شؤون العرب والخليج
العراق يبتعد أكثر عن النفوذ الأميركي بعقود نفطية جديدة مع الصين وروسيا
أصبحت الصين وروسيا مشغولتين بتعزيز نفوذهما في أماكن أخرى من المنطقة وآخرها العراق، بينما تركز الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على محاولة ردع اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وحماس.
وقال سايمون واتكينز في تحليل على موقع أويل برايس إن الهدف الرئيسي لبكين وموسكو يكمن في توسيع وجودهما في العراق لثلاثة أسباب رئيسية. أولها، أن البلد يمكن أن يصبح بسهولة أكبر منتج للنفط الخام عالميا في غضون فترة قصيرة إذا تقلص الفساد المستشري في قطاع النفط والغاز. وثانيها، موقعه الجغرافي في قلب الشرق الأوسط الذي يجعله حلقة وصل حيوية في بناء شبكة من الاتصالات اللوجستية من شرق أوراسيا إلى غرب أوروبا. وأما ثالثها، أن العراق يشكل، مع إيران، جوهر الهلال الشيعي الروحي والسياسي والعسكري والثقافي الدائم.
وتؤكد موجة النشاط بين العراق وروسيا والصين التي شهدها الأسابيع الماضية مدى جدية هذه الخطط. وتسارعت خطط زيادة إنتاج العراق من النفط وإرسال هذا الإنتاج الإضافي إلى الصين في المقام الأول خلال اجتماع مجلس الوزراء مؤخرا ، برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. وقال مصدر رفيع المستوى يعمل بشكل وثيق مع وزارة النفط العراقية لموقع أويل برايس حصريا إن مجلس الوزراء وافق في الاجتماع على زيادة صادرات النفط الخام إلى الصين بنسبة 50 في المئة، أي من 100 ألف برميل يوميا إلى 150 ألف برميل يوميا.
كما أمكن الاتفاق على زيادة الطاقة الإنتاجية اليومية من الرميلة أكبر حقل نفط في العراق (47.6 في المئة)، ومؤسسة البترول الوطنية الصينية (46.4 في المئة)، وشركة تسويق النفط الحكومية العراقية سومو (6 في المئة) من 1.3 مليون برميل يوميا إلى 1.4 مليون برميل يوميا بنهاية العام الجاري. ويعدّ الأمر جزءا من خطة العراق لزيادة إنتاجه النفطي إلى 8 ملايين برميل يوميا بحلول 2028. ولا يوجد أيّ سبب يمنع تحقيق مثل هذه الزيادة. ويبقى إنتاج 12 مليون برميل يوميا أمرا ممكنا بفضل موارد العراق النفطية. ويتلخص العائق الوحيد هنا في الفساد المستشري في قطاع النفط والغاز الذي أعاق هذا التقدم لسنوات.
وفي نفس اجتماع مجلس الوزراء، أمكن الاتفاق على وجوب أن يُقدّم العراق دعمه الكامل لتنفيذ جميع جوانب “الاتفاقية الإطارية بين العراق والصين” واسعة النطاق الموقعة في ديسمبر 2021. وتشبه هذه الاتفاقية من حيث نطاقها وحجمها “اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 عاما”.
ويكمن الجزء الرئيسي من الاتفاقيتين في أن للصين حق الرفض الأوّلي لجميع مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات التي ستطرح في العراق طوال مدة الصفقة، وأن تتمتع بخصم بنسبة 30 في المئة على الأقل على جميع موارد الطاقة التي تشتريها. ويشمل جزء رئيسي آخر من الاتفاقية الإطارية بين العراق والصين السماح لبكين ببناء مصانع في جميع أنحاء البلاد، مع ما يتبع ذلك من بنية تحتية داعمة.
ويشمل ذلك (وهذا هو العامل الأهم) خطوط السكك الحديد التابعة لمبادرة الحزام والطريق التي يشرف عليها موظفو الشركات الصينية الموجودة في العراق. وسيمكن إنجاز البنية التحتية للسكك الحديد في العراق بعد الانتهاء من الشبكة في إيران، وقد انطلق المشروع جديا في أواخر 2020 بعقد كهربة خط السكة الحديد الرئيسي الذي يبلغ طوله 900 كيلومتر والذي يربط طهران بمدينة مشهد الشمالية الشرقية.
كما تشمل الخطط إنشاء خط قطار فائق السرعة بين طهران وقم وأصفهان وتوسيع هذه الشبكة المطورة حتى الشمال الغربي عبر تبريز التي تجمع العديد من المواقع الرئيسية المرتبطة بالنفط والغاز والبتروكيماويات، ونقطة انطلاق خط أنابيب الغاز تبريز – أنقرة المحوري لطريق الحرير الجديد الذي يبلغ طوله 2300 كيلومتر والذي يربط أورومتشي (عاصمة سنجان) بطهران، وسيربط كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر تركيا. ونظرا إلى حجم البنية التحتية المخطط لها ونطاق تطويرها المحتمل، سيكون تواجد أفراد “الأمن” الصينيين مكثفا في المشاريع الرئيسية في جميع أنحاء العراق، حسبما صرح المصدر العراقي لموقع أويل برايس.
