شؤون العرب والخليج
الجزائر تعود إلى خيار الدعم الموجه وسط مخاوف من استفزاز الجبهة الاجتماعية
حمل بيان مجلس الوزراء الجزائري مفردات غير مسبوقة توحي بأن سياسة الدعم الاجتماعي لن تستمر للأبد، رغم تشديد الرئيس عبدالمجيد تبون على تكفل الدولة بالفئات الهشة والحياة الكريمة، فالقول بحدود الإمكانيات وما تسمح به الموازنة، يدلّ على أن الأخيرة تريد التحلل من عبء التحويلات الاجتماعية الضخمة، وهو ما مهد له وزير المالية بالتصريح بأن عملية الرقمنة ستمكن من الانتقال من الدعم الشامل إلى الدعم الموجه الذي يخفف الحمل على الخزينة العامة.
وأوصى الرئيس الجزائري حكومته في مجلس الوزراء الأخير، بأولوية المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين، بالأساليب المتاحة مع الأخذ بعين الاعتبار التوازنات المالية، وهو ما يمثل مؤشرا على أن الإنفاق الضخم على التحويلات الاجتماعية يتوجب أن يراعي في المستقبل المعطيات الاقتصادية والمالية للبلاد.
ويبدو أن الخطاب السياسي الذي تروج له السلطة، لتثبيت الطابع الاجتماعي للدولة واستمالة الشارع، لا يمكن أن يصمد إلى الأبد أمام الواقعية الاقتصادية، ولذلك يجري التفكير في مراجعة ورقة الدعم الاجتماعي، والعودة إلى ما سطرته الحكومة العام 2020، لما باشرت إعادة تقييم العملية من خلال التوقف عن الدعم الشامل والتوجه إلى الدعم الموجه، لولا الضغوط التي فرضتها أزمة الأسعار في الأسواق الدولية، بسبب جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، وهو ما مهد له وزير المالية لعزيز فايد، في تصريح له أمام البرلمان، لما كشف في رد له على سؤال حول سياسة الدعم الاجتماعي، بالقول “ملف رفع الدعم موجود على طاولة الحكومة، وأن المادة 187 من قانون المالية للعام 2020، أكدت إعادة النظر في سياسة الدعم عبر التوجه نحو الدعم الموجه”.
وأضاف “الحكومة تعمل على مستوى مصالح وزارة المالية على إعداد هذا الملف المعقد والحساس والمرتبط ارتباطا وطيدا برقمنة قطاع المالية، إذ لا يمكن أن نتقدم في هذا الاتجاه، إلا إذا استكملنا عملية الرقمنة”.
ولفت وزير المالية إلى أنه سيتم تجهيز وزارة المالية يوم الخامس عشر من ديسمبر القادم، بمركز بيانات، وبداية من هذه المرحلة سنشرع في إكمال العملية.
وتبقى البطاقة الاجتماعية، التي تشخص وتصنف الأفراد والأسر، من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة، في ظل هيمنة البيروقراطية والمنظومة الإدارية المعقدة، خاصة وأن الاقتصاد الموازي يشكل عائقا كبيرا في تحديد حجم السيولة المالية المتداولة في مختلف أنشطته، واليد العاملة التي يستقطبها، حيث تضاربت أرقام الكتلة المالية بين من يقدرها بنحو 90 مليار دولار، وبين من يقدرها بنحو 50 مليار دولار، لكن الحكومة أدرجت النشاط في أعداد بيانات الدخل المحلي الخام المعلن عنه مؤخرا من طرف رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن.
ولم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ منتصف العشرية السابقة، استقطاب أو تحديد بيانات الاقتصاد الموازي، رغم المحفزات التي أطلقتها لدى المصارف والبنوك، حيث تم تسهيل عمليات الانخراط في المنظومة البنكية واستحدثت صيرفة إسلامية لضم الرافضين للتعامل بالطرق المالية الكلاسيكية، لكن ذلك لم يحقق الأهداف المأمولة، حيث يبقى العمل خارج الأطر الطبيعية يستهوي الكثير من الناشطين في القطاع التجاري والمالي.
ولا تزال الاستحقاقات الاجتماعية تشكل اختبارا حقيقيا للمؤسسات الحكومية، فثقافة الريع والاستفادة من الخزينة العمومية تهيمن على قطاع كبير من المجتمع، الأمر الذي يزيد من فرص التحايل والانسلال داخل المشروعات والبرامج الاجتماعية الحكومية، على غرار منحة البطالة ومعاشات الفئات الهشة، خاصة في ظل الفساد الإداري والقابلية للاستحواذ على حقوق الآخرين.
وشدد الرئيس تبون، في أكثر من تصريح، على ضرورة الوصول إلى “رقمنة الحياة العامة، من أجل الوصول إلى بيانات حقيقية تمكن الحكومة من تحديد سياساتها، وعلى أن الإرادة متوفرة من أجل القضاء على بؤر المقاومة”، في إشارة إلى اللوبيات المالية والاقتصادية التي تفضل المناخ الضبابي وغياب الشفافية من أجل تأمين مصالحها.
ومع ذلك تواصل السلطة تقديم الضمانات على خيار الطابع الاجتماعي للدولة، من أجل احتواء حالة التململ الاجتماعي، فخلال مجلس الوزراء الأخير الذي مهد لملف الموازنة العامة للعام القادم، أكد الرجل الأول في الدولة الطامح للمرور إلى ولاية رئاسية ثانية، على تكفل القانون بـ”الزيادات في الأجور التي تم إقرارها خلال اجتماعات سابقة لمجلس الوزراء، منذ العام 2022 بهدف الوصول إلى تنفيذ التزام السيد الرئيس، ببلوغ زيادات تصل إلى 47 في المئة في 2024، مع احتساب الأثر المالي المترتب على مراجعة القوانين الأساسية لقطاعات الصحة والتربية والتعليم العالي”.
وأعلن عن “تسجيل إنجاز 250 ألف وحدة سكنية جديدة، 100 ألف منها بصيغة السكن الاجتماعي الإيجاري و150 ألف بصيغة الإعانات الريفية، تكملة لالتزام رئيس الجمهورية بإنجاز مليون وحدة سكنية ما بين 2020 و2024”، فضلا عن إلغاء الضريبة على النشاط المهني المقدرة بـ2 في المئة من رقم الأعمال، وتقليص الضريبة على القيمة المضافة إلى أقصى حد على إنتاج الدواجن، وعلى المواد الغذائية المستوردة بصفة عامة، من أجل الحفاظ على أسعار في متناول المستهلك الجزائري.
وأكد وزير المالية أن “بداية من شهر مايو الماضي، يشهد مؤشر أسعار الاستهلاك انخفاضا شهريا متتاليا، وأن المراجعة التنازلية لمعدل الحقوق الجمركية (الخفض من 30 في المئة إلى 5 في المئة على لحوم الأبقار والأغنام المستوردة، علاوة على مراقبة الأسعار، ومحاربة المضاربة)، ستسمح بتخفيف حدة التضخم خلال الأشهر المتبقية من السنة الجارية”.