها باعتبارها "مثالًا ناجحًا للتعايش الذي يعيد تنشيط صورة الشرقية العالمية، كما أن الفائدة الاقتصادية تُعد واضحة كذلك، حيث يؤكد أستاذ العلوم السياسية السيد ستيفان لاكروا، الذي كتب مقالة حول هذا الموضوع أن "هذه السياسة الدينية هي النظير للنموذج الاقتصادي الذي تبنته الإمارات وهو: سياسة الاقتصاد المفتوح المعولم، الذي يتوق إلى جذب المستثمرين والمغتربين في بيئة يشعرون فيها بالراحة".
الاقتصادات العربية.. مؤشرات لأسلوب جديد في التنمية
وسلّطت جريدة العالم العربي الفرنسية الضوء على حالة الاقتصادات العربية مقارنة بما قبل الربيع العربي، فما الذي يمكن أن يفسّر ثورات عام 2011؟ ففي تقرير يحمل عنوانًا مثيرًا وهو: "ثورات الغضب الشعبي"، الذي نشر في عام 2018، وصف خبراء من البنك الدولي هذه الأحداث بما يسمونه "متلازمة التنمية المؤسفة" و"لغز اللامساواة العربية".
ووفقًا لمؤلفي هذا التقرير، فإن هناك أمورًا أكثر من الفقر النقدي أو عدم المساواة غير القابلة للقياس، وهي العوامل النوعية، مثل رداءة نوعية الخدمات العامة وتصور وجود مستوى عالٍ من الفساد، إلى جانب الشعور بتدهور الرفاهية.
وهذا ما يفسر انفجار الغضب الشعبي. كما أن استطلاعات الرأي التي أجريت قبل وبعد ثورات 2011 تضفي مصداقية على هذه الأطروحة، وتظهر أن المطالبات بالتوظيف والعدالة الاجتماعية وتحسن نوعية الخدمات العامة فاقت بكثير المطالبات السياسية.
تصاعد الشمول المالي
يلعب تطوير النظم المصرفية والمالية اليوم دورًا أساسيًّا في تحديث اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبشكل عام، تتمتع البنوك في المنطقة برؤوس أموال جيدة ولديها سيولة كافية، باستثناء الجزائر وليبيا وسوريا، حيث تمتلك البنوك العامة أكثر من 80% من الأصول المصرفية، وفي البلدان العربية الأخرى، تهيمن البنوك الخاصة على هذا القطاع.
ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، ارتفع معدل التعامل مع البنوك في العالم العربي من 22 في المائة في عام 2011 إلى 37 في المائة في عام 2017. فأربعة من كل خمسة بالغين لديهم حساب مصرفي في دول الخليج، مقارنة بشخص واحد من كل اثنين في الأردن ولبنان. وفي شمال إفريقيا، يتراوح معدل التعامل مع البنوك بين 30 في المائة في مصر و70 في المائة في ليبيا. وأخيرًا، تتخلف بعض الدول العربية عن الخدمات المصرفية وهي: العراق وسوريا واليمن والسودان. وبالرغم من ذلك فإن الاندماج المالي في ازدياد، بما في ذلك في هذه البلدان.
اللامركزية في الحكم
إذا كانت سيطرة الدولة على الموارد الطبيعية قد أدت إلى ظهور أنظمة سياسية مركزية وسلطوية، فإن التجارب التعاونية يمكن أن تؤدي، على العكس من ذلك، إلى ظهور أنظمة حكم أكثر لا مركزية وأكثر ديمقراطية؛ وذلك لأن مفهوم تمكين المجتمعات المحلية من حيث الاستقلالية وتحمل المسئولية يصب في صميم المؤسسات الشاملة، التي تحفز على التنمية. بالطبع نحن لا نتحدث عن المدينة الفاضلة؛ فالممارسات التعاونية لإدارة المياه موجودة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ قرون، إن لم يكن آلاف السنين. ولا تطلب هذه الممارسات المحلية إلا التشجيع والتحسين، إذا لزم الأمر، وذلك بفضل التقنيات والأساليب الحديثة، ويمكن بعد ذلك نشرها على نطاق واسع.
إصلاحات دعم الطاقة
يتم إرجاع السبب وراء الاستهلاك الكثيف للطاقة في بعض الدول العربية بشكل أساسي إلى دعم الطاقة الهائل، فمع وجود 5 في المائة من سكان العالم بها، تعد الدول العربية موطنًا لثلث الدعم العالمي لمنتجات الطاقة من وقود وكهرباء. وسواء كانت واضحة - بمعنى أنها تدخل مباشرة في الميزانيات الوطنية - أو ضمنية، في شكل خسارة ضريبية، فإن هذا الدعم لا يشجع الأسر والشركات على ترشيد استهلاكهم من الطاقة.
