شؤون العرب والخليج

النجاح النسبي لسياسة التعويل على الذات في تونس يشجع على الاستمرار

على الطريق الصحيح

تونس

يقرّ بعض المراقبين وخبراء الاقتصاد في تونس بإمكانية التعويل على الذات في تجاوز الأزمات المالية والاقتصادية، وذلك بالاعتماد على جملة من الإجراءات الموجعة والإصلاحات الهيكلية لمختلف المؤسسات.

ويقول هؤلاء إن بوادر التعويل على الذات ظهرت في عدة ملفات من بينها وجود إستراتيجية اعتمدتها السلطة لوقف نزيف الاقتراض الخارجي، وقطع أشواط مهمة في تجنب المزيد من ارتهان الدولة إلى الجهات الدولية المانحة، باتباع سياسة مالية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المالية والاقتصادية للبلاد.

وقلّصت تونس من الاقتراض الخارجي وسددت نسبة 75 في المئة من قيمة ديونها، كما دعّمت ذلك بزيادة شروط التفاوض مع الجهات الدولية المانحة بتعبير الرئيس قيس سعيد عن رفضه التخلي الكامل عن منظومة الدعم في البلاد، نظرا لانعكاساتها السلبية على السلم الاجتماعي، وتداعياتها على الجانب المعيشي للتونسيين.

ورفض الرئيس سعيد خصخصة المؤسسات العمومية كمكسب وطني عملت الحكومات المتعاقبة على التفريط فيه، وشدّد على احترام هذه الشروط في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

 وسجلت تونس تحسّنا ملحوظا في تقليص منظومة الدعم من 11.8 مليار دينار (3.79 مليار دولار) إلى أكثر من 8 مليارات دينار (2.57 مليار دولار) خلال الفترة الأخيرة.

كما حسّنت السلطة من مستوى خطابها الدبلوماسي وعلاقاتها الخارجية في علاقة بملف الهجرة غير النظامية وما رافقه من جدل ومفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وتجسّدت خصوصا في مواقف وزير الخارجية نبيل عمّار الذي أقر بأن “الوضع صعب إلا أن الأزمة التي تعيشها البلاد ناجمة عن الحوكمة السيئة من جانب الطبقة السياسية السابقة”، كما أكد في وقت سابق أنّ “تونس لم تقصّر في التعاطي مع المهاجرين وأنّه ليس هناك دروس يمكن أن نتلقاها في التعامل الإنساني”.

وقال الخبير في الاقتصاد والمسؤول عن الدراسات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبدالجليل البدوي إن سنة 2023 “أثبتت أن الاعتماد على الذات ممكن، ولو بصعوبة، ومواصلة العمل وفق هذا المنهج تتطلب إجراءات جريئة وإصلاحات هامّة”.

ولفت البدوي خلال ندوة صحفية انتظمت بمقر نقابة الصحافيين لتقديم “قراءة نقدية لمشروع قانون المالية لسنة 2024″، إلى أنّ الاقتصاد التونسي قد تمكن من سداد 81 في المئة من إجمالي خدمة الدين الخارجي التي حلت آجال سدادها إلى موفى أكتوبر الماضي، رغم صعوبة خروج تونس إلى السوق المالية الدولية، نظرا لعدم حصول اتفاق مع صندوق النقد الدولي والحصار “الجائر” من قبله، بالخصوص، ومن طرف مجموعة دوفيل، عموما.

كما تمكنت تونس، وفق البدوي، من الإيفاء بتعهداتها الداخلية المتمثلة في تسديد الرواتب في آجالها ومنح التقاعد وتوفير كل المواد الأساسية رغم صعوبة تحقيق التزويد بانتظام وبدون انقطاعات ظرفية، وتواصل إسداء الخدمات الاجتماعية الأساسية من صحة وتعليم ونقل وإن كان ذلك على حساب الجودة.

