شؤون العرب والخليج
المعارضة المصرية تغطي على إخفاقها بمقاطعة الانتخابات الرئاسية
عكست مقاطعة الحركة المدنية الديمقراطية في مصر، التي تمثل المعارضة للانتخابات الرئاسية المقررة في ديسمبر المقبل، انقساما تعيشه القوى السياسية، وعدم قدرتها على الالتفاف حول رؤية واحدة تجاه الاستحقاق الرئاسي.
وقررت تسعة أحزاب معارضة من بين اثني عشر حزبا تمثل الحركة المدنية مقاطعة الانتخابات الرئاسية، مؤكدة أن الحركة ليس لها مرشح ولن تدعم اسما بعينه ممن يخوضون المنافسة، على الرغم من ترشح فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وهو أحد أحزاب المعارضة المنضوية تحت الحركة المدنية.
وبرر بيان للحركة مقاطعة الانتخابات بأن الفترة الماضية “شهدت جملة من الانتهاكات، صاحبت إجراءات الترشح وأهدرت ضمانات الحيدة وأبسط قواعد المنافسة، ما جعل الانتخابات أقرب إلى استفتاء مقنّع في عملية مهندسة بتدخل سافر من أجهزة الدولة”.
وأعربت أحزاب الحركة المدنية، وعدد من الشخصيات العامة الموقعة على البيان، عن الأسف البالغ لإهدار فرصة تغيير ديمقراطي آمن يفتح للشعب أبواب الأمل ويحقق رغبته في تغيير سياسات أفضت إلى “أزمة عميقة تكرس اليأس وتهدد بالانفجار”.
ووقع على بيان المقاطعة أحزاب: التحالف الشعبي الاشتراكي، الاشتراكي المصري، الدستور، الشيوعي المصري، العيش والحرية، العربي الديمقراطي الناصري، الكرامة، المحافظون، الوفاق القومي، ومن الشخصيات السياسية: حمدين صباحي، سمير عليش، عبدالجليل مصطفى، علاء الخيام، فاطمة خفاجي، مصطفي كامل السيد.
واستثمرت جماعة الإخوان بيان الحركة سياسيا، ودخل إعلامها على الخط محتفيا بموقف المعارضة، ما وضع الحركة المدنية في مأزق جعلها تتعرض لانتقادات أنها اختارت توقيتا سياسيا خاطئا للقفز على المشهد في مرحلة يفترض أن تتوحد فيه القوى الوطنية خلف الدولة لمواجهة التحديات المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفسّرت دوائر سياسية موقف الحركة المدنية من الانتخابات الرئاسية بأنها محاولة لإنهاك النظام معنويا، وتعويض إخفاقها في الدفع بمرشح قوي لتغيير قواعد اللعبة، في مواجهة الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أصبح مدعوما شعبيا على وقع تصاعد التحديات.
ولم تقدم المعارضة تفسيرا لأسباب التخلي عن دعم المرشح الرئاسي فريد زهران، مع أنه الوحيد الذي يمثل المعارضة الحقيقية، وهذه كانت فرصة ثمينة للالتفاف حوله ومساعدته في خوض منافسة أمام السيسي.
وانتقدت أحزاب أخرى موقف الحركة المدنية من منطلق أن المرحلة الراهنة تتطلب الاصطفاف الوطني والدفاع عن التغيير السلمي الديمقراطي بشكل قانوني، لا من خلال المقاطعة لتحقيق مكاسب سياسية بعيدة عن متطلبات العمل الحزبي.
وعقّب طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين (عضو الحركة المدنية) بأن الاصطفاف الوطني لا يكون في قضية انتخابية تفتقد النزاهة والشفافية، وموقف المعارضة واضح ومعلن بتأييد النظام في معركة الحفاظ على الأمن القومي ورفض خلط الأوراق.
وقال لـ”العرب” إن غالبية أحزاب الحركة المدنية قررت ألاّ تدعم مرشحا بعينه، وباتت بعيدة عن العملية الانتخابية، لأن النظام لم يستجب لمطالب المعارضة لعقد انتخابات نزيهة، ويُسمح فيها بحرية الحركة والترشح لأيّ شخص.
وتجاهلت الحكومة محاولات إنهاك السلطة بخطاب ليس بجديد من قوى المعارضة، من منطلق أن النظام ليس في حاجة إلى تزوير الانتخابات لأن السيسي ضمن النجاح مسبقا لشعبيته وضعف منافسيه، وانسحاب المعارضة هو محاولة للتغطية على إخفاقها.
