أخبار
تكثيف التواجد العسكري الأميركي لمنْع حدوث مفاجآت إقليمية في الشرق الأوسط
تريد الولايات المتحدة تجنب حدوث مفاجآت عسكرية غير سارة لها في منطقة الشرق الأوسط، وتعمل على عدم ترك أيّ هامش للصدفة من شأنه أن يؤدي إلى انحراف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عن مسارها الثنائي مع حماس؛ حيث عملت الإدارة الأميركية منذ اليوم الأول على تكثيف تواجدها العسكري وتوفير دعم مادي ومعنوي لإسرائيل، وردع من يفكرون في الإضرار بمصالحها أو خلق أمر واقع في المنطقة.
واستهدفت واشنطن ضبط سلوك إيران وحزب الله كخصمين ظاهرين لها، لكن لتلك الخطوة نتيجة عرضية مهمة تتمثل في قطع الطريق على روسيا ومنع تمددها في المنطقة، برا وبحرا، في إطار صراع دولي محتدم مع الولايات المتحدة للسيطرة على مناطق مختلفة في العالم.
وشعرت الإدارة الأميركية بأن حرب غزة يمكن أن تخرج عن إطارها المحدود بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، حيث تكررت ست مرات خلال السنوات الماضية وتم تطويقها بمعرفة ووساطات قوى إقليمية، لكن هذه المرة تحمل واشنطن على عاتقها حملا ثقيلا يتعلق بسد المنافذ التي تردع دخول أطراف أخرى وتوسيع نطاق الحرب.
ولم تكتف واشنطن بإطلاق تحذيرات شفوية رادعة منذ اندلاع الحرب، وإنما اتخذت أيضا إجراءات عملياتية عديدة وغير مسبوقة في المنطقة، حيث تعلم أن الرد الإسرائيلي مزلزل وأنها شريك مهم في دعمه عسكريا وسياسيا ولأبعد مدى.
وأعلنت الولايات المتحدة الاثنين عن وصول أكبر غواصاتها إلى شرق البحر المتوسط، من طراز أوهايو، وهي من الغواصات الضخمة التي تستخدم للردع النووي، وقادرة على إطلاق الصواريخ البالستية وصواريخ كروز.
وتستطيع كل غواصة من هذا النوع حمل 24 صاروخ ترايدنت النووي، وأسلحة تقليدية متباينة، وصممت للعمليات السرية والقتال تحت الماء، وتملك قدرة للبقاء تحته تصل إلى ثلاثة أشهر، ما يشير إلى امتلاكها مزايا قتالية نوعية تثمنها إسرائيل.
والاثنين قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيخت “دائما تكون أنباء جيدة أن نرى أن الأميركيين يدفعون بالمزيد من الأصول.. وأن الخطوة نوع من الردع ومظهر للاستقرار في المنطقة”.
ويؤكد وجود هذه القوات الضخمة ارتفاع معدل الاستنفار في منطقة الشرق الأوسط، منذ القيام بعملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي، وأن الحرب على غزة يمكن أن تستمر فترة طويلة وقد يصعب توقع مساراتها.
ومن غير المستبعد أن تشارك فيها أطراف أخرى أو تسعى بعض القوى الطامحة والطامعة لاستثمارها إلى أقصى حد، وتوظيف التركيز الإسرائيلي – الأميركي عليها، وذلك لتحقيق مكاسب إقليمية على هامش هذه الحرب المدمرة.
ولفت اعتراف واشنطن بموقع غواصة نووية انتباه بعض الجهات المتابعة للسلوك الأميركي في مثل هذه الحالات، والذي يعد أمرا نادرا للغاية، لأن مغزى الغواصة جزء مما يسمى في الأدبيات العسكرية بـ”الثالوث النووي” للأسلحة الذرية، ويتضمن صواريخ باليستية أرضية وقنابل نووية على متن قاذفات إستراتيجية.
واعتبرت شبكة “سي أن أن” الأميركية الإعلان النادر عن الغواصة رسالة ردع موجهة بوضوح إلى الخصوم الإقليميين، وعلى رأسهم إيران ووكلاؤها في المنطقة.
وبعثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رسائل صارمة إلى كل من إيران وحزب الله وأنصارهما، عبر العراق وتركيا، تؤكد أن واشنطن لن تتوانى عن التدخل إذا شن أحدهما أو كلاهما هجمات ضد إسرائيل.
وينطوي التحرك العسكري الكبير على مخاوف من احتمال توسع المواجهات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية وانتقالها إلى حرب إقليمية واسعة، قد تتدخل فيها قوى من المنطقة، وربما قوى دولية، قسرا أو طواعية، لأن الاستعدادات التي أبدتها واشنطن تتجاوز غزة، وتتحسب لمشاركة حزب الله وميليشيات مسلحة تدور في فلك إيران.
ويقول مراقبون إن التوجه الأميركي إلى المنطقة بهذه الكثافة العسكرية يرمي إلى انتهاز فرصة إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط بعدما تخلت واشنطن عن جزء معتبر من نفوذها، وهو ما سمح لروسيا بالتمترس في الأراضي والسواحل السورية وتمكنها من التأثير في بعض التوازنات الرئيسية في المنطقة، ومراقبة ما سوف تسفر عنه الحرب في غزة، فقد تخرج منها واشنطن منهكة سياسيا.
ويضيف المراقبون أن الولايات المتحدة تريد عدم الوصول إلى هذه المرحلة الدقيقة، فهي تعلم أن تضامنها اللامحدود مع إسرائيل سيثير هواجس لدى بعض الدول وقد يتم التفكير في القيام بأعمال مسلحة تشتت انتباه الجيش الإسرائيلي، وعلى واشنطن اتخاذ ما يلزم من المقاربات العسكرية وإظهار الجاهزية والحزم والاستعداد بشكل لا يقبل التشكيك.
وأشار المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء عادل العمدة إلى أن كثافة الحضور العسكري ترجع إلى تخوف الولايات المتحدة من اتساع دائرة الصراع من خلال أذرع إيران في اليمن والعراق ولبنان. ولأن واشنطن تدرك أن جرائم الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين تقود إلى حالة غضب عربي عارم ضدها، فإنه يتحتم عليها امتلاك تقديرات واضحة للتعامل مع هذا الأمر.
وذكر في تصريح خاص لـ”العرب” أن “وجود حاملات الطائرات والغواصات رسالة ردع أيضا موجهة إلى روسيا، تفيد بأن الولايات المتحدة قادرة على الرد بشكل سريع، وأن لديها حسابات دقيقة بشأن إطالة أمد الصراع أو دخول أطراف دولية، ومستعدة للاشتباك إذا اقتضى الأمر، لأن حاملات الطائرات تبقى جاهزة للتدخل في أي لحظة”.
وانضمت الغواصة أوهايو إلى حاملتيْ الطائرات دوايت آيزنهاور وجيرالد فورد ومجموعة السفن الحربية التابعة لهما، وقد نشرهما الجيش الأميركي في المنطقة.
ويهدف وجود حاملات طائرات وغواصات نووية في المنطقة أيضا إلى الاستعداد لحماية القواعد العسكرية الأميركية هناك، والتحضير لأي تدخل جديد تقتضيه الظروف، لأن واشنطن ليست في وارد ترك التطورات لسياقاتها دون تدخل حاسم يضمن لها أن تكون لها اليد الطولى ومنع أي جهة من إرباك حساباتها الإستراتيجية في المنطقة.