واعتبر أن “هذه الحصيلة قد ميزت سنة 2023، وبيّنت أن الاعتماد على الذات رغم الصعوبات، يمثّل منهجا قابلا للتحقيق ويجب تطبيقه وباستمرار، قصد التحكم في المسار التنموي وتوجيهه طبقا للخيارات والحاجيات والطموحات الوطنية وليس طبقا لإملاءات وشروط الجهات الأجنبية الحريصة على خدمة مصالحها الآنية تحت غطاء الشراكة والتعاون في إطار اتفاقيات ومعاهدات مكرسة لعلاقات الهيمنة والابتزاز واستعمال المديونية كوسيلة ضغط لتحقيق الأهداف”.

كما حث الخبير الاقتصادي على التمسّك بالاعتماد على الذات في إطار تمشٍّ تنموي إرادي والعمل الجاد على إقامة اندماج إقليمي أفقي يمكن من تحسين القدرة التفاوضية مع بلدان الشمال ومن فرض اعتبار المصالح المشتركة وإقامة علاقات تعاون مثمرة لكل الأطراف.

في المقابل يرى خبراء اقتصاد أن توجه التعويل على الذات مازال منقوصا شريطة اعتماد مقاربات اقتصادية ومالية جديدة، من بينها توفير الأموال الممكنة وتشجيع الاستثمار الخارجي وتجاوز عجز الميزانية.

وأفاد الخبير المالي والمصرفي محمد صالح الجنادي في تصريح لـ”العرب” بأن “التعويل على الذات يتطلب تحفيزا إضافيا لخلق النمو، وهناك تعويل على الذات في خلاص الدين الخارجي بأكثر من 75 في المئة، فضلا عن وجود ندية في التعامل مع ملف الهجرة المعقد مع الاتحاد الأوروبي”.

وتجمع الأوساط السياسية والحقوقية على أن تونس أصبحت تسترجع تدريجيا سيادتها الوطنية في صناعة القرار الداخلي، حيث يكرّر الرئيس سعيّد مرارا ضرورة “احترام السيادة الوطنية وأنه لا وصاية لأحد على تونس” بعد سنوات من الارتهان الخارجي كرّسته منظومة الأحزاب والولاءات السياسية للتمكّن من السلطة.

وقال الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري إن “الكل يريد فك الارتباط الخارجي في علاقة بالمسألة السياسية والدبلوماسية والموقف الواضح من القضايا الإقليمية والدولية”.

وأضاف لـ”العرب” أن “هناك توجها بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021 نحو بلورة مواقف خاصة وليس بالوصاية، والتعويل على الذات يبدأ باستقلالية القرار السياسي واحترام السيادة الوطنية”.

ولفت العياري إلى أن “فكرة التعويل على الذات تنطلق من قرار سياسي، ومنذ أن تولى نبيل عمار الإشراف على وزارة الخارجية في تونس، كرست السلطة سياسة التعويل على الذات، ورأينا ندية في التعامل مع ملف الهجرة غير النظامية مع أوروبا وتعاملت تونس مع الملف بمنطق حقوقي وإنساني”.

وعكست تصريحات وزير الخارجية في أكتوبر الماضي استياء من أسلوب التعاطي الأوروبي مع تونس في ملف الهجرة الذي لا يتقيد بمقتضيات الاحترام المتبادل والقواعد المتعارف عليها في العلاقات الدولية بتوخيه منطق التعالي والوصاية على تونس، إلى جانب سعيه لتوظيف ورقة المساعدات للمساومة بربطها بوجوب البقاء في منظومة اقتصاد السوق من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مع تكرار تدخله في الشؤون الداخلية التونسية بخصوص أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان فضلا عن الربط بين هذه الملفات وقضية التطبيع مع إسرائيل.

قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد النظام: خطوة ضرورية كان يجب اتخاذها في وقت أقرب


إعدام ما لا يقل عن 145 سجينا، من بينهم ثلاث نساء، خلال شهر في إيران


مريم رجوي في البرلمان الأوروبي: إسقاط النظام والتغيير الديمقراطي في إيران ممكنٌ بالاعتماد على الشعب الإيراني ومقاومته


الاتحاد الأوروبي يعبرقلقه من الوضع “المتدهور” لحقوق الإنسان في إيران