شؤون العرب والخليج
محكمة التمييز الكويتية تؤيد حبس وتغريم عدد من القضاة
طوت محكمة التمييز التي تمثّل آخر درجات التقاضي في الكويت ملف قضية رشوة القضاة الجارية منذ سنوات والتي أثارت ضجّة في البلاد بسبب خطورتها لتعلّقها بهيبة مرفق القضاء ذي الحساسية الاستثنائية، فضلا عما حملته من مؤشرات على تعقّد مسالك الفساد بالبلد ومدى تشعّبها.
وأصدرت المحكمة الخميس حكما نهائيا في القضية المذكورة بمعاقبة سبعة قضاة بالحبس سبع سنوات لكل منهم.
وأيدت المحكمة براءة قاض واحد وحبس رجلي أعمال 12 عاما لكل منهما مع الشغل والنفاذ وإلزامهما بغرامات مالية، بالإضافة إلى حبس محام 10 سنوات ورئيس قسم سبع سنوات مع الشغل والنفاذ، والامتناع عن عقاب محامية وثلاثة موظفين عاملين في المحكمة وتأييد براءة مسؤول سابق فيها.
وكانت محكمة الاستئناف أصدرت حكمها في أكتوبر من العام الماضي بالحبس والعزل لسبعة قضاة وإلزامهم بإعادة السيارات والهدايا التي تلقوها من متهم إيراني الجنسية في قضية غسيل أموال.
وتعود وقائع القضية إلى عام 2020 عندما اكتشفت النيابة العامة خلال تحقيقاتها في قضية سابقة، تتعلّق بالإيراني المقيم في الكويت فؤاد صالحي، قضيةَ غسيل أموال ووجود تواصل مع عشرة قضاة، حيث أحالت قاضيين إلى التأديب، فيما أحالت ثمانية قضاة إلى محكمة الجنايات كما أحالت ثلاثة محامين وصالحي و15 شخصا آخرين إلى المحاكمة.
وجاءت إحالة القضاة الثمانية بعد رفع الحصانة عنهم، وهو الحدث الأول من نوعه في تاريخ الكويت.
وتخصصت “شبكة بنيدر” في غسيل الأموال وضمّت عددا من الموظفين والمسؤولين الكويتيين من رتب مختلفة، بينهم ضبّاط في أجهزة الأمن.
وتمثّل دور القضاة والإداريين المدانين في قضية بنيدر الثانية في التلاعب بملف القضية الأولى وتعيين جلساتها لدى قضاة متفق معهم بشكل مسبق.
والقضية هي رابعة قضايا الفساد وغسيل الأموال الكبيرة التي تثار في الكويت خلال السنوات الأخيرة إلى جانب كل من قضية “الصندوق الماليزي” وقضية “النائب البنغالي”، وأخيرا قضية مكتب الهيئة العامة للاستثمار الكويتي في لندن التي شرع القضاء الكويتي في النظر فيها قبل أيام.
وقالت وزارة المالية الكويتية في وقت سابق من هذا الأسبوع إن الوزير فهد الجارالله أحال مكتب لندن التابع للهيئة العامة للاستثمار، التي تدير صندوق الثروة السيادي، إلى النيابة العامة بسبب تجاوزات.
وذكرت الوزارة في بيان أن الخطوة جاءت بعد انتهاء لجنة تحقيق داخلية من تقريرها الأول حول الملاحظات والتجاوزات التي تم رصدها خلال الفترة من 2018 إلى 2022.
وأشار البيان إلى أن الملاحظات تضمنت “إفشاء معلومات سرية وإتلاف معلومات خاصة بالهيئة العامة للاستثمار، بالإضافة إلى العديد من التجاوزات الأخرى”.
وأثار تعدد القضايا حالة من الاستنفار في صفوف السلطات الكويتية بالنظر إلى خطورة ظاهرة الفساد وبلوغها درجة خطرة من التغوّل والاستشراء داخل أجهزة الدولة وبين مسؤولين يشغلون مواقع حسّاسة.
ويجمع بين تلك القضايا قاسمان مشتركان يضفيان عليها خطورة استثنائية. يتمثّل الأول في طابعها العابر لحدود البلاد من خلال تورّط أجانب فيها، بينما يتمثّل الثاني في تواطؤ مسؤولين كويتيين، بعضهم رفيعو المستوى، في مختلف القضايا.
ففي قضية الصندوق الماليزي امتدت عملية غسيل الأموال من الكويت إلى ماليزيا موطن أحد المتّهمين الرئيسيين، وصولا إلى جزر القمر حيث يوجد بنك اتّخذ وعاء ماليا للعملية. أمّا أبرز متّهم في القضية فلم يكن سوى ابن رئيس الوزراء الكويتي الأسبق الشيخ جابر المبارك الصباح الذي حوكم بدوره في قضية فساد منفصلة.
أما قضية النائب البنغالي فكانت عبارة عن شبكة للاتجار بالبشر يقودها نائب في برلمان بنغلاديش وكانت تنشط في جلب وافدين إلى الكويت ومنحهم إقامات في البلاد بطرق غير مشروعة. ومن أبرز المتورّطين إلى جانب النائب البنغالي مسؤولان حكوميان كويتيان سابقان ونائب سابق في البرلمان الكويتي ومرشّح سابق للانتخابات البرلمانية.
وتمت في نطاق القضية الأخيرة محاكمة عضو في الأسرة الحاكمة هو الشيخ مازن الجراح الصباح الوكيل السابق لوزارة الداخلية.
ولم تكن تلك المرّة الأولى التي يرد فيها اسم شيخ كويتي ضمن قضية فساد مالي حيث سبق لرئيس الوزراء الأسبق الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح أن خضع للمحاكمة في قضية هدر أموال صندوق مخصص للجيش.
ويرى متابعون للشأن الكويتي أنّ تكرار مثل تلك المحاكمات في السنوات الأخيرة لا يعكس فقط تشعب الفساد وتسرّبه إلى دوائر متقدّمة نسبيا في هرم السلطة، وإنما يعكس أيضا صرامة وإصرارا من قبل أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد وولي عهده الشيخ مشعل الأحمد على اجتثاث الظاهرة ومحاسبة جميع المسؤولين عنها مهما كان انتماؤهم ومسؤولياتهم في الدولة.
ورغم ما جنته الكويت على مدى عقود من عوائد النفط الذي تعوّل عليه بشكل رئيسي كمصدر للدخل، فإن ذلك لم يمنع من مواجهتها أزمات مالية متلاحقة وصلت خلال السنوات القليلة الماضية حدّ الدفع بسيناريو صادم وغير متوقّع تمثّل في العجز عن دفع رواتب العمال والموظّفين.
وعلى الرغم من وجاهة العوامل المباشرة التي أدت إلى تلك الأزمات في الكويت، إلاّ أنّ أغلب المحللين السياسيين والاقتصاديين يرجعون أسبابها الحقيقية إلى أخطاء متراكمة وعمليات هدر وسوء تصرّف في الموارد تواصلت لفترة زمنية طويلة وحرمت البلد من استثمار مبالغ طائلة تأتّت من عوائد النفط في سنوات الوفرة.