شؤون العرب والخليج
تعيين الوريمي أميناً عاما محاولة من النهضة لفك عزلتها السياسية
أعلنت حركة النهضة (واجهة الإسلاميين في تونس)، الخميس، تعيين القيادي العجمي الوريمي أمينا عاما للحركة، في خطوة يرى متابعون أنها تعكس جهودا من النهضة لفكّ عزلتها السياسية خصوصا بعد إجراءات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021.
وظلّ منصب الأمانة العامة للحزب شاغرا منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2019، بعد استقالة القيادي زياد العذاري الذي عارض ما اعتبره “خيارات خاطئة” في تعامل الحركة مع الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد.
وتقول أوساط سياسية إن تزكية النهضة للعجمي الوريمي في هذا المنصب، مفادها أنها وجدت في الرجل شخصية هادئة و”متّزنة” سياسيا و”اتصاليا” قادرة على تقديم خطاب “واقعي” تحتاجه الحركة أكثر من أي وقت مضى.
ويضيف هؤلاء أن ثمّة إجماعا على الرجل من داخل الحركة لتقلد هذا المنصب، كما يمكن أن يلعب دورا مهمّا في تقريب وجهات النظر السياسية مع السلطة بعد فترة من التوتر والقطيعة، خصوصا وأنه ظلّ ينتقد السلطة بهدوء، دون الانزلاق إلى مهاجمة الرئيس سعيّد.
وذكر بيان للنهضة (معارضة) نشرته عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، عقب اجتماع افتراضي لمجلس الشورى التابع لها، في دورته الـ72 يومي الأحد والاثنين الماضيين، للمصادقة على مشروع لائحة تتعلق بصلاحيات الأمين العام للحزب، تعيين العجمي الوريمي أمينا عاما للحركة.
وقال إنه “بعد المصادقة على اللائحة تم التصويت بالإجماع على المرشح للأمانة العامة، العجمي الوريمي عضو المكتب التنفيذي ونائب رئيس الحركة، ليكون أمينا عاما جديدا للحركة”.
ولم تفصح الحركة في بيانها عن تفاصيل مشروع لائحة تتعلق بصلاحيات الأمين العام للحزب.
ويرى متابعون أن الحركة تريد أن تغيّر من نوعية خطابها بالقطع مع صورتها النمطية المألوفة واستبدالها بأخرى جديدة مناسبة للوضع الحالي حتى تتمكن من إدارة مرحلتها الانتقالية كأفضل ما يكون.
وبعد إجراءات الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، ظلت الحركة تخشى من فتح السلطات لملفات وازنة، وكثيرا ما اعتمدت خطابا مزدوجا يقوم على المناورة والدعوة إلى الحوار والتفاوض، في محاولة لتجنب إجراءات تصعيدية ضدّها.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “العجمي الوريمي من الوجوه المحسوبة على الحمام داخل النهضة وكان قريبا من اليسار ومنفتحا على مختلف التيارات السياسية، أيضا يعتبر من العناصر الصلبة والقيادات التقليدية التي لم تغادر الحركة وهو يمثل التواصل داخلها”.
وقال لـ”العرب” إن “التعيين الجديد فيه رسالة بأن الرجل مثقف ويوحي بالانفتاح، كما أن إدارة المرحلة الانتقالية تحتاج هذا الرجل، والنهضة تريد أن تقول إنها ما زالت موجودة، وربما هي رسالة أيضا من أجل التفاوض مع السلطة”.
وأشار ثابت إلى أن “الوريمي من الوجوه التاريخية للحركة، وهو أيضا من الجيل الثاني بعد التأسيس ويمثّل خط التواصل وخط النضال ولم يكن بعيدا عن راشد الغنوشي (رئيس الحركة) في الخيارات الإستراتيجية الكبرى، كما أن الأغلبية تتفق حول الوريمي وخطابه سيكون أكثر واقعية وليس خطابا أجوف أو مهترئا”.
واستطرد ثابت “الوريمي لم يهاجم الرئيس قيس سعيد بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، وهذه دعوة إلى الحوار مع السلطة ومختلف المكونات السياسية”.
والوريمي (61 سنة) عرف بنشاطه في الاتجاه الإسلامي بالحركة الطلابية (فصيل طلابي يتبع النهضة نشط بالجامعة التونسية منذ أواخر السبعينات إلى 1991) قبل أن يصبح في 1991 قياديا في النهضة خلال صراعها مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987 – 2011)، الأمر الذي أدى إلى سجنه 16 عاما ليعود إلى دراسة الفلسفة في مرحلة الماجستير بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس العاصمة.
وشغل الوريمي منذ 2011، مناصب قيادية في حركة النهضة لينتخب في 2014 نائبا بمجلس النواب عن حزبه، إلى حدود 2019.
وباتت النهضة تدرك جيّدا أن الرئيس سعيد جاد في مسار تفكيك منظومة ما بعد 2011، وهي تسعى إلى تجنب الصدام معه لتخفيف خسائرها من حملة تطهير الإدارة.
وأكد الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري أن “هذا التعيين من أفضل المناورات السياسية التي قامت بها النهضة، ويأتي في إطار تداول النخب السياسية على السلطة داخل الحركة، لأن النهضة تعرف صراعا على الشرعيات”.
وصرّح لـ”العرب” بأن “الاختيار على الوريمي جمع بين نقطتين، أولاهما غياب النخب القيادية وثانيتهما المفارقة المتمثلة في الظروف المؤاتية حتى تصعد شخصية مقبولة من الرأي العام ومن قبل أغلبية مكونات المشهد السياسي”.
واعتبر محمد العربي العياري أن “الحركة في عزلة منذ انتخابات العام 2014، وهذا التعيين يأتي في علاقة بالاقتراب من السلطة، باعتبار أن الوريمي ناقد لمسار الخامس والعشرين من يوليو وكان مساندا لكل الحركات، ووارد جدا أن يكون قناة تواصل وحوار مع السلطة”.
ويقبع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في السجن منذ إيقافه يوم السابع عشر من أبريل الماضي من قبل الأمن بعد مداهمة منزله، قبل أن تأمر محكمة بإيداعه السجن في قضية “التصريحات المنسوبة له بالتحريض على أمن الدولة”.
كما تم إيقاف منذر الونيسي نائب الغنوشي والمكلف بتسيير شؤون الحركة في الخامس من سبتمبر الماضي، قبل أن يقرر القضاء في العشرين من الشهر ذاته، توقيفه بتهمة “التآمر على أمن الدولة”.
وعرفت الحركة انقسامات كبيرة بعد استقالة 113 عضوا، هم قياديون بارزون شغلوا مناصب وزارية ونواب سابقون، في سبتمبر 2021 احتجاجا على سياسات زعيمها راشد الغنوشي.