شؤون العرب والخليج
في الموقف الأوروبي من عملية طوفان الأقصى.. حسابات جديدة قديمة!
إذا كان الموقف الأميركي تاريخًا منحازاً للدولة الإسرائيلية على حساب العرب وأميركا تحمي هذا الكيان وتقف خلفه وتبرر جرائمه من خلال قصص وسرديات خرافية فإننا كنا نرى الدول الغربية تختلف كليا في تعاملها مع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي حيث كان الرأي العام الأوروبي مؤيدًا للقضية الفلسطينية ويقف ضد أي عدوان إسرائيلي ويناهض سياسة إسرائيل رغمًا عن مواقف حكومات بلاده التي تقف الى جانب اسرئيل أو تلتزم الحياد لعدم قدرتها على اتخاذ أي مواقف كونها غير مؤثرة في الداخل الإسرائيلي ولا يمكنها فرض شروطها .
إنما بات الوضع مختلفا كليًا لجهة تعامل الدول الأوروبية مع الحدث الأخير في غزة بوقوفهم إلى جانب إسرائيل وتأييدهم المعنوي والمالي والعسكري والدبلوماسي ولم يكتفوا بهذا بل بات الرؤساء يتوافدون إلى إسرائيل ويعلنون عن التأييد والدعم لها.
فإذا كانت الماكينات الاعلامية الاسرائيلية قد استطاعت أن تفعل فعلها لجهة السيطرة على العقول الأوروبية والتلاعب بالرأي العام الاوروبي في بداية الأزمة من خلال تقديم معلومات وسرديات وأفلام مشاهد مزيفة عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي فإن الحالة اليوم انتقلت حيث بات الاعلام يبدي أسفه للوقوع في بث الفبركات والخطابات التي صنعت في البيت الابيض وعند رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وبات الرأي في الغرب أكثر تفهمًا لما حصل وردة فعل الشعب الفلسطيني على ممارسة التطرف العبري التي تتملص من كل الاتفاقات وها هي اليوم الحكومة العبرية تعاقب شعب غزة بممارسة أبشع أعمال الإجرام والذي شاهدناه منها جزءا من التهجير وقصف المنازل وحتى ضرب المستشفى المعمداني والكنيسة المملوءة باللاجئين والأطفال باتت تشكل ردة فعل وترى أن أفعال الفلسطينيين هي ردة فعل على الفعل الصهيوني المتطرف .
لكن لابد من القول إن روسيا التي تحاول أن تمارس الوساطة بين الطرفين هي صديق لإيران وحماس وحزب الله وبالتالي تحاول تلطيف الأجواء الإسرائيلية وهي معنية بتوسيع رقعة الحرب في الشرق الاوسط للقول إن أميركا هي السبب والتغطية على أفعالها التي ترتكب في أوكرانيا .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على الجميع لماذا القوة الصلبة في أوروبا المؤلفة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا فهذا يتعلق بنظرة كل دولة من هذه الدول على حدا .
فإذا نظرنا إلى موقف بريطانيا وتصريحات رئيس الوزراء ريشي سوناك بأنه إلى جانب إسرائيل وحقها بالدفاع عن النفس وإرسال قوات عسكرية للمساعدات والتعبير زيارة سريعة قام بها إلى الكيان فهو أمر طبيعي لأن بريطانيا ترى أن إسرائيل هي وليدتها الشرعية التي أنجبتها في الشرق الأوسط ومن ناحية أخرى إن الموقف البريطاني دائما يقف خلف الموقف الاميركي فلم يكن لدينا أدنى شك بهذا الموقف الذي حاول السيطرة على الشارع ومنع المظاهرات الشعبية البريطانية التي تميزت بها بريطانيا في دعمها للقضية الفلسطينية ولعب لعبة غير نظيفة على الدبلوماسية العربية والفلسطينية من خلال محاولة ادانة حماس وبالإضافة الى استخدام الاعلام البريطاني للتوجه نحو دعم إسرائيل لخدمة الرواية الإسرائيلية لتضليل الآراء .
