شؤون العرب والخليج
تنافس عربي تركي على استمالة موقف الجزائر من الملف الليبي
تزامنت زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى الجزائر الاثنين مع اختتام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارته إلى البلد، وما أثارته من جدل حول رهان الأتراك على تصدير الطموح العثماني في المنطقة العربية وشمال أفريقيا واعتبارهما بوابة نحو مد نفوذ أنقرة في القارة الأفريقية، عبر مغريات اقتصادية وثقافية واجتماعية.
وتبدي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماما لافتا بالتطورات المتسارعة في الجزء الغربي من المنطقة العربية، ولا تتوانى في بذل جهودها من أجل تحييد منطقة شمال أفريقيا عن الصراعات الإقليمية المتصاعدة، خاصة بعد التصعيد الذي يعيشه الملف الليبي بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية والاستراتيجية السائدة في المنطقة.
وتحمل زيارة العمل التي أداها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى الجزائر، الاثنين، العديد من الدلالات السياسية والدبلوماسية قياسا بتزامنها مع التطورات التي يشهدها الملف الليبي والنشاط الدبلوماسي الدائر في الجزائر لبلورة موقف إقليمي ودولي للتوصل إلى حل لأزمة البلد الجار.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الإماراتي في إطار الزخم الدبلوماسي الذي تعيشه الجزائر تزامنا مع استعادة دورها في الملف الليبي وحضورها كأحد الأطراف الرئيسية المشاركة في الجهود الإقليمية والدولية للخروج بحل ينهي الصراع في ليبيا، خاصة مع تصعيد التوتر من قبل أنقرة بدعم الميليشيات المسلحة في طرابلس بالعتاد العسكري والمرتزقة إلى جانب توقيعها اتفاقيات مع حكومة الوفاق من بينها التعاون العسكري الذي يشمل إرسال القوات التركية على ليبيا.
وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي “تندرج في إطار علاقات الأخوة التي تربط البلدين الشقيقين، وستسمح بتقييم التعاون الثنائي في جميع أبعاده ودراسة آفاق تعزيزه خاصة في مجالي الشراكة والاستثمار”.
وأضاف البيان “إن هذه الزيارة ستشكل فرصة للوزيرين لتبادل الرؤى حول المسائل ذات الاهتمام المشترك، خاصة الوضع في ليبيا على ضوء التطورات الأخيرة التي يشهدها هذا البلد الجار، وسعي الجزائر والأطراف الدولية الفاعلة لإيجاد حل سياسي يضع حدا للأزمة الليبية عبر الحوار الشامل بين الأطراف الليبية، بعيدا عن أي تدخل أجنبي”.
ووجّه الشيخ عبدالله بن زايد دعوة رسمية للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لزيارة الإمارات.
وقال، خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم إنه نقل لرئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، تحيات نظيره الإماراتي، منتظرا منه تلبية دعوته لزيارة الإمارات. وأضاف “نتطلع أن تكون الزيارة قريبة تسهم في تقوية العلاقات بين البلدين، خاصة في القطاعات الاستراتيجية”.
ويرى متابعون أن الإمارات تعتبر الجزائر بوابة لدعم شمال أفريقيا خاصة مع استعادة حضورها الدبلوماسي في الملف الليبي، إذ تدرك أبوظبي أن فوضى التوترات المتصاعدة للصراع بين الأطراف الليبية قد يكون لها تداعيات أمنية خطيرة على المنطقة وهو ما يدعو لتسريع جهود التوصل إلى تسوية تنهي النزاع في ليبيا.
في المقابل، تكشف المواقف والتصريحات المتواترة من المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس أردوغان أن تصعيد الأزمة في ليبيا ليس مهما ما دامت التطورات ستساعد في تنفيذ أجندة أردوغان في منطقة شمال أفريقيا والتي كانت واضحة من خلال الدعم السياسي والعسكري الذي يقدمه لفائدة المجموعات الإسلامية في طرابلس.
وغادر أردوغان الاثنين الجزائر متجها إلى غامبيا والسنغال في إطار جولة أفريقية. وتكشف تحركات أنقرة سعيها المتواصل لفرض هيمنتها على بعض الدول الأفريقية تحت غطاء التعاون الاقتصادي والسياسي وحتى الثقافي والفني.
وتراهن الدبلوماسية الخليجية على مد جسور جديدة مع دول المغرب العربي من أجل دعم التعاون العربي وغلق المنافذ التي تحاول بعض القوى الإقليمية العبور منها لتصدير أفكارها الأيديولوجية والسياسية على غرار تركيا وإيران، وهما اللتان باتتا تبديان اهتماما بالتوجه لاستعادة أمجاد ماضيهما في شمال أفريقيا تحت غطاء التعاون الاقتصادي والتعاون وبعث الأواصر المشتركة بما فيها المسائل الثقافية والتراثية.
وينتظر أن يكون الملف الليبي حاضرا بقوة في اللقاءات التي سيعقدها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان مع المسؤولين الجزائريين، من أجل بلورة موقف مشترك يجنب المنطقة فوضى حرب محتملة، خاصة في ظل تهديدات تركيا بالتدخل العسكري في طرابلس.
وتدعم تركيا في الجزائر العديد من المشروعات المتصلة بحماية وترميم المعالم التراثية التي تعود للعهد العثماني كمسجد كتشاوة بوسط العاصمة، الذي زارته حرم أردوغان. كما أبرمت طهران في وقت سابق اتفاقا ثقافيا مع الجزائر في المجالين الفني والسينمائي.
وتعد حماية المعالم الإسلامية والتراثية والتعاون الفني الجسور التي تعكس نوايا أنقرة وطهران في توظيف كل الوسائل المتاحة لديهما من أجل تصدير أفكارهما الأيدولوجية وتحقيق طموحاتهما التوسعية في بلدان المغرب العربي وبقية الدول الأفريقية، حيث دأب أردوغان ونظيره الإيراني حسن روحاني، على قيادة زيارات مكوكية في القارة انطلاقا من الجزائر ودول المغرب العربي.
ومن المتوقع أن يطلع الشيخ عبدالله بن زايد خلال اجتماعاته بالرئيس عبدالمجيد تبون وغيره من المسؤولين الجزائريين الكبار على آخر المشاورات الدبلوماسية الجارية حول الملف الليبي. كما ستتطرق المباحثات لتعزيز التعاون بين البلدين في كافة مجالات.
وكانت استثمارات عربية وإماراتية عديدة قد تعطلت في الجزائر، كما هو الشأن بالنسبة لمشروعات شركتي “إعمار” و”دنيا بارك”، تحت ضغط لوبيات داخلية ذات توجهات سياسية وأيديولوجية، في حين حققت موانئ دبي التي تدير موانئ الجزائر وشركة التبغ والكبريت نجاحا ملحوظا.
ويتوقع مراقبون جزائريون أن تكون زيارة وزير الخارجية الإماراتي فاتحة لسلسلة مشاورات واتصالات موسعة بين البلدين، لتكريس فرص التعاون والاستثمار، بعد أن أبدت كل من الإمارات السعودية رغبتهما في استثمار عدة مليارات في الجزائر.
وكانت الرياض بدورها قد عبرت، خلال زيارة لرئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال في العام 2016، عن استعداداها لإطلاق استثمارات في الجزائر بقيمة 10 مليارات دولار.