شؤون العرب والخليج
أحداث غزة تفتح الباب للمزايدات السياسية في ليبيا
أدت أحداث غزة إلى فتح الباب أمام المزايدات السياسية في ليبيا، حيث طالب مجلس النواب بطرد سفراء الدول الداعمة لتل أبيب، فيما أكد المفتي المعزول من قبل البرلمان والمعتمد لدى سلطات طرابلس الصادق الغرياني على ضرورة إخراج كل البعثات العسكرية من البلاد وقطع النفط والغاز على الدول الغربية التي توالي إسرائيل، وفق تعبيره.
وفي ظل استمرار عجزهم عن التوصل إلى حل سياسي للأزمة المتفاقمة في البلاد منذ العام 2011، اتجه الفرقاء الليبيون إلى اللعب على أوتار العاطفة الشعبية بمجموعة من المواقف والشعارات إزاء الوضع المتفجر في قطاع غزة الفلسطيني الذي يتعرض للقصف المدمر من قبل الطيران الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الجاري، وهو ما أدى إلى سقوط الآلاف من القتلى والجرحى وتشريد أكثر من مليون و500 ألف من السكان إلى جنوب القطاع.
وهاجم مجلس النواب في بيان زيارات رؤساء الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا إلى تل أبيب لإعلان “دعمهم الكامل لها من أجل إبادة الشعب الفلسطيني ووأد حقه المشروع في المقاومة وبناء دولته المستقلة”، وأدان تلك التحركات ملقيا المسؤولية على الولايات المتحدة والغرب في قيادة “حرب الإبادة الجماعية بحق شعب أعزل محاصر”.
ودعا “الشعوب العربية والإسلامية إلى نصرة إخوانهم في القطاع بجميع السبل والوسائل”، منتقدا “فشل النظام الرسمي العربي وعجزه عن اتخاذ موقف جريء يعبر عن إرادة الشعوب، ليصل الأمر إلى عدم القدرة على إيصال الاحتياجات الأساسية إلى القطاع من الدواء والماء والغذاء والوقود في حصار مطبق وقتل جماعي ممنهج تمارسه العصابات المجرمة”، وفق نص البيان.
وأفاد مجلس النواب الليبي بأنه “في حالة عدم توقف المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني، نطالب الحكومة الليبية بوقف تصدير النفط والغاز إلى الدول المساندة لهذا الكيان”.
كما طالب المجلس الأعلى للدولة الليبي بقطع العلاقات مع الدول الداعمة لإسرائيل وإيقاف تصدير الغاز والنفط إليها ومقاطعة منتجاتها “حتى يتم إيقاف العدوان الغاشم على قطاع غزة”.
وأكد المجلس في بيان أصدره عقب عقده جلسة استثنائية في طرابلس خصصها لمناقشة تطورات الأحداث في قطاع غزة “وقوف الليبيين ودعم إخوانهم في فلسطين حتى تحرير أراضيهم من الاحتلال الغاشم”.
وبحسب أوساط ليبية، فإن البيانات والمواقف الصادرة عن القوى السياسية والتشريعية في ليبيا ليست سوى تعبير عن حجم التجاذبات التي تعرفها البلاد، ومحاولة لإرضاء الرأي العام بالمزيد من المزايدات التي اعتاد عليها الليبيون منذ أكثر من نصف قرن.
ومن جانبه أكد الغرياني عبر قناة “التناصح” التي يديرها ابنه سهيل الغرياني أن “الناس في ليبيا يجب أن يخرجوا كل البعثات العسكرية من بلادهم وأن يقطعوا النفط والغاز عن الدول الغربية التي توالي إسرائيل لأنه لا يفل الحديد إلا الحديد” وفق تقديره، مناديا الليبيين بأن “يقاطعوا بضائعهم وسلعهم”، معتبرا أن “الأميركيين أتوا بكل ما يملكون ويبذلون كل شيء، الجنود والخبراء والأسلحة، وجود البوارج وحاملات الطائرات على شواطئ فلسطين، على المقاومة أن تحذرها لأن معظم ما أتوا من أجله بهذه القطع البحرية المتقدمة من أولوياتهم التجسس على المقاومة واكتشاف ما يمكنهم لأنهم متقدمون في ذلك ورأوا أن إسرائيل عجزت واستخباراتها فشلت فأتوا بهذه الأشياء من أجل التجسس”.
وفي ذات السياق، ندد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة بـ”جرائم حرب وإبادة جماعية” في قطاع غزة المحاصر، داعيا إلى موقف عربي حازم لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر الجاري.
وقال الدبيبة إن “استهداف المدنيين العزل وقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف والحصار الخانق اللاإنساني لقطاع غزة يعد إبادة جماعية وجرائم حرب ووصمة عار يسطرها التاريخ على جبين الاحتلال وداعميه”، معتبرا أن المجازر التي يشهدها القطاع “تعبر عن الوجه البشع للاحتلال الإسرائيلي وآلة القتل البغيضة التي تتبجّح بالقوة والدعم المتغطرس اللامحدود”.
ويرى المراقبون أن الدبيبة وجد الفرصة الملائمة للتنصل نهائيا من ملف التواصل مع الحكومة الإسرائيلية والذي كان قد فتح بقوة في أغسطس الماضي بعد الكشف عن الاجتماع الذي احتضنته العاصمة الإيطالية روما بين وزيرة الخارجية الليبية آنذاك نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين والذي أثار جدلا واسعا في الداخل الليبي وأدى إلى الإطاحة بالوزيرة ككبش فداء رغم أن الاجتماع كان في سياق مهامها كعضو في الحكومة.
ويضيف المراقبون أن مأساة غزة تحولت إلى فرصة ملائمة يستغلها الفرقاء الليبيون لتلميع صورهم أمام مواطنيهم، في حين أن الواقع غير ذلك، وهناك من يرفعون شعارات يتعاملون بعكسها في الخفاء، حتى لا تتأثر تطلعاتهم السياسية التي يرون أنها مرتبطة بالعواصم والحكومات الموالية لإسرائيل أو القريبة منها.