وسيُدعم هؤلاء بأفراد الأمن المرتبطين بالشركات الإيرانية التي ستشارك أيضا في المشاريع الصينية – العراقية، وخاصة تلك التابعة لمؤسسة خاتم الأنبياء التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني. ويبقى الحرس الثوري الإيراني الحامي الرئيسي لأفكار ثورة 1979 الإسلامية في إيران، ويحقق رسالتها إلى حد كبير من خلال التمويل والتدريب والدعم اللوجستي الذي يوفره للميليشيات الوكيلة المتعددة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حماس في فلسطين، وحزب الله في لبنان.
وسيمكّن الوجود المكثف للشركات الإيرانية ذات العدد الكبير من أفراد قوات الحرس الثوري الإيراني في العراق (مثل خاتم الأنبياء) إيران من متابعة خطتها طويلة الأمد لبناء “جسر بري” ذي أهمية إستراتيجية إلى ساحل البحر المتوسط في سوريا. وسيتوجه موظفون إضافيون إلى جميع مواقع تطوير البنية التحتية الرئيسية في العراق من شركة روسوبورونيكسبورت الروسية المملوكة للدولة التي تحتكر تصدير جميع المنتجات والخدمات والتقنيات العسكرية ومزدوجة الاستخدام.
وتقدمت خطط روسيا طويلة المدى للسيطرة على العراق الموحد (بما يشمل منطقة كردستان التي تتمتع حاليا بشبه حكم ذاتي في الشمال) في مجال السياسة الخارجية خلال الأسابيع الماضية. وشهد 11 أكتوبر الماضي لقاء رئيس الوزراء العراقي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو لمناقشة تطوير قطاع النفط العراقي ووجود شركات النفط الروسية فيه. ووفقا للمصدر الذي يعمل مع وزارة النفط العراقية، شملت المناقشات أيضا مستقبل صادرات النفط من كردستان إلى تركيا، حيث تلعب فيها شركة روسنفت النفطية الروسية العملاقة دورا رئيسيا بسبب سيطرتها الفعالة على جزء كبير من قطاع النفط الكردستاني.
والتقى وزير النفط العراقي حيان عبدالغني بعد ثلاثة أيام مع الرئيس التنفيذي لشركة النفط الروسية “غازبروم نفت” ألكسندر ديوكوف لمناقشة مشاريع النفط والغاز المستقبلية في شمال العراق وجنوبه.
وسيطرت روسيا على قطاع النفط في منطقة كردستان الواقعة شمال العراق خلال 2017 لأربعة أسباب رئيسية. أولها تمتع الإقليم باحتياطيات كبيرة من النفط والغاز. ثانيا، ستسمح علاقته المتوترة ببقية العراق، الذي تديره الحكومة في بغداد، لروسيا بلعب دور الوسيط بين شطري البلاد، مما يمنحها نفوذا على كلا الجانبين. ثالثا، يمكن استغلال هذا النفوذ لتوسيع قبضة موسكو على جنوب العراق الذي تشمل أراضيه المزيد من احتياطيات النفط والغاز. ورابعا، ستمكن هذه الخطط روسيا من إحباط أيّ جهود تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها لإعادة بناء نفوذهم في البلاد.
ولاقت هذه النقطة الأخيرة المزيد من الصدى بعد استئناف اتفاق العلاقة في مارس بين إيران (الراعي الإقليمي الرئيسي للعراق) والمملكة العربية السعودية بوساطة صينية. وقال مصدر مختص في أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي حينها إن مسؤولا رفيع المستوى من الكرملين أخبر إيران أنه “بإبقاء الغرب بعيدا عن صفقات الطاقة في العراق وتقريب بغداد إلى المحور الإيراني – السعودي الجديد، ستصبح نهاية الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط الفصل الحاسم في الزوال النهائي للغرب”.
وأضاف “مع الاتفاق الإيراني – السعودي، حان موعد الجزء الأخير من تحرك روسيا مع الصين لتأمين منطقة الشرق الأوسط بأكملها. ويعدّ العراق الموحد عنصرا أساسيا في هذا النهج”. وبينما يبدو مستقبل الإمدادات النفطية المستقلة من إقليم كردستان العراق محفوفا بالمخاطر، تتحرك روسيا بثبات في المراحل الأخيرة من خطتها في العراق، وهو ما أبرزته المناقشات الجادة التي نظمتها على مدار الأسبوعين الماضيين بهدف زيادة وجودها في حقول النفط في البلاد.
ويكمن الاختبار الحقيقي لكلا الجانبين في هذا الصدد في أن روسيا أحدثت أخيرا زيادة كبيرة في إنتاج النفط من حقل غرب القرنة 2 العملاق في العراق. وأشارت وزارة النفط العراقية إلى هذا الحقل وحقل الرميلة العملاق مؤخرا على أنهما حيويان لخطة البلاد الرامية لزيادة طاقتها الإنتاجية النفطية إلى حوالي 8 ملايين برميل يوميا في 2028.
ويقع غرب القرنة 1 على بعد حوالي 65 كيلومترا من مركز البصرة النفطي جنوب العراق، وبه جزء كبير من الاحتياطيات القابلة للاسترداد المقدرة بـ43 مليار برميل، مما يجعله واحدا من أكبر حقول النفط في العالم. وتقدّر احتياطيات النفط القابلة للاستخراج في غرب القرنة 2 بحوالي 13 مليار برميل. وتستفيد المنطقة، مثل معظم الحقول الكبيرة في العراق (وإيران والمملكة العربية السعودية)، من ضآلة تكاليف الاستخراج في العالم، بمعدل يتراوح بين دولار واحد ودولارين فقط لكل برميل.