شؤون العرب والخليج

العثور على المفقودين السوريين يتطلب أكثر من مجرد مؤسسة جديدة

النظام السوري لن يقبل بأي سلطة غير حكومته أو حليف مقرب لقيادة آلية للتحقيق في جرائمه التي ينكرها أصلا

دمشق

الاختفاء القسري، بالنسبة لنظام الأسد، كان قد أصبح سلاحا للحرب، وسلاحا قويا في وقت مبكر من العام 2011، مما أثار الخوف والشك، ومثّل لعائلات المفقودين سنوات من الحيرة والظنون.

الأمم المتحدة تسعى اليوم إلى إنشاء مؤسسة جديدة من شأنها تنسيق مطالبات السوريين داخل البلاد وخارجها في محاولة منها لحل هذه القضية، كما يقول فيصل اليافعي، ويتم حاليا تقديم الاستفسارات والادعاءات من أفراد العائلات داخل البلاد، التي يسيطر عليها نظام الأسد بشكل رئيسي، ولكن أيضا من قبل مجموعة متنوعة من الجهات العاملة على الأراضي السورية، إلى العديد من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية.

ظهرت بعض تلك المطالبات من جانب أفراد أسر اللاجئين في الخارج، وتتم معالجة بعضها الآخر في مخيمات اللجوء، كما جرى تقديم مطالبات من قبل أفراد أسر من مواطني الدول العربية أو الأوروبية.

وبسبب الطبيعة العشوائية للملفات، ولأن نظام الأسد لا يشارك المعلومات حول من هم في سجونه، فلا توجد طريقة للتأكد من هوية المفقودين، ولا لتقديم المعلومات والدعم للعائلات، ولا حتى لجمع معلومات كافية لتكون قادرة على مطالبة نظام الأسد بالسماح بالوصول إلى أماكن الاحتجاز.

وفي حين أن فكرة إنشاء آلية جديدة كانت واردة في مخيلة المؤسسات الدولية لبعض الوقت، تحظى الفكرة الآن بتأييد على أعلى المستويات، حيث أصدر الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا طرح الفكرة في شهر أغسطس الماضي، واعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا بشأن الآلية في الأسبوع الماضي فقط، إلا أنها لا تزال فكرة لم يحن وقتها. ليس لأن تلك الفكرة لن تفيد في قصة العثور على إجابات للمختفين، ولكن لأنها ستضع مقود القيادة في أيدي النظام.

أي مؤسسة من هذا القبيل لن تعمل إلا وفقا لأهواء النظام السوري، وكما يرتضيه، فسياسة التغييب القسري لا تزال حتى اليوم سلاحا لن يتخلى عنه النظام بسهولة، وحالات الاختفاء ليست هفوة ارتكبتها دولة تخوض حربا، بل هي واحد من أقوى أسلحتها لإسكات المعارضة والمنشقين.

 بالمقابل فإن النظام السوري ليس الجهة الوحيدة المتهمة بالاختفاء القسري، فقد اتهمت كل الجماعات تقريبا من هيئة تحرير الشام إلى قوات سوريا الديمقراطية إلى داعش بالطبع، لكن العدد الأكبر من أولئك الذين اختفوا كانوا في مناطق النظام.

والسبب في أن التغييب القسري سلاح فعال للسيطرة على الشعوب هو أن اختفاء شخص ما، على سبيل المثال والد الأسرة، لا يؤثر فقط على ذلك الشخص، ولكن له تأثير على الأسرة برمتها، التي تعتمد على النظام للحصول على إجابات، ومن دون وجود إجابات أو جثة لدفنها، لا يمكن للعائلة المضي قدما، ولا يمكنها بيع الممتلكات، على سبيل المثال، أو الحصول على مبلغ التأمين.

الخلل الرئيسي في فكرة أي آلية جديدة لحالات التغييب القسري، يكمن في استحالة اعتراف نظام الأسد بالجرائم التي قد تضعه أمام قاضي المحكمة، فكيف يمكن جعل تلك الآلية تعمل بقيادة أو تعاون النظام؟

حتى الأمم المتحدة اعترفت بذلك، حيث أشارت في تقريرها “إلى أن تحصل الآلية الجديدة على دعم (الحكومة السورية)، فإنها ستخضع لقيود مماثلة على الأراضي مثل اتفاقية المفوضية السامية لحقوق الإنسان”، وهذه إشارة إلى مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة تهدف إلى الإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان داخل سوريا ومراقبتها، ولكن هذا يقتصر في الواقع على بيروت.

والواقع أن النظام لن يضطر إلى الامتثال للآلية الجديدة لكي يعمل فحسب، بل سيحتاج أيضا إلى الموافقة على “التفويض الدولي” الذي تخيلته الأمم المتحدة لهذه الآلية الجديدة، وهو أمر قد ترفضه حتى الدول غير المشاركة في الحرب، مدعية انتهاك السيادة الوطنية، بالنظر إلى أن جميع المتورطين في القضية هم مواطنون سوريون.

الأسوأ من ذلك هو أن النظام السوري لن يكون قائد تلك الآلية، حيث لا يشير تقرير الأمم المتحدة إلى من يجب أن يقود، أو يشارك في قيادة العملية، ولكن من المستحيل تخيل أن النظام سيقبل أي سلطة أخرى غير الحكومة السورية أو حليف مقرب، وهو ما يضع الآلية في الوضع الدائري، حيث يقود النظام آلية تهدف إلى التحقيق في جرائمه، وهي الجرائم التي ينكرها.

وفي الواقع، يمكننا بالفعل تخمين كيف سيتعامل النظام مع هذه الآلية الجديدة، على افتراض أنه لن يتجاهلها تماما، حيث تعمل الحكومة السورية مع هيئات خارجية، مثل الصليب الأحمر، وبينما سمح النظام بدخول المساعدات الإنسانية إلى البلاد، وسمح للمجموعات الدولية بالعمل، إلا أنه يتعامل معها بطريقة مسيسة للغاية، حيث يغلق الحدود من دون سابق إنذار أو يرفض مرور الوفود عند نقاط التفتيش، وهذه هي بالضبط الطريقة التي سيتعامل بها النظام مع أي آلية جديدة.

ليس من المستغرب، بعد مضي سنوات عديدة من الحرب، أن يبحث المجتمع الدولي عن أي طريقة لتحقيق بعض التقدم في الملف السوري. لكن الآلية الجديدة ليست هي الحل، إن هيئة جديدة في سوريا لن تقدم إجابات للآلاف من  المختفين، ولكن حكومة جديدة في سوريا قد تكون قادرة على توفير تلك الإجابات.

محاولة مفضوحة لتبرير الحملة القمعية القادمة لنظام الملالي


نار الثورة تشتعل في وجه جحيم السجون: انتفاضة الشعب الإيراني تتصاعد ضد القمع الوحشي


المعارضة الإيرانية بين نضج التنظيم وقرب الانفجار؛ والمجلس الوطني للمقاومة ومجاهدو خلق في مواجهة نظام يحتضر


من هو الخصم الحقيقي الذي يهدد نظام ولاية الفقيه في إيران؟