بدأت مصر تتحدث عن نفسها بأدوات برلمانية وشعبية لدعم موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي الرافض لخطة إسرائيلية تطايرت معلومات حولها الأيام الماضية تقضي بإجبار سكان غزة تحت نيران القصف المتواصل على النزوح نحو سيناء المصرية، وهو ما تعمل القاهرة على مجابهته.
وعقد مجلس النواب المصري جلسة طارئة، الخميس، منح خلالها الرئيس السيسي تفويضا باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأمن القومي والوقوف في وجه مخطط إسرائيل بشأن نزوح فلسطينيي غزة وتوطينهم في سيناء.
وطلب أعضاء المجلس من السيسي، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، اتخاذ ما يراه من إجراءات لتأمين الحدود الشرقية للبلاد وحماية الأراضي المصرية.
وقال اللواء يحيى كدواني، عضو لجنة الأمن القومي في مجلس النواب، في تصريحات لـ”العرب” إن تفويض السيسي برلمانيا يحمل رسالة ردع للجانب الإسرائيلي بأن الشعب بمختلف فئاته يقف وراء السلطة لمواجهة المخاطر، مهما كانت صورتها الحالية والمستقبلية، ورسالة طمأنة له شخصيا بأنه مدعوم في قراراته، ما يمثل حائطا منيعا أمام أي جهة تحاول فرض الأمر الواقع على البلاد.
وأضاف أن جلسة مجلس النواب، الخميس، شهدت توافقا في الرؤى بين النواب، بغض النظر عن الانتماءات السياسية والحزبية، سواء أكانوا من المؤيدين أو المعارضين، ما يعزز موقف الرئيس السيسي في مواجهة المخططات الإسرائيلية والقوى الداعمة لها بتهجير الفلسطينيين من أرضهم وتوطينهم في سيناء.
وأوضح كدواني أن البرلمان المصري، بصفته ممثلا للشعب، عندما يفوّض رئيس الدولة يترك له حرية اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة للحفاظ على الأمن القومي، وهذا يعكس ثقة الجهة التشريعية، ولن يتخذ إلا ما يراه يتسق مع مقتضيات المصلحة الوطنية، ويوجه رسالة للخارج بأن النظام في مصر لا يتحرك وحده.
وعقد مجلس الشيوخ، وهو الغرفة الثانية للبرلمان المصري، جلسة طارئة، مساء الأربعاء، انتهت أيضا بتفويض السيسي باتخاذ كل ما يراه مناسبا للوقوف بجانب الفلسطينيين، وحماية الأمن القومي المصري والعربي.
وحصلت “العرب” على معلومات تؤكد تعامل القاهرة بجدية متناهية مع خطة التوطين في سيناء، والتي لم تعلن إسرائيل أو أي من حلفائها عنها رسميا، لكن بدأت ملامحها تظهر مع توالي القصف الإسرائيلي على غزة والطلب من سكانها الزحف جنوبا.
وأكدت هذه المعلومات أن هناك استنفارا كبيرا في جميع المجالات التي لها علاقة بإجهاض مخطط مُعقد كانت القاهرة تتوقع حدوثه قبل اندلاع الحرب الدائرة الآن، ولديها سيناريوهات وبدائل متنوعة للتعامل معه بالجدية الكافية.
وصمم الجيش المصري على عدم نصب أي خيمة في سيناء ولو كانت لمن يتولون قيادة الشاحنات من المصريين ونقل المساعدات لغزة، فمنذ خمسة أيام وهم ينتظرون المرور من معبر رفح، وسيتم استقبال الجرحى الفلسطينيين بمستشفى بمنطقة الشيخ زويد القريبة من رفح ووضع ذويهم في مدارس تعليمية يتم تجهيزها كفنادق مؤقتة، إلى حين عودتهم إلى غزة بعد الشفاء مباشرة وقطع الطريق على التأويلات القاتمة.
