شؤون العرب والخليج
تدابير دولية ووساطة محايدة نافذة للسلام في السودان
مر أكثر من ستة أشهر منذ اندلاع القتال العنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى مقتل أكثر من 7000 شخص وشرد ما يقرب من 4 ملايين آخرين. ولا يزال الصراع مستمرا، مع القليل من الأدلة على الحل.
والسودان هو ثالث أكبر دولة من حيث المساحة في أفريقيا. كما أنها موطن لحوض نهر النيل، وهي غنية بالمعادن، وتتمتع بموقع إستراتيجي على البحر الأحمر، بالقرب من منطقة الشرق الأوسط. لذا فإن هذا الصراع يأتي مع تداعيات أمنية واقتصادية ثقيلة على المنطقة وخارجها.
وتقول هيران جو أستاذة العلوم السياسية في جامعة تكساس الأميركية في تحليل على موقع “ذو كونفرسيشن” إن الاستقرار في السودان يتطلب جهدا متضافرا من المجتمع الدولي.
وتضيف هيران أنه حتى الآن، فشلت مجموعة متنوعة من الجهود. ومع ذلك، فإن تطبيق المزيج الصحيح من التدابير الدولية في الوقت المناسب يمكن أن يمنح السودان فرصة للسلام.
وكما هو الحال مع الصومال ويوغوسلافيا السابقة، فإن النظام السياسي في السودان يمر بمرحلة انتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية. وعادة ما تكون هذه الأنظمة عرضة للصراعات المسلحة.
وعرضت تركيا وإثيوبيا ومصر وإسرائيل التوسط بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وكذلك فعل الاتحاد الأفريقي، إلى جانب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، وهي كتلة تجارية تضم ثماني دول في أفريقيا. وتم اقتراح كينيا لتكون الوسيط الرئيسي.
ولم يقبل الحيش السوداني وقوات الدعم السريع أيّا من هذه العروض. وقد أسفرت الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية عن عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار، بما في ذلك وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة في الفترة من 18 إلى 21 يونيو 2023، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاقات ملموسة.
وتتطلب الوساطة الناجحة أن يتمتع الوسيط بالنفوذ لتقديم الحوافز للأطراف المتحاربة، وكذلك الحفاظ على الحياد في ما بينها.
وعندما يتعلق الأمر بالسودان، لم يتمكن أيّ وسيط من تقديم شروط مقبولة لكلا الطرفين المتحاربين. وعلاوة على ذلك، فقد دعم العديد من الوسطاء المحتملين جانبًا أو آخر.
لكن ما أفسد المحادثات هو الافتقار إلى النفوذ السياسي، حيث فشل الوسطاء في تقديم شروط واضحة وملموسة يمكن أن تكون مقبولة لكلا الطرفين المتحاربين.
واستهدفت العقوبات الأميركية كيانات أو أفرادًا محددين يعطلون التحول الديمقراطي في السودان. وفي 1 يونيو 2023، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على أربع شركات تعمل في مجال تعدين الذهب والمركبات والأسلحة اتهمتها بتمويل أو تسليح الأطراف المتحاربة.
وكانت اثنتان من الشركات تابعة للقوات المسلحة السودانية، واثنتان مرتبطتان بقوات الدعم السريع.
وعادة، تقوم الأمم المتحدة بتنسيق العقوبات مع الولايات المتحدة، ويتبعها حلفاء واشنطن. ومع ذلك، فإن سلسلة العقوبات هذه لم تحدث بعد. ولم تقم لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة بإضافة أيّ عقوبات جديدة على السودان حتى الآن، في حين يعمل الاتحاد الأوروبي على وضع إطار لمثل هذه العقوبات.
وفي حين أن العقوبات الحالية والمستقبلية قد تستمر، إلا أن الأهداف غالباً ما تجد مصادر تمويل بديلة.
وترى هيران جو أن دور قوات حفظ السلام الدولي يمكن أن يكون فعالا في مناطق الصراع، وخاصة عندما يتم توفير الموارد اللازمة لهذه الجهود.
وغالبًا ما يتم الاستشهاد ببعثات حفظ السلام في ساحل العاج من عام 2004 إلى عام 2017 وفي كرواتيا من عام 1996 إلى عام 1998 على أنها قصص نجاح.
وكانت بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أرسلا بعثة لحفظ السلام في دارفور من عام 2007 إلى عام 2020 استخدمت الشرطة والقوات لتوفير منطقة عازلة. ولم تحقق المهمات سوى نجاحات جزئية، ويرجع ذلك أساسًا إلى نقص الدعم من حكومة الرئيس السابق عمر البشير.
وفي عام 2020، بعد انتهاء بعثة الأمم المتحدة في السودان، تم تكليف بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان، لمساعدة التحولات السياسية في البلاد. ومع ذلك، كانت تفتقر إلى الشرطة أو القوات، وكانت فعاليتها المحتملة موضع خلاف كبير.
واقترح مراقبو السياسة السودانية وخبراء العلاقات الدولية العديد من الحلول لتحقيق الاستقرار في السودان، ومنع المزيد من الفظائع وحل الصراع في نهاية المطاف.
وتشمل هذه الإجراءات إرسال قوات حفظ السلام مع القوات والشرطة، وإشراك المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الفظائع، وتنسيق الحوار السياسي بين الجهات الفاعلة الدولية والأطراف المتحاربة، وكبح جماح التأثيرات الخارجية.
ويتمثل أحد الحلول المتكاملة في الجمع بين حفظ السلام والوساطة. وهذا يعني تعزيز قسم حفظ السلام التابع للأمم المتحدة، مع تشكيل جبهة دبلوماسية موحدة على المستوى الدولي.
والإجراء قصير المدى لهذه الجبهة الموحدة هو الاستعانة بفريق الوساطة التابع للأمم المتحدة. ومع وجود قائمة من الوسطاء الدوليين ذوي الخبرة يمكن لفريق الوساطة أن يحاول توفير فرص للحوار السياسي.
ويتلخص الحل طويل الأمد، والذي اقترحته مبادرة معاهدة السلام الدولية، في إضفاء الطابع المؤسسي على جهود الوساطة.
وبمجرد قبول دولة ما للمعاهدة المقترحة، يمكنها طلب الوساطة قبل اندلاع النزاع أو بعده. وتتجنب هذه العملية صعوبة الوصول إلى طاولة الوساطة في المقام الأول، مع ضمان عملية وساطة منسقة ومتضافرة.
وفي أبريل 2023، رفضت الأطراف المتحاربة عروض الوساطة الدولية وفشلت في إرسال مندوبين للوساطة الداخلية في الخرطوم. وحتى منتصف أغسطس، لم يكن يبدو أن أيّا من الطرفين قد وصل إلى مرحلة “الجمود المؤلم”، وهو الأمر الذي تشتد الحاجة إليه حتى يتمكن الطرفان من الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ومع ذلك، فإن أيّ جهد لا يخلو من التحديات، إذ أن توفير إمدادات كافية من أفراد حفظ السلام ذوي الموارد الجيدة ليس مضمونا في عصر التقشف الحالي.
وعلى الرغم من التحديات المقبلة، لا يمكن تجاهل السودان. ومع ذلك، فإن الحل الدائم يتطلب تدابير متعددة يمكن أن يعزز بعضها بعضا.
وسيكون الافتقار إلى التدخل الخارجي، بالإضافة إلى وجود وسيط محايد ونفوذ الولايات المتحدة، من المكونات الأساسية للوساطة للمضي قدمًا. ويجب تطبيق هذا المزيج من التدابير في التوقيت المناسب وبمشاركة الجهات الفاعلة المناسبة.