شؤون العرب والخليج
ترجمات..
تقرير دولي: ماذا بعد غزّة؟
"أرشيفية"
الموت لا يشبع من الموت.. ما يحدث في غزّة هو عمليّة تطهير عرقي موصوفة والسكوت عنها عار على الانسانيّة جمعاء. لا مكان في ما يحدث اليوم للمواقف السياسيّة والتعاطف الانساني واجب بشريّ بحقّ الأخوّة والانسانيّة ولكن وسط هذا الجنون المُستعِر لا يمكن إلا الركون إلى مقاربات العقل والمنطق والعلم.
من هذا المنطلق، قد يبدو من المبكر طرح أي تساؤل الآن حول ماذا بعد أحداث غزّة؟ ولاسيّما بعد المجزرة الانسانيّة في المستشفى الأعلي العربي المعروف بمستشفى المعمداني التي أقدم عليها العدو الاسرائيلي.
وفي هذا السياق بالتحديد كان لـ "جسور"حديث مع النائب في المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المكتب السياسي للجبهة العربيه الفلسطينية الدكتور عمران الخطيب الذي استهجن جريمة الإحتلال الإسرائيلي بالقصف الصاروخي الجوي المتعمد للمستشفى المعمداني بقطاع غزة هذا الاعتداء الذي اسفر عن مقتل مئات الأطفال والنساء والرجال وبشكل مباشر.
جريمة الابادة الجماعيّة
ودعا الخطيب عبر جسور إلى "ضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى الابادة الجماعية من قبل عصابات جيش الإرهاب الإسرائيلي الفاشي." كذلك طالب الخطيب المجتمع الدولي ممثلاً في الأمين العام للأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بتحمّل المسؤولية عمّا ترتكبه إسرائيل من جرائم ومجازر وحشية بحق الشعب الفلسطيني العزل.
كذلك أصرّ الخطيب في حديثه لـ"جسور" على "تقديم هذه الجريمة وجرائم الحرب للإحتلال الإسرائيلي إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة حكومة نتنياهو وفريقه، وتقديمهم إلى المحاكمة، وفقًا للوقائع الميدانية لهذه الجريمة، والتي تضاف إلى منظومة القتل اليومي بحقّ الشعب الفلسطيني بقطاع غزة وفي محافظات الضفة الفلسطينية."
المطلوب مواجهة وليس استسلام
وأمام هذه الكارثة للاحتلال يؤكّد الخطيب "ضرورة وقف المستويات كافّة من العلاقات بين دول العربية و"إسرائيل"، وسحب السفراء، وإلغاء المعاهدات والاتفاقيات وكل أشكال التطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي الفاشي."
كما طالب الخطيب ب "سحب الاعتراف "بإسرائيل"بموجب إتفاق أوسلو والتزاماته كافّةً" مثمّنًا موقف الرئيس الفلسطيني أبو مازن في إلغاء الاجتماع الرباعي والذي كان من المفترض أن يعقد في عمان على أن يضم مصر والأردن وفلسطين مع الرئيس جو بايدن رئيس الإدارة الأميركية؛ حيث عاد الرئيس الفلسطيني إلى أرض الوطن، ودعا القيادة الفلسطينية إلى الاجتماع، وحمّل "إسرائيل" هذه المجازر، وطلب بمحاسبة حكومة الإحتلال، وتوفير الحماية الدولية.
مسؤوليّة مَن؟
وقد حمّل الخطيب في الوقت نفسه المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، والإدارة الأميركية المسؤولية الكاملة على وقوع كارثة مستشفى المعمداني التي تشكّل وصمة عار على جبين حكومة نتنياهو وفريقه إضافةً إلى الإدارة الأميركية التي تقدم الدعم والإسناد للاحتلال الفاشي.
كذلك يحمّل الخطيب بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي مسؤولية دعم تمادي إسرائيل في سلسلة هذه المجازر الوحشية والارهابية بحق الشعب الفلسطيني العظيم. ويختم حديثه لـ"جسور" معتبرًا أنّ "هذا العدوان على المدنيين في مستشفى الكنيسة المعمدانية يشكّل تحديًا للقانون والأعراف الدوليّة كاملةً."
القانون الدولي يُعاقِب
أمام هذه المأساة الرهيبة لشعب مازال يقاوم منذ ٧٥ عامًا ليكرّس حقّه في تقرير مصيره في دولة سيّدة حرّة مستقلّة لا يمكن السكوت والبقاء في منطقة رماديّة.
لذلك كلّه، على المجتمع الدولي الادراك جيّدًا أن لا مشروع اقتصاديّ أو اجتماعيّ أو سياسيّ، سواء أوفدَ من نيودلهي أم من بكين، أن يعبر في المنطقة على جثّة القضيّة الفلسطينيّة. وما لم ينجح هذا المجتمع بتكريس الدولة الفلسطينيّة لم يتمكّن من تأمين استثماراته ولا حتّى أمن حلفائه.
لكنّ الحفاظ على أمن الدول العربيّة، ولا سيّما الدولة اللبنانيّة، هو الشرط الأساس لخدمة القضيّة الفلسطينيّة بالطريق الصحيحة. وأي توسّع للحرب الدائرة قد يؤدّي ذلك إلى خسارة هذه القضيّة أحقّيّة وجودها. فحذارِ الغرق في أتّون المصالح الدوليّة البعيدة كلّ البعد من جوهر القضيّة الفلسطينيّة، لأنّه بعد ذلك لن يستطيع هذا الشعب العيش بكرامته الانسانيّة إذ يكون قد سمح للآخرين الاستثمار بها لينجح بتحقيق مآربه التوسّعيّة على حساب مأساته. وهو قابعٌ في جمهوريّته، يحارب بدماء مَن با ينتمون إلى قوميّاته الفارسيّة، ويستثمر في القضيّة العربيّة ليكون شريكًا إقليميًا في الاستثمار وشريكًا دوليًّا مضاربًا في المصالح.
ومن المهمّ في هذا السياق التذكير باتّفاقيّة منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة عليها التي وقعت عليها الدول الاعضاء في الأمم المتّحدة، وإسرائيل منهم، وبناءً على المادّة الثامنة من الاتّفاقيّة التي تنصّ على الآتي:
"لأي من الأطراف المتعاقدة أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسباً من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة."
وقد حدّدت هذه الاتّفاقيّة في المادّة الثانية منها الابادة الجماعيّة كالآتي:
"تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الج زئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
( أ ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
( ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى."
أمام هذه الوقائع القانونيّة في القانون الدولي، يملك الشعب الفلسطيني مفتاحًا لم يستخدمه في صراعه البالغ ٧٥ عامًا من الاقتتال بين الحقّ والباطل. فهل يتجرّأ العرب عبر جامعة الدول العربيّة على أخذ هذا المسار القانوني لدعم القضيّة الفلسطينيّة؟ أم سيتّجه العالم كلّه إلى المواجهة الميدانيّة الشاملة على أن يكون البقاء للأقوى وليس للأحقّ؟