وبسبب هيمنة الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة، تشكّل هذه الإعانات أيضًا "ضريبة كربون سالبة" حقيقية. ففي عام 2014، شكل هذا الدعم من 8 إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعادل الإنفاق على التعليم والصحة مجتمعين!
وفي المغرب، انتهت الإعانات المالية لهذه المنتجات بتجاوز ميزانية الاستثمار العام حتى صار هناك ضرورة ملحة للحد منها. وتم تحرير أسعار البنزين والديزل بالكامل في ديسمبر 2015. ومن أجل إزالة حالة الاحتقان على الأرض، منحت الحكومة تعويضًا ماليًا للأسر الأكثر فقرًا والعاملين بالنقل. وعلى الرغم من استفادة الإصلاح من الانخفاض المفاجئ لأسعار النفط، لكن الأمر تطلّب أيضًا قسطًا من الشجاعة السياسية للقيام به.
ولا يعدّ إصلاح دعم الطاقة سوى جانب واحد من جوانب الطاقة والانتقال البيئي لأن الجانب الآخر هو سياسات كفاءة الطاقة. ففي هذا المجال، يمكن أن تكون تونس مثالاً يحتذى به بين الدول العربية الأخرى؛ وذلك لأن عقود البرامج المبرمة بين الدولة والشركات بين عامي 2005 و2010 وفرت 2.4 مليون طن معادل النفط وقللت من كثافة استخدام الطاقة في الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فقد اتسع العجز في الطاقة منذ ذلك الحين من 0.6 مليون طن في عام 2010 إلى 4.2 مليون طن في عام 2016.
وتستورد تونس 40 في المائة من الطاقة التي تستهلكها، وقد يزداد اعتمادها على الطاقة في السنوات المقبلة، وللخروج من حاة طوارئ الطاقة هذه، قررت الدولة خفض استهلاكها للطاقة بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030. وفي عام 2018، التزمت الحكومة بتركيب ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المنازل والمباني والمساجد، وتكهين أربعمائة ألف ثلاجة قديمة واستبدال 4 ملايين مصباح هاوجين بمصابيح الليد.
مجموعات تشجيع الابتكار
صوّت البرلمان التونسي في أبريل 2018 على قانون بدء التشغيل الذي يبسط الإجراءات الإدارية للشركات المبتكرة. وفي مصر، تم إنشاء "معسكر شركات بدء التشغيل" على غرار النموذج الأمريكي. وظهرت أيضًا مبادرات تربط بين الدول والجهات الفاعلة الخاصة، مثل مسابقة البدء التي نظمتها جمعية إنجاز العرب أو مشروع مسرع بدء التشغيل فلات 6 لاب الذي جرى إطلاقه في القاهرة في عام 2011، والذي تكرر أيضًا في تونس والبحرين وبيروت وجدة وأبو ظبي.
إن إنشاء مجموعات تكنولوجية تجمع الشركات والجامعات ومقدمي الخدمات في مكان واحد يمكن أن يشجع أيضًا على إنتاج ونشر الابتكار، ولا يوجد في العالم العربي حتى الآن ما يعادل وادي السيليكون الأمريكي أو سيبراباد الهندي. ومع ذلك، توجد بعض المبادرات الجديرة بالملاحظة.
هل أوروبا شريك غير موجود؟
لا ينظر الاتحاد الأوروبي الذي يفضل مفهوم المنطقة الأورو - متوسطية، إلى العالم العربي باعتباره كيانًا جغرافيًّا اقتصاديًّا قائمًا بذاته، حيث تم تحويل قمم جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي حتى الآن إلى بعد بروتوكولي بحت. ولم تكن القمة، التي عُقدت في شرم الشيخ في يناير 2019، وهي الأولى التي تجمع رؤساء دول المجموعتين الإقليميتين، استثناءً من هذه القاعدة.. فكيف يمكن تفسير هذا الأمر؟
يعدّ السبب الأكثر وضوحًا هو الدور الهامشي الذي تلعبه مؤسسات مثل جامعة الدول العربية. ولعلنا نعيد ترديد كلمة هنري كيسنجر حين قال: "العالم العربي، ما رقم هاتفه؟" لكن هذا يعكس أيضًا عدم امتلاك القدرة على الرؤية الاستراتيجية من جانب الاتحاد الأوروبي، كما أن حالة قصر النظر هذه زادت خلال السنوات العشر الماضية؛ فسياسة الجوار الأوروبية تشمل بلدان الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط وكذلك أوكرانيا وروسيا البيضاء وجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي في منطقة القوقاز، لكنها لا تشمل دول مجلس التعاون الخليجي، التي يحاول الاتحاد الأوروبي التفاوض معها منذ ثلاثين عامًا على اتفاقية تجارة حرة ولكن دون جدوى.
