تعتمد الولايات المتحدة على نفوذها كأكبر مُصدّر للأسلحة في العالم للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى. يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، معايير صفقات الأسلحة الأميركية، وما إذا كانت تتمحور حول أرباح اقتصادية بحتة أم تهدف إلى بناء استراتيجية معززة تضمن بقاء النفوذ الأميركي، خاصة بوجه التنافس الصيني. كما يتطرق إلى مدى تأثير الحرب في أوكرانيا على توازن التسلح والتسليح الأميركي.
مساعدات وصفقات
يشير الجنرال المتقاعد مارك كيميت، الذي شغل منصب مساعد لوزير الخارجية ونائب سابق لمساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، إلى أن صفقات الأسلحة هي «فرص للشركات الأميركية للمساعدة في تدريب وتجهيز بلدان في الشرق الأوسط مثلاً؛ وذلك في محاولة لتصدير القدرات الدفاعية لكي يتمكّن أصدقاؤنا وحلفاؤنا في المنطقة بدورهم من المحافظة على قدراتهم الدفاعية ضد أي تهديدات».
من ناحيته، يتحدّث العقيد المتقاعد عباس داهوك، وهو كبير المستشارين العسكريين السابق في وزارة الخارجية الأميركية، عن أهمية هذه الصفقات والمساعدات ليس على الصعيد الدولي فحسب، بل في الداخل الأميركي. ويفسر قائلاً: «إن المساعدات العسكرية أو التعاون الأمني بشكل عام يملك بعداً محلياً، حيث إن الصناعة العسكرية الأميركية هي مجال يخلق الوظائف للأميركيين ويوفر التقنيات والأجهزة المتطوّرة إلى القوات الأميركية. إذن، فهي تؤمّن الوظائف في الولايات المتحدة وتملك بعداً اقتصادياً من المهم ذكره، ليس فقط بالنسبة إلى القطاع العام بل للقطاع الخاص أيضاً».
أما ريتشارد وايتز، مدير مركز التحليل السياسي العسكري في معهد «هدسن»، فيعدّ أنه «غالباً ما تقوم الدول ببيع الأسلحة؛ لأن هذا يعزز من تأثيرها من جهة، ومن قدرات الدولة المتلقية في أمور كالتدريب العسكري المرتبط بهذه الصفقات».
واشنطن تتصدر تصدير السلاح
تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في تصدير السلاح في العالم بنسبة 40 في المائة لعام 2022، في حين تحتل روسيا المرتبة الثانية بنسبة 16 في المائة. ويتحدث الجنرال كيميت عن أسباب التفوق الأميركي، فيقول: «تمتلك صناعة الدفاع الأميركية بعضاً من أكبر مرافق البحث والتطوير في العالم. فهناك عدد كبير من الأنظمة التي نستخدمها حالياً مثل الإنترنت طوّرت كجزء من برنامج دفاعي. لهذا السبب؛ فإن الأنظمة الأميركية متطوّرة للغاية، وهذا ما يؤدي إلى تفوق الولايات المتحدة في هذا المجال».
ويشير كيميت كذلك إلى أن «الجيش الأميركي هو من أكثر الجيوش خبرةً في العالم؛ لذا من الطبيعي أن يرغب أصدقاؤنا وحلفاؤنا في التعاون المتبادل معنا»، مضيفاً: «لن يكون من المنطقي أن يستعمل حليف لنا أجهزة مختلفة تماماً عن تلك التي يستخدمها الأميركيون التي يتوقّع أن يحاربوا جنباً إلى جنب مع قواتهم».
الصين وروسيا
تشير الأرقام إلى أن الصين تحتل المرتبة الرابعة بين الدول المصدرة للسلاح، لكن نسبة مبيعاتها لا تتخطى 7 في المائة ، في حين شهد قطاع مبيعات الأسلحة الروسية هبوطاً في الأعوام الأخيرة من 22 في المائة في عام 2017 إلى 16 في المائة في عام 2022. ويتحدث الكولونيل داهوك عن الأسباب، ويقول: إن «الفارق بين الصناعة العسكرية الأميركية والأوروبية أو الصينية، هو أن الولايات المتحدة تقدّم خدمات دعم شاملة؛ فهي لا تزود الدول بالأسلحة فقط، بل تقدّم أيضاً التدريب على استخدام هذه الأسلحة بالإضافة إلى مسار لوجيستي».
ويقول داهوك: إن الولايات المتحدة تبيع أسلحة يستخدمها الجيش الأميركي حول العالم، وقد تمّ اختبارها في ساحة المعركة. «أما روسيا والصين، فلم تصلا بعد إلى هذا المستوى. فهما تنتجان الأجهزة العسكرية، لكنهما لا تملكان الخبرة باستخدامها في ساحة المعركة، ولا أحد يعلم ما ستؤول إليه خلال العمليات القتالية. وقد رأينا ما حصل مع روسيا، التي اعتقدنا بأنها تمتلك ثاني أكبر جيش في العالم من حيث القدرات العسكرية، في أوكرانيا».
ويوافق كيميت مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أن الفارق الأساسي بين الأسلحة الأميركية والروسية، هو أن موسكو تعتمد على «كمية كبيرة من الإنتاج من دون التركيز على جودة السلاح»، لكنّه شدد في الوقت نفسه على أن السبب الآخر وراء تراجع مبيعات الأسلحة الروسية هو العقوبات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا والتي عرقلت استيراد ما تحتاج إليه روسيا لصناعة أسلحتها.