واستنكرت الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي فريد زهران موقف الحركة المدنية بعد أن أعلنت سابقا أنها ستدعم المرشح الذي ينجح في جمع توكيلات الترشح طالما تتوافق رؤيته وأفكاره وبرامجه مع توجهات الأحزاب المعارضة.
وما يعزز انقسام المعارضة أن الناطق باسم الحركة المدنية خالد داوود خرج بتصريحات قال فيها “تسعة أحزاب قررت المقاطعة، وهذا لا يعني أن الحركة كلها ستقاطع الانتخابات، وكل حزب حر في قراره، ولا يوجد إجماع نهائي بالمقاطعة”.
ويعتقد مراقبون أن عدم اكتراث النظام المصري بموقف الحركة المدنية مرتبط بتراجع اهتمام الشارع بالانتخابات الرئاسية، وليس على مستوى المرشحين أو برامجهم أو حتى من قرروا المقاطعة، حيث تستحوذ الظروف المعيشية الصعبة وحرب غزة على جزء كبير من اهتمامات الناس بمختلف طبقاتهم الاجتماعية.
ويقول هؤلاء المراقبون إن المعارضة اعتادت اختيار التوقيت السياسي الخاطئ في مناكفة السلطة، لذلك لا تحظى بتعاطف شعبي لأن أغلب مطالبها تتعلق بقضايا ومصالح سياسية ليست من صميم اهتمام غالبية المواطنين وقت التحديات الاقتصادية، وهو ما يجعل السلطة تتعامل معها بصمت أقرب إلى التجاهل.
ويشير الواقع السياسي في مصر إلى أن موقف الحركة المدنية من مقاطعة الانتخابات تم تأسيسه على إحالة المعارض أحمد الطنطاوي رئيس حزب الكرامة السابق وعدد من مساعديه للمحاكمة بتهمة تزوير توكيلات الترشح للانتخابات، مع أنه ارتكب مخالفة بجمع توقيعات من المواطنين على توكيلات ليست تابعة لهيئة الانتخابات.
وانقلبت الحركة على الطنطاوي لأنه روّج لخطاب سياسي يتناغم ضمنيا مع جماعة الإخوان، واستنكرت مواقفه في أكثر من مناسبة وتبرأت من تصريحاته حول التصالح مع التنظيم، لكنها عادت أخيرا لتطالب بالإفراج الفوري عنه وغلق القضية بدعوى أنها “محاولة متعمدة لاستهدافه معنويا وسياسيا”.
ويعبّر موقف المعارضة عن أزمة يعاني منها الكثير من الكيانات السياسية المعارضة، ترتبط بمحاولة تصدير إخفاقها للحكومة دون أن تعمل على التوحد حول هدف يتعلق بتقوية القواعد الشعبية لخوض الاستحقاقات الانتخابية والوقوف على أرض صلبة.
ودافع أمين عام حزب المحافظين طلعت خليل عن المعارضة بقوله إن النظام لم يترك للحركة المدنية خيارات للتعبير عن رأيها بشفافية عبر صناديق الاقتراع، وهناك دوائر تعمدت إقصاء بعض الأسماء من المشهد الانتخابي، وهو ما يرفضه الشارع، وكان لا بد من وقفة طالما أن هناك اصطفافا من أجهزة الدولة لترتيب الانتخابات بطريقة معينة.
واعتادت المعارضة استنزاف جهودها في مناكفة السلطة أكثر من تقوية قواعدها، لكن هذا التوجه نجح أحيانا في رفع جزء من القيود المفروضة على الحريات السياسية في البلاد، ومع ذلك سوف تظل المعضلة في عدم استثمار المعارضة للفرص التي تقدمها الدولة وتصر على مضايقتها سياسيا بطريقة العين بالعين.
ومن المستبعد رضوخ النظام لمطالب الحركة المدنية أو تليين موقفه لدفعها للمشاركة في الانتخابات لإدراكه أن هناك ملفات أهم مرتبطة بمواجهة التحديات الأمنية، لكن من الضروري أن يفرّق بين مطالب مطروحة على لسان الناس في الشارع، بينها ضمانة انتخابات رئاسية نزيهة، وبين خطاب شعبوي خشن تعتمد عليه المعارضة لدفع السلطة نحو التعامل بجدية مع الإصلاحات السياسية.