شؤون العرب والخليج
الفصائل العراقية تنخرط في مناوشات رمزية ضدّ القوات الأميركية
يصف خبراء أمنيون الهجمات التي تنفذها فصائل عراقية على مواقع تتمركز فيها قوات أميركية داخل العراق، تحت عنوان التضامن مع قطاع غزّة بالرمزية وغير المؤثّرة، ويرجعون ذلك إلى رغبة إيران التي تمتلك زمام قرار تلك الفصائل في التحكّم بمستوى التصعيد ضد الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية وعدم تجاوزه حدود المناوشات الخفيفة، وذلك لتجنّب غضب واشنطن من ناحية، وحفاظا على استقرار حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني المشكّلة أصلا من حلفاء طهران والمتعاونة معها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، من ناحية ثانية.
وتعرّضت مواقع التواجد العسكري الأميركي في العراق على مدى الأيام الماضية لهجمات كثيفة بالصواريخ والطائرات المسيّرة قالت وزارة الدفاع الأميركية إن عددها بلغ 12 هجوما في ظرف عشرة أيام.
لكن الخسائر الناجمة عن تلك الهجمات لم تتعد إصابة بعض المباني والمنشآت والمعدّات بأضرار طفيفة ما يجعلها بعيدة عن تحقيق الهدف المعلن من قبل الفصائل وهو إنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.
وغالبا ما يتبنّى حزب الله العراقي الهجمات على مراكز تواجد القوات الأميركية، وهو فصيل تابع للحرس الثوري الإيراني يعلن تمرّده على السياسات الرسمية للحكومات العراقية ما يجعله أداة مثالية لتصفية الحسابات الإيرانية ضدّ خصومها، دون أن تكون هناك مسؤولية مباشرة عن تلك الحكومات.
ويدافع رئيس الحكومة العراقية على الوجود العسكري الأجنبي في العراق ويقول إنّ دوره استشاري وإنّه منظم باتفاقيات ملزمة للعراق.
وإثر الهجمات التي استهدفت القواعد العسكرية التي تضم قوات أميركية أمر السوداني الأجهزة الأمنية بتتبع العناصر المنفذة لتلك الهجمات.
وأكد اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلّحة وهو المنصب الذي يشغله رئيس الوزراء رفض الهجمات “التي تستهدف القواعد العراقية والتي تضم مقرات مستشاري التحالف الدولي المتواجدين في العراق، بدعوة رسمية من قبل الحكومة”.
كما أمر رئيس الوزراء بتعزيز الإجراءات الأمنية الوقائية لمنع وقوع المزيد من الهجمات على القواعد العسكرية العراقية الثلاث التي تستضيف قوات أميركية ودولية.
ويوجد قرار أصدره البرلمان العراقي مطلع سنة 2020 في عهد حكومة عادل عبدالمهدي يقضي بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، بما فيه الأميركي، على الأراضي العراقية.
وكانت كتل شيعية بما في ذلك قوى منتمية حاليا للإطار التنسيقي ومشاركة بشكل أساسي في تشكيل حكومة السوداني قد وقفت وراء إصدار القرار إثر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ومعاونه العراقي أبومهدي المهندس بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
وأصبحت تلك القوى ذاتها تغض الطرف عن المطالبة بتنفيذ القرار نظرا لكونها مشاركة في الحكم ومهتمة بالحفاظ على الحكومة التي شكّلتها بعد صراع شرس ضد التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وفي إطار مزايدة الصدر على القوى التي حرمته من تشكيل الحكومة بعد تحقيقه نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية الماضية، دعا إلى إغلاق السفارة الأميركية في بغداد نظرا “للدعم الأميركي اللامحدود” لإسرائيل. وقال البيان الذي أصدره الجمعة إن “لم تستجب الحكومة والبرلمان فلنا موقف آخر سنعلنه لاحقا”.
