شؤون العرب والخليج
تبون ي
الجزائر تراهن على تدارك الوضع الاقتصادي قبل عام من الانتخابات الرئاسية
وجّه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بوصلة حكومته إلى التفرغ لتحريك عجلة التنمية الاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بإصلاح النظام المصرفي، وفتح رأسمال بنكين عموميين على الاستثمار الخاص والعمومي، على أمل استقطاب السيولة النقدية الناشطة خارج القنوات العادية، والمقدرة بحسب تصريحات رسمية بنحو 90 مليار دولار.
ويبدو أن الرئيس تبون دخل في سباق مع الزمن لتفعيل القطاع الاقتصادي، لما يمثله من أهداف في برنامجه الذي تعهد به لأنصاره في انتخابات 2019، ولكونه أساس الاستقرار الاجتماعي في البلاد خاصة بعد الأضرار التي تراكمت عليه منذ جائحة كورونا وتذبذب أسعار الطاقة.
ويريد الفريق الرئاسي بحكومة تبون وطاقمه الاستشاري ربح معركة الأشهر المتبقية من عمر الولاية الرئاسية لتحقيق نتائج ملموسة تقنع الشارع الجزائري بالالتفاف حول ولاية ثانية، لم يعلن عنها تبون بشكل صريح، لكن المؤشرات الواردة من محيطه توحي بأنه يطمح بشدة للتجديد لنفسه في استحقاق نهاية العام المقبل.
وأفاد بيان مجلس الوزراء، بأن الرئيس تبون، أكد على أن “إصلاح المنظومة البنكية يجب أن يكون ضمن تصور جديد وشامل ومتكامل، يستقطب الأموال خارج المسار البنكي، لتكون سنة 2024 سنة الإصلاح البنكي العميق، وأن عملية فتح رأسمال البنكين العموميين، القرض الشعبي الجزائري وبنك التنمية المحلية، يجب أن تراعي طرق التسيير الحديثة، كون العملية تهدف إلى إشراك القطاع الخاص في تسيير هذه المؤسسات المالية الهامة، واتخاذ القرار الاقتصادي وخلق جو تنافسي، يعود بالمنفعة على مواطنينا من زبائن البنوك”.
كما وجه حكومته إلى “إرجاء المصادقة على مشروع القانون قصد المزيد من الإثراء وإشراك المختصين والخبراء، تحضيرا لفتح المجال أمام المتعامل الجزائري في النشاط المنجمي، خاصة وأن البلاد تشهد ديناميكية في النسيج الصناعي الجديد، وهو قادر على استغلال هذه الثروة ورفع مردوديتها ضمن عجلة التنمية الوطنية”.
وأمر بـ “إدخال المزيد من التسهيلات ضمن نظام عمل الوكالة المتخصصة في منح العقار الصناعي، بعيدا عن كل التعقيدات الإدارية والبيروقراطية، بهدف محاربة الفساد وتسهيل مهام المتعاملين الاقتصاديين، على أن يكون ضمن مهام الوكالة الوطنية الجديدة للاستثمار، توفير الجيوب العقارية، سواء كان مصدرها القطاع الخاص أو العمومي، والمحافظة عليها وتسييرها ضمن رؤية ذات جدوى اقتصادية حقيقية تسرّع الاستثمار”.
وصرّح المفوض العام لجمعية البنوك والمؤسسات المالية رشيد بلعيد، بأن ” توجيهات رئيس الجمهورية بفتح رأسمال البنكين العموميين سيحسن من كفاءة تسيير القطاع البنكي وحوكمة إدارته، من خلال القانون الأساسي الجديد للمؤسسة البنكية الذي يسمح باللجوء الى الدعوة العامة للادخار عبر بورصة الجزائر، ويخضع البنك لإلزامية الافصاح عن المعلومات المالية العامة للبنك، بما أن الدخول إلى السوق المالي يقتضي تكريس مبدأ الشفافية”.
وأضاف “الشفافية تسهم في خلق مناخ من الثقة من جانب المستثمرين تجاه السوق من خلال دخول بنكين يتمتعان بصحة مالية معتبرة، وأن اللجوء إلى السوق المالية يسمح للمستثمرين العموميين أو الخواص والأفراد وشركات تأمين.. وغيرها، بالمشاركة في العملية التي من شأنها تحسين الأداء والحوكمة وإعطاء دفع للتنافسية في السوق بما يعود بالفائدة على زبائن البنوك”.
ويعتبر القطاع المصرفي في الجزائر من أبرز الخدمات التي عرقلت ظهور نشاط مالي واقتصادي عصري في البلاد، بسبب عدم تحيينه منذ نشأته الأولى في سنوات الاستقلال وإبّان حقبة الاقتصاد الموجه، ولذلك ستأخذ حكومة نذير العرباوي على عاتقها مهمة الشروع في إصلاح المنظومة، من أجل مواكبة طموحها في تحريك عجلة الاقتصاد والاستثمار في البلاد، خاصة وأن غالبية المصارف تتمتع بوضع مالي مريح.
وكان الرئيس الجزائري قد قال لوسائل إعلام محلية بأن ثلثي تعهداته الـ54 قد تحققت، وإن البقية سيتم تجسيدها في ما تبقى من عمر الولاية الرئاسية، غير أن سرديات الخطاب الرسمي لا تتوافق أحيانا مع معطيات الواقع، خاصة في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، فالأريحية المالية المحققة منذ بداية الأزمة الأوكرانية بسبب ارتفاع أسعار النفط لم تظهر آثارها في الحياة العامة للمواطنين، لاسيما في ما يتعلق بالشغل والخدمات والبنى التحتية.
ويبقى الدوران اللازم لعجلة الاقتصاد والتنمية المحلية هو الضامن الوحيد لتحقيق نقاط ضرورية في سلّم الشعبية، على اعتبار أن تبون سيتقدم الى المعترك الرئاسي القادم بحصيلته التي ستكسبه التفاف الشارع أو تجعله ينفر منه لمرشحين آخرين، ولو أن المعطيات الأولية تشير إلى حظوته المتقدمة، خاصة في ظل عدم بروز أيّ شخصية قادرة على منافسته.
ومع ذلك تبقى المسألة غير محسومة، فقد سبق له أن صرح لمّا سئل عن طموحه السياسي “الأولوية الآن لتنفيذ التعهدات والالتزامات، وبعدها سيكون لكل حادث حديث”، في حين يلتزم قادة أحزاب وشخصيات مستقلة الصمت، حيث لم يبد أيّ واحد منهم رغبته في خوض الاستحقاق، مما يؤكد غموض الرؤية وشح المعطيات لدى الفاعلين في الشأن السياسي.