ويريد الرئيس السيسي أن يثبت لمن شككوا في تراجع شعبيته أنه قادر على استعادتها في المحكات الصعبة، ويتحرك وهو مدعوم برلمانيا وشعبيا، في إشارة تعزز موقفه من رفض التوطين، وتبعد عن نظامه التعرض لضغوط قاسية من قوى دولية، وردد كثيرا عبارة تفيد بأن توحد الشعب المصري يبعد عنه المخاطر الخارجية.
يذكّر حصول السيسي على تفويض شعبي بتفويض سابق حصل عليه في يوليو 2013 عندما كان وزيرا للدفاع آنذاك وعقب سقوط نظام الإخوان، حيث خرجت مظاهرات كثيفة في شوارع وميادين عدة طالبته باستخدام كافة الإجراءات للقضاء على الإرهاب.
ويبدو أن فكرة التفويض باتت مرتبطة بما تتعرض له البلاد من تهديدات أمنية داخلية وخارجية، ففي المرة الأولى كان الخطر قادما من جماعة الإخوان والتنظيمات المتطرفة التي دارت في فلكها، والآن من قبل إسرائيل لتفشيل مخطط التهجير.
ودعت جهات عديدة في مصر إلى مظاهرات حاشدة عقب صلاة الجمعة في ميادين المحافظات المصرية المختلفة لإظهار الدعم للسيسي والتأييد للشعب الفلسطيني وقضيته المحورية وصمود سكان غزة أمام القصف الإسرائيلي المدمر.
ولأول مرة منذ حوالي تسع سنوات تتم الدعوة إلى مظاهرات عامة في مصر، تتمتع بدرجة عالية من الحرية في إطلاق الشعارات مع تركيزها على القضية الفلسطينية، وتضم أطيافا سياسية مختلفة، بهدف توفير الدعم الشعبي للسيسي بالتوازي مع الدعم البرلماني الذي حصل عليه من مجلسي الشيوخ والنواب.
وشدد مجلس أمناء الحوار الوطني في بيان له على مساندة موقف الدولة المصرية الذي عبر عنه الرئيس السيسي بالرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم بقوة العدوان، وتفويت الفرصة على تصفية قضيتهم، والتي هي قضية العرب جميعا.
وأحدثت رسائل الرئيس المصري خلال لقائه بالمستشار الألماني أولاف شولتس، الأربعاء، حول صحراء النقب كبديل للتوطين في سيناء صدمة داخل إسرائيل لأهمية هذه المنطقة في عقيدتهم، ووضعت القيادتين السياسية والعسكرية في تل أبيب أمام اختبار عملي لحُسن النوايا بشأن عودة الفلسطينيين إلى غزة.
وحوت تلميحات السيسي حيال إمكانية انتقال المقاومة الفلسطينية إلى سيناء وما سيترتب على ذلك من مخاطر أمنية في المنطقة، تهديدا ضمنيا بأن بلاده لن تصمت على أي رد فعل إسرائيلي في هذه الحالة، ما يفضي إلى انهيار اتفاق السلام مع مصر.
ويقول مراقبون إن ما حدث من تغير في الموقفين الأميركي والإسرائيلي من دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح بلا شرط الإفراج عن الأسرى أو خروج حاملي الجنسيات الأجنبية أولا، يؤكد أن صدى تصريحات السيسي وصل إلى واشنطن وتل أبيب وأنهما حريصان على تثبيت السلام مع مصر.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن القاهرة تتعامل مع هذه الحلقة العنيفة عسكريا وسياسيا في الصراع الراهن وهي مستعدة لها جيدا، لأن بموجب نتائجها سوف تتحدد الكثير من معالم المرحلة المقبلة في المنطقة، وتريد مصر أن تكون لاعبا فاعلا فيها، وتطوي الصفحة التي بدت فيها منكفئة كثيرا على الداخل.
ويعزز التفويضان، البرلماني والشعبي، مكانة الرئيس السيسي على الطاولة الإقليمية، حيث سيكون محميا من قبل غالبية مواطنيه ولن تستطيع القوى الداخلية والخارجية الرافضة لحكمه ممارسة ضغوط عليه من خلال التلويح بانتفاضة شعبية ضده.