ويعلم كبار صناع القرار في العراق صعوبة فكّ الارتباط مع الولايات المتّحدة نظرا لتشابك العلاقات والمصالح معها لاسيما في المجالين الاقتصادي والمالي.
ومنذ أكثر من عقدين تذهب أموال مبيعات النفط العراقي إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نيويورك ويتم تحويل الأموال نقدا بالدولار الى العراق في شحنات نصف شهرية ترسل إليه عبر رحلات جوية.
ورغم التهديدات الأميركية لا يلتزم العراق بشكل صارم بالعقوبات المفروضة من قبل الولايات المتّحدة على إيران التي تستفيد كثيرا من عمليات غير مشروعة لتسريب الدولار إليها من العراق.
وتعد المصلحة المالية على رأس المصالح التي تجعل طهران مهتمة باستقرار حكومة الإطار التنسيقي، وعدم توريطها في صراع كبير وغير متكافئ ضدّ الولايات المتّحدة.
من جهتهم لا يترد قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية المعروفون بعلاقاتهم الواسعة مع إيران وعدائهم المعلن للولايات المتّحدة في تبني مواقف رجل الدولة عندما تكون لهم مصلحة في استقرار الحكومة كما هي الحال بالنسبة إلى الحكومة الحالية.
ونقلت صحيفة “المونيتور” الأميركية عن قائد كبير في الحشد الشعبي المشكّل في غالبيته من ميليشيات شيعية قوله إن الإيرانيين سمحوا للفصائل المسلحة في العراق ولبنان وسوريا واليمن بتنفيذ بعض العمليات التي تستهدف القوات الأميركية والإسرائيلية على أن تكون تلك العمليات ذات أضرار منخفضة.
وقالت الصحيفة إنّ قادة الحرس الثوري الإيراني ومن بينهم الجنرال إسماعيل قاآني يرون أنّ الأضرار الناجمة عن مشاركة أيّ من تلك الفصائل عسكريا ستكون أكبر بكثير من نفعها.
كما نقلت عن أحد قادة الإطار التنسيقي حضر اجتماعا للإطار مع رئيس الوزراء لمناقشة التطورات في المنطقة قوله إن “خطورة الوضع الآن تكمن في أن قواعد الاشتباك تغيرت وإن أيّ مشاركة عسكرية لأيّ من الفصائل ستعطي مبررا للأميركيين والإسرائيليين لمهاجمتها والضغط على الحكومة العراقية بشكل ما”.
وتوقّع محمد الزيادي النائب عن دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ألاّ تدفع القوى السياسية نحو المزيد من التصعيد ضد الولايات المتحدة لما في ذلك من مقامرة بالاستقرار القائم حاليا.
واستبعد في تصريحات نقلتها مواقع إخبارية عراقية “مغامرة القوى السياسية باستقرار الحكومة الحالية مقابل إخراج القواعد العسكرية الأميركية المتبقية في العراق”، معتبرا أنّ “ما لم تفعله إيران ودول في المنطقة بقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة لن يفعله العراق أيضا”.
ورغم حالة العداء الكبيرة المعلنة بين الولايات المتحدة وإيران فقد دأبت الأخيرة على التصعيد بشكل محدود وترك المساحة للمساومة ومحاولة الحصول على بعض المكاسب، خصوصا وأنها نجحت في ذلك أحيانا على غرار حصولها مؤخّرا على مبلغ 6 مليارات دولار من أموالها المجمّدة لدى كوريا الجنوبية في صفقة تبادل أسرى أنجزتها طهران مع واشنطن برعاية قطرية.
وتظل الساحة العراقية التي يحضر فيها الأميركيون والإيرانيون على حدّ سواء الساحة المفضّلة لدى إيران لمشاغلة الولايات المتّحدة ومساومتها على عدّة ملفات بفضل ما تمتلكه هناك من أوراق تتيح لها التحكّم في خيوط اللعبة السياسية وخصوصا الأمنية.