ويتناقض هذا النهج مع نهج الصين، التي تنظم بشكل دوري المنتديات الاقتصادية الصينية العربية والتي كلفت سفيرًا خاصًا لتنمية هذه العلاقات. وإذا لم يستعيد الاتحاد الأوروبي تركيزه، يمكن في نهاية المطاف استبعاده من السوق التي تضم أكثر من 400 مليون مستهلك، والتي ستصل إلى 700 مليون بحلول عام 2050.
الرياض العاصمة الرقمية الأولى في العالم العربي لعام 2020
من جانبها، أشادت وكالة الأنباء الفرنسية بالجهود السعودية في مجال الاتصالات والرقمنة، حيث تسير الرياض في طريقها لتصبح أول عاصمة رقمية في العالم العربي. وبالفعل، جرى الإعلان عن هذا الإنجاز خلال الجلسة الثالثة والعشرين لمجلس وزراء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العرب التي عُقدت في العاصمة السعودية الشهر الجاري.
ويأتي قرار تسمية الرياض "عاصمة العالم العربي الرقمية" على خلفية الدور الرئيس الذي تلعبه المدينة في تبني وتشجيع استخدام التقنيات الرقمية لتحسين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الرعاية الصحية، وتحسين التعليم وزيادة رفاهية المجتمع؛ ما ساعد على زيادة مساهمة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 4 في المائة. وصعدت المملكة أيضًا 16 مركزًا على مؤشر القدرة التنافسية المركبة السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2019 من حيث تبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واحتلت مرتبة الصدارة في مؤشر سهولة تنفيذ العمل، وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2020.
في الواقع، تهدف مبادرة "العاصمة الرقمية للعالم العربي" إلى تشجيع إنشاء نظام بيئي محفز للاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتنفيذ مبادرات لتطوير المعرفة في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلدان العربية، واعتماد مبادرات جديدة لتسهيل وتحسين ريادة الأعمال التكنولوجية في المنطقة العربية.
وتجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية هي أكبر سوق لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة، وتحتل المرتبة الثالثة عشر في العالم بقيمة بلغت 28.7 مليار دولار في عام 2019، ونمو قوي في قطاعات المستهلكين والشركات. ومدعومة بمجموعة من الشباب والتقنيين، تُعد المملكة أيضًا سوقًا للمستخدمين الأوائل للتقنيات الحديثة مع أعلى معدل انتشار للشبكات الاجتماعية في العالم، حيث بلغ عدد مشتركي الهاتف المحمول بها 43.8 مليون في عام 2019، وهو ما يمثّل انتشارًا بنسبة 129 في المائة من إجمالي عدد سكانها.
وبعد إطلاق مشروع (رؤية 2030)، شهدت السنوات القليلة الماضية تسارعًا كبيرًا في مبادرات التحول الرقمي. ففي عام 2019، احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الثانية بين دول مجموعة العشرين في مجال تحرير مدى التردد الإذاعي؛ ما كان له تأثير إيجابي على جودة الخدمات الرقمية التي يقدمها المشغلون المحليون.
كما أصبحت المملكة أول دولة تعتمد شبكة الجيل الخامس للهاتف المحمول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضلاً عن ارتفاع نسبة انتشار الإنترنت بها إلى 93 في المائة مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 53 في المائة. ومن المفترض أن يحفز هذا النجاح اعتماد مجالات رقمنة أخرى من تلك التي تقوم عليها الثورة الصناعية الرابعة. وفي موازاة ذلك، احتلت المملكة المرتبة الخامسة بين دول مجموعة العشرين من حيث سرعة الإنترنت، وتقدمت 91 مركزًا لتتحرك من المرتبة 105 إلى المرتبة 14 في التصنيف العالمي، بمتوسط سرعة بلغ 51.8 ميجابت في الثانية.
وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السعودية استراتيجية خمسية لتسريع نمو قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 50 في المائة، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13.3 مليار دولار أمريكى. وعلى الرغم من الاتجاه العالمي الذي يسلط الضوء على اضطراب التوظيف وسوق العمل بسبب الرقمنة، فإن مبادرات توطين تكنولوجيا المعلومات في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قد زادت بشكل كبير من قدرة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على التوظيف في عام 2019.
وفي النهاية، تمثل جائزة "العاصمة الرقمية للعالم العربي" تقديرًا لإنجازات الرياض في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومن المفترض أن تُعطي دفعة كبيرة للبرنامج الإقليمي والدولي الذي حرى اعتماده بالفعل خلال العام المقبل.