شؤون العرب والخليج
شكّلت خلية أزمة بعد إصرار موسكو على الدفع بالروبل
ألمانيا متخوفة من وقف إمدادات الغاز الروسي
شكلت الحكومة الألمانية خلية أزمة مهمتها تقييم وضع واردات الغاز الروسي يومياً والمخزون الموجود لديها
تزداد المخاوف في ألمانيا من وقف روسيا تصدير الغاز إليها مع تمسك برلين برفض الدفع بالروبل مقابل إصرار موسكو على ذلك. وقد دفعت هذه المخاوف بالحكومة الألمانية إلى تفعيل المستوى الأول من خطة الطوارئ المتعلقة بضمان إمداد الغاز الطبيعي، حسبما أعلن وزير الاقتصاد روبرت هابيك، أمس. ويعني ذلك أن الحكومة ستشكّل خلية أزمة تضم مسؤولين من وزارة الاقتصاد والحكومة الفيدرالية والشركات الألمانية التي تستورد الغاز الروسي، مهمتها تقييم وضع واردات الغاز الروسي يومياً والمخزون الموجود في ألمانيا وتقديم تقارير يومية إلى الحكومة الألمانية وإلى المفوضية الأوروبية للتنسيق مع بقية دول الاتحاد الأوروبي في حال الحاجة.
وحرص وزير الاقتصاد الألماني على التأكيد أن مستوى الواردات من الغاز الروسي حالياً ما زال طبيعياً، ولكن تفعيل المستوى من خطة الطوارئ جاء بسبب إصرار موسكو على أن تدفع ألمانيا والدول الأوروبية بالروبل مقابل الغاز وليس الدولار أو اليورو، كما تنص عليه العقود بين الشركات الأوروبية وشركة «غاز بروم» الروسية المصدِّرة للغاز. وتتخوف ألمانيا من أن يتخذ الكرملين قراراً بوقف صادرات الغاز إليها لرفضها الدفع بالروبل.
وقبل يومين أصدر وزراء اقتصاد مجموعة السبع بعد اجتماع عُقد برئاسة ألمانيا، بياناً أكدوا فيه رفضهم الدفع بالروبل، مصرّين على أن العقود الموقّعة بين الشركات تحدد أن الدفع يحصل باليورو أو الدولار، وأن مطلب موسكو هو بالتالي مخالف لهذه العقود. وترى الدول الغربية أن مطلب روسيا هذا محاولة للالتفاف على العقوبات الغربية التي طالت البنك المركزي الروسي وأدت إلى تجميد أصوله في الخارج بالعملة الأجنبية.
وشرح هابيك أن المستوى الأول من خطة الطوارئ لا يعني تدخل الدولة في إدارة السوق وأن الخطة تتضمن 3 مستويات، وأن المستوى الثالث الذي يتم تفعيله في حال وقف إمدادات الغاز إلى ألمانيا هو الذي يستوجب تدخل الدولة حينها. وحتى ولو فعلت الحكومة المستوى الثاني من الإنذار في خطة الطوارئ والذي يعني أن هناك نقصاً في مستوى تخزين الغاز وتقطيعاً في إمدادات الطاقة، فإن الحكومة تبقى مراقبة من دون أن تتدخل.
ولكن المستوى الثالث الذي يشير إلى «اضطراب كبير» في إمدادات الغاز يستوجب إدارة الحكومة للأزمة، وتحديد «أوليات» لمن يجب تزويده بالطاقة مثل المنازل والمستشفيات ووحدات الإطفاء والشرطة، فيما يتم تقليص إمدادات الغاز للشركات الخاصة والمصانع والمعامل. وهذه الخطوة هي التي يتخوف منها المسؤولون الألمان والأوروبيون والتي تمنعهم من اتخاذ قرار بفرض حظر فوري على واردات الطاقة الروسية. وستؤدي إلى إفلاس وإغلاق عدد كبير من الشركات التي لن تعود قادرة على العمل والإنتاج، وهذا يعني أن الآلاف سيصبحون عاطلين عن العمل. وقال وزير الاقتصاد في مؤتمره الصحافي أمس: «إننا لم نصل لهذه المرحلة بعد، ولكي نصل إليها يجب على الوضع الحالي أن يسوء بشكل كبير، وهذا لن يحدث إلا إذا كان هناك تغير في تدفق الغاز». وأضاف: «الوقت لم يحن بعد لتدخل الدولة».
وقد حذر المستشار الألماني أولاف شولتز، من سنياريو قطع إمدادات الطاقة الروسية مراراً، كان آخرها خلال القمة الأوروبية التي شارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن، وناقشت خطط تقليص أوروبا للاعتماد على الطاقة الروسية. وتأمل ألمانيا اليوم أن تصبح مستقلة عن الطاقة الروسية بحلول صيف عام 2024، بعد أن وقّعت اتفاقات مع الولايات المتحدة وقطر من بين دول أخرى لاستيراد الغاز المسال مقابل تسريع الاستثمار في الطاقة الخضراء.
وحسب خبراء اقتصاديين، يمكن لألمانيا الآن أن تتجنب أزمة كبيرة في حال توقف الغاز الروسي فوراً لأن استهلاك الغاز انخفض في الأيام الماضية مع نهاية فصل الشتاء والتوقف عن استخدام التدفئة. ولكن المشكلة ستعود في نهاية فصل الصيف ومع بداية فصل الخريف والحاجة للتدفئة من جديد.
وتخطط الحكومة لملء خزاناتها من الغاز إلى أقصى المستويات في الأشهر المقبلة استعداداً لأي طارئ. وفي الوقت الحالي لا يزيد مخزون الغاز على الـ25% من الطاقة الاستيعابية للتخزين لزيادة الاستخدام الكبير للغاز في الأشهر الماضية بسبب فصل شتاء قارس وبدء الانتعاش الاقتصادي مع تخفيف القيود بسبب وباء «كورونا». ولكن أيضاً بسبب ضخ شركة «غاز بروم» الروسية لأدنى مستوى تسمح لها به العقود لأشهر طويلة، ما جعل من الشركات المستوردة للغاز في ألمانيا عاجزة عن ملء خزاناتها. وفي الأسابيع الماضية منذ بدء الحرب في أوكرانيا، قلصت ألمانيا من واردات الغاز الروسي بنسبة 15% لتصل الآن نسبة الواردات من الغاز القادم من روسيا إلى 40% بعد أن كان 55%.
وتستورد ألمانيا الغاز كذلك من النرويج والولايات المتحدة التي اتفقت معها على زيادة الواردات من الغاز المسال هذا العام وفي الأعوام المقبلة. وحسب الاتفاق، من المفترض أن يعوّض الغاز القادم من الولايات المتحدث ثلث الغاز المستورد من روسيا، ولكن كلفته أكبر على ألمانيا بسبب صعوبة نقله مقارنةً بسهولة نقل الغاز الروسي عبر 3 خطوط أنابيب، واحد يمر عبر بولندا والثاني عبر أوكرانيا والثالث يصب مباشرةً في ألمانيا عبر أنابيب جرى مدها أسفل بحر البلطيق.