تكشف تصريحات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وجولاته الخارجية عن قلق شديد من نتائج التصعيد القائم بين حماس وإسرائيل، ليس فقط بسبب خطة إسرائيلية – أميركية لتهجير جديد للفلسطينيين تكون المملكة إحدى وجهاته، وإنما أيضا بسبب مخاوف من تأثيرات سلبية لهذا التصعيد على الداخل الأردني.
وجاء بيان وزارة الداخلية الأردنية ليرسل مؤشرات واضحة على هذا القلق، سواء برفضه للاحتجاج على الحدود مع إسرائيل أو بفض قوات الأمن تظاهرة هدفت إلى اقتحام السفارة الإسرائيلية الأربعاء، وقادت إلى صدام بين قوات الأمن والمحتجين.
وقالت مديرية الأمن العام الأردنية الخميس إنها لن تسمح بأي تجمعات احتجاجية على المناطق الحدودية، وإنها “ماضية في عملها لحفظ أمن المواطنين والحفاظ على الممتلكات والمقدرات”.
كما شددت على منع “أية تجمعات في أي من المواقع والأماكن التي قد تعطل مناحي الحياة أو تسبب خطورة على المواطنين”.
وضمن مسار المخاوف، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال مؤتمر صحفي مع نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك “نخشى الأسوأ وكل المؤشرات تشير إلى أن الأسوأ قادم”، مضيفا أن الحرب ستكون لها تداعيات كارثية، ودعا إلى حماية المنطقة من خطر اتساعها. وتزامن هذا التصريح مع إعلان إسرائيل عن إخلاء سفارتها بالأردن لاعتبارات أمنية.
ويرى مراقبون أن التشديد على رفض التظاهرات، بالرغم من أنها تتماشى مع التوجه العام الذي عبر عنه الملك عبدالله الثاني في مختلف تصريحاته بشأن رفضه للهجوم الإسرائيلي، يؤكد وجود مخاوف من أن تزيد الاحتجاجات التوتر بين المتظاهرين الأردنيين وقوات الأمن، وأن تحيي مناخ التوتر بين الجانبين، الذي حدث في السابق لاعتبارات تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي وظروف المعيشة وارتفاع الأسعار.
لكن أكثر ما يُخَاف أن توفر الاحتجاجات مناخا ملائما لاستعادة ما جرى خلال إثارة قضية الفتنة التي برزت عام 2021 بسبب خلاف بين الملك عبدالله الثاني والأمير حمزة بن الحسين، أخيه غير الشقيق، وما تلا الخلاف من جدل واسع في الشارع واستهداف للأسرة الحاكمة، ومشاركة العشائر في الخلاف وانحيازها إلى الأمير حمزة، وهو وضع جعل مؤسسة الحكم في وضع صعب.
وتتخوف السلطات الأردنية من أن توظّف المناطقُ التي يقطنها أردنيون من أصول فلسطينية الاحتجاجات المتعلقة بغزة في تنظيم احتجاجات حاشدة ضد السلطة ردا على ما تعتبره سياسة رسمية تُعاملها كمناطق من درجة ثانية بسبب أصولها، وهو ما ظهر خلال الشعارات التي رفعت في الاحتجاجات على رفع أسعار المحروقات في نهاية العام الماضي.
وشارك الآلاف من الأردنيين الأربعاء في وقفة تضامنية مع قطاع غزة قرب سفارة تل أبيب بالعاصمة عمان، تنديدا بـ”الهجوم الإسرائيلي” على المستشفى المعمداني الذي أوقع مئات القتلى والجرحى.
وشهد المكان وجودا أمنيا كثيفا، خاصة بعد محاولة اقتحام السفارة الإسرائيلية التي جرت مساء الثلاثاء في مظاهرة مماثلة.
وردد المتظاهرون هتافات تطالب بإغلاق سفارة تل أبيب في العاصمة عمان، وأخرى مناوئة للرئيس الفلسطيني محمود عباس. كما طالبوا العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بفتح الحدود مع إسرائيل.
وشهدت الوقفة تدافعا بين المتظاهرين وقوات الأمن، ما أدى إلى حدوث إصابات بين الطرفين.
وأهاب الأمن الأردني بـ”الجميع التزام القانون والتعليمات الأمنية والتعاون مع رجال الأمن الموجودين بالميدان لحمايتهم وتأمين تعبيرهم السلمي عن آرائهم”.
وأنهى الملك عبدالله الثاني الخميس زيارة إلى مصر استمرّت ساعات، بحث خلالها مع الرئيس عبدالفتاح السيسي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقال الديوان الملكي إن العاهل الأردني والرئيس السيسي دعيا إلى وقف “فوري” للحرب على غزة، وأكدا رفضهما أي محاولة تهجير “قسري” للفلسطينيين إلى البلدين.
ويريد العاهل الأردني استباق أي فرضية يمكن أن تدفع بأعداد جديدة من الفلسطينيين إلى بلاده بتأكيد أن الأردن ليس مستعدا لاستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين.
وخلال زيارته إلى ألمانيا أكد الملك عبدالله الثاني أنه “لا يمكن استقبال اللاجئين في الأردن ولا في مصر جراء الحرب على غزة، وهذا خط أحمر”.
وبيّن أن ذلك “توجه من عدد من الجهات لخلق واقع جديد على الأرض”، دون أن يحدد الجهات، مشيرا إلى أنه يتحدث بقوة “ليس فقط باسم الأردن ولكن أيضا عن الأشقاء في مصر”.
وتابع العاهل الأردني خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز بالعاصمة برلين “خطر توسع الحرب حقيقي وستكون عواقب ذلك وخيمة على الجميع”، واعتبر أن “الطريق إلى الأمام يتطلب حلولا سياسية وليس أمنية فقط”.
ويعاني الأردن من أعباء اللاجئين، وخاصة غداة دخول مئات الآلاف من السوريين إلى أراضيه بسبب الحرب الأهلية في سوريا، ويشكو من محدودية الدعم الدولي ويحذر من أنه قد يصبح عاجزا عن الإيفاء بتقديم الخدمات الضرورية لهم.
ويوجد في الأردن نحو 1.3 مليون سوري، نصفهم تقريبا مسجلون بصفة “لاجئ” في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، في حين أن 750 ألفا منهم يقيمون في البلاد منذ ما قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، بحكم النسب والمصاهرة والعلاقات التجارية بين البلدين.
وفي عام 1948 هاجر وشُرّد نحو 800 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم من أصل 1.4 مليون شخص كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية في ذلك العام.
وفي أعقاب حرب عام 1967 فقدت المملكة سيطرتها على الضفة الغربية، ونزح إلى الضفة الشرقية حوالي 380 ألف فلسطيني من الضفة الغربية (منهم 240 ألفا من لاجئي عام 1948) و40 ألفا من سكان قطاع غزة.