من ناحيته، يقول وايتز: «على الرغم من أن أغلبية الدول تفضل شراء السلاح الأميركي، فإن هناك مجموعة من البلدان التي لا يمكن أن تستورد الأسلحة الأميركية». وأوضح أن «الولايات المتحدة لن تبيع الأسلحة إلى الصين مثلاً؛ لذا قد تستورد الأسلحة الروسية بعض الأحيان، كما أنها لا تبيع الأسلحة إلى إيران أو سوريا أو كوبا أو نيكاراغوا وغيرها؛ لذا غالباً ما يستوردونها من روسيا أو الصين».
الصين والمنافسة مع أميركا
في ظل الفارق الكبير بين نسبة مبيعات الأسلحة الأميركية وتلك الصينية، يشير كيميت إلى أن هذه النسبة ستتغير في الأعوام المقبلة لمصلحة الصين. ويفسر قائلاً: «لن أتفاجأ إن أصبحت الأرقام 50 في المائة لصالح الولايات المتحدة مقابل 30 في المائة للصين بعد 15 عاماً. فمن الواضح جداً أن الصينيين الذين لا يملكون الأبحاث والقدرات التي تمتلكها الولايات المتحدة، لديهم برنامج ناشط من التجسس الاصطناعي، حيث نكتشف حالات كثيرة يحاول فيها الصينيون سرقة التكنولوجيا».
ويتحدث كيميت عن أهمية العقوبات الأميركية على الصين في هذا المجال، خاصة العقوبات المتعلقة بأشباه الموصلات، قائلاً: «الولايات المتحدة تحب المنافسة، والصين تحب الغش». ورفضت بكين مراراً الاتهامات الأميركية بسرقة التكنولوجيا العسكرية.
تململ الثقة بالنظام الأميركي
غالباً ما تشهد مبيعات الأسلحة جدلاً محتدماً في الكونغرس الذي يملك صلاحية رفضها. ولطالما أثّر هذا الجدل على ثقة حلفاء الولايات بإقرار هذه الصفقات. لكن الكولونيل داهوك يشير إلى أن هذا الجدل يعكس طبيعة النظام الأميركي، «ولا يجب أن يؤثر على ثقة الشركاء والحلفاء حول العالم».
ويتحدّث دهوك عن دور الكونغرس قائلاً: إنه يلعب «دور رقابة لضمان وجود توازن من جانب الإدارة الأميركية وانخراطها في السياسات الخارجية؛ كما هناك جانب اقتصادي لهذه الصفقات. و(عادة ما يتساءل) الكونغرس: هل تستفيد الولايات المتحدة اقتصادياً من هذه الصفقة، أم أننا نقدّم الدعم فقط؟».
لكن وايتز لا يتفق مع هذه المقاربة، فيعدّ أن النظام الأميركي «يؤذي الولايات المتحدة ومصالحها في بعض الأحيان» بسبب العرقلة والتأخير. أما كيميت، فيشير إلى أنه من أحد أسباب استغراق هذه الصفقات فترات طويلة هو شفافية النظام الأميركي. وقال: «يجب وضع رأي كل الأطراف الأميركية في الحسبان: من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والاستخبارات وصولاً إلى الكونغرس. حلفاؤنا غير راضين عن صعوبة استيراد أجهزة أميركية والكم الهائل من البيروقراطية، لكن هذا ثمن الحصول على أفضل الأجهزة في العالم، وهو أن كل صفقة يجب أن تمرّ بهذه العملية الشفافة والمضبوطة تحت رقابة الكونغرس».
الحرب في أوكرانيا وسباق التسلح
على رغم حجم المساعدات العسكرية الهائل الذي تتلقاه أوكرانيا، يشير داهوك إلى أنه «من الصعب جداً تأسيس جيش خلال المعارك والقيام بعمليات عسكرية في الوقت نفسه». وعدّ أن «أوكرانيا لا تملك القوة الجوية والتدريب اللازم للقيام بعمليات الأسلحة المشتركة لصد الدبابات والناقلات. وعلى الرغم من أن التدريبات جارية، غير أن الوقت ليس لصالحها».
ويتحدث كيميت عن قرب نفاد مخزون الأسلحة الأميركية من عهد الاتحاد السوفياتي، والتي تستعملها أوكرانيا لمواجهة روسيا. ولفت إلى أن الانتقال من هذه الأسلحة إلى تلك الأوروبية أو الأميركية، سيشكل تحدياً كبيراً أمام كييف؛ نظراً لغياب التدريب عليها.
أمّا وايتز، فيتحدث عن تحديات من نوع آخر، وهو التغيير في الرأي العام للدعم الأميركي لأوكرانيا والانقسامات في الكونغرس، عادّاً أن ذلك ما يعول عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال: «أعتقد أنه في عام 2025، مع رئيس جديد وكونغرس جديد، إن لم تتغير الحرب كثيراً عما كانت عليه منذ عام، أعتقد أن المساعدات ستقل. وللأسف، يبدو أن هذا ما يراهن عليه الرئيس بوتين الذي يرى في (استسلام) الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان وسوريا (سبباً) للاستمرار في هذه الحرب لسنوات قليلة حتى يفقد الأميركيون الاهتمام». وعزز كيميت هذا الرأي قائلاً: «أعتقد حقاً أن ما يأمله الرئيس بوتين هو إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترمب؛ لأنه سيفوز بهذه الحرب عندها».