يختلف الموقف الفرنسي الذي قدم نفسه خدمة لاسرائيل والتضامن معها وبخاصة أن الموقف الفرنسي عبر الرئيس إيمانويل ماكرون كان يبحث عن موطئ قدم دائم له عبر التوافق مع ايران ومليشياتها في لبنان والعراق لإيجاد منافذ واستثمارات لشركة توتال والاستفادة المالية فكانت المصالح الخاصة للنظام الفرنسي تقف وراء رجال الدولة الموفدين مما ساهم بردة فرنسية على تصرفات إيران لعدم مساعدة فرنسا في بلورة حلول سريعة خاصة في لبنان وعدم السماح للشركات الفرنسية بالاستفادة في العراق وإيران.
قد تكون رسالة لإيران واضحة من خلال التضامن مع إسرائيل ومساعدتها بإرسال بوارج وقوات عسكرية لان الجميع متفق على ضمان أمن اسرائيل وبالتالي سيؤكد الرئيس الفرنسي ذلك بالتحضير الى زيارة سريعة لدولة الكيان .
أما موقف ألمانيا الداعم لاسرائيل والتصريحات السياسية التي قام بها رجالها وزيارة المستشار اولاف شولتز هو ناتج عن مسألتين يجب عرضهما وهو الاتهام الصهيوني لألمانيا بارتكابها مجزرة المحارق " الهولو كوست"وقتل اليهود مما يدفعها دوما لتبرير ذلك بالذهاب الى التضامن والدعم والتأييد لهذه الدولة، بالإضافة الى الممارسة التي تفعلها مجموعات ايران من حزب الله وحماس والحرس الثوري في المدن الألمانية قد يجعلها أكثر يقظة نتيجة هذه الممارسات التي تعتبرها اعمالا تخريبية ضد الدولة الألمانية عبر بناء خلايا نائمة والتجارة بالمخدرات والممنوعات وتهريب العملات مما فرض على ألمانيا وضع مجموعات في ألمانيا تحت المراقبة وايضا الجناح العسكري للحزب على لوائح الارهاب بعكس فرنسا .
أما الموقف الاوروبي الذي عرضته رئيسة الاتحاد الاوروبي أورسولا فون دير لاين اثناء زيارتها الى تل ابيب ووضعت كل إمكانيات الاتحاد والناتو في خدمة اسرائيل وكأنها تعبر عن رأي الدول الاوروبية بالانحياز الى جانب اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني المتهم كإرهابي وبأنه حجر شطرنج بيد إيران ويمكن معاقبته .
لماذا هذه المواقف الغربية الداعمة لإسرائيل على حساب العربي والشعب الفلسطيني. يمكن القول إن الغرب قد عانى الامرين من ايران وخاصة بانه كان يصر وهذه القوى الصلبة في الاتحاد على انجاز اتفاق نووي ينهي عملية الصراع الدائرة لكن إيران تعقد الصفقات مع الولايات المتحدة وتفتعل المشاكل ضد الدول الغربية وأيضا من خلال التأكيد الواضح أن الأجنحة الارهابية المدعومة من ايران بالرغم من محاولة أميركا إبعاد إيران عن مسؤوليتها تجاه هذه الجماعات التي تعبث بالأمن الأوروبي.
والنقطة المهمة أن مساندة ايران لروسيا باستخدام مسيرات وصواريخ ودك المدن الاوكرانية التي باتت تهدد الامن الأوروبي والأمن الأوروبي الاقتصادي المعني بإعادة إعمارها باتت تنظر نحو التعاطف الفعلي مع إسرائيل لكنها نسيت أو تناست أن الانتقام من الشعب الفلسطيني والانحياز للدولة العبرية سيؤدي الى مشاكل قادمة مع دول الاعتدال العربي التي تخوض معارك شرسة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وعدم السماح بالتفرد به لصالح أجندات خارجية والعمل على بناء دولة فلسطينية .