تقارير وتحليلات
تقرير: بعد كلامه عن تجرّع السمّ.. هل يستعدّ خامنئي للاستسلام؟
خلاله احتفاله بالذكرى الأربعين للحرب الايرانية-العراقية، الأسبوع الماضي، أشاد المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي بقرار سلفه آية الله روح الله الخميني تجرّع "كأس السم"، أي القبول بالجمود بدلاً من النصر. فهل تكون هذه الإشادة تلميحاً من خامنئي إلى أنه يستعدّ للاستسلام أمام الضغوط التي تتعرّض لها طهران؟
تعلّم خامنئي من سلفه أن المرونة البطولية، هي وحدها القادرة على إنقاذ النظام من الانهيارشرح الباحث المتخصّص في الشؤون الإيرانية سعيد قاسمي نجاد، في مقال نشره "معهد الدفاع عن الديمقراطيات" أن طهران أطلقت على الحرب الايرانية-العراقية اسم "الدفاع المقدس"، حيث تبنّى الخميني شعار "الحرب، الحرب، حتى النصر"، مضيفاً أن عبارة "تجرّع كأس السم" كانت اعترافاً مؤلماً بوفاة مئات الآلاف من الايرانيين، والحرمان الشديد الذي عانته البلاد من دون أي مقابل.
ورجّح الكاتب أن تكون تصريحات خامنئي تلميحاً إلى أنه ربما يستعدّ للتجرّع من الكأس المسموم مرة أخرى من أجل إنقاذ النظام من الانهيار مع اقتراب اقتصاده مرة أخرى من حافة الهاوية"، معتبراً أن السمّ سيكون هذه المرة، هو تفكيك برنامج ايران النووي، وتنازلات أخرى لازمة لوضع حد للعقوبات".
وشرح نجاد أن حملة "الضغط الأقصى" التي شنّتها إدارة الرئيس دونالد ترامب ألحقت أضراراً فادحة بالاقتصاد الإيراني ومالية النظام الذي يشهد ركوداً اقتصادياً للسنة الثالثة على التوالي، مع انكماش بلغت نسبته 3.3 في المئة في الربع الأول، ومعدل تضخمّ سنوي بلغ نسبة 34.4٪، إضافة إلى الانهيار المستمرّ في قيمة الريال الإيراني مع تبخّر عائدات النفط، وتدهور البورصة، مع اجتياح فيروس "كورونا" المستجد البلاد، وسط غضب الايرانيين.
تراجع قيمة العملة
والاثنين الماضي، سجّل الريال الايراني أدنى مستوى له على الإطلاق في السوق السوداء، حيث تمّ تداوله عند مستوى 294.800 في مقابل الدولار. كما فقدت العملة الإيرانية أكثر من 70% من قيمتها، منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في مايو (أيار) 2018، بينما تُسجّل العملة اداءاً أفضل في سوق "نيما" الخاصّ بالمستوردين والمصدرين، حيث يجري تداولها عند 235.000 في مقابل الدولار. الأمر الذي يُوفّر مقياساً أفضل لمعرفة ما إذا كانت الدولة قادرة على تحمّل الواردات التي يعتمد عليها اقتصادها.
وعلى الرغم من ذلك، فقد الريال نصف قيمته خلال العام الماضي. ومع أن النظام لا يزال يحتفظ باحتياطيات من العملة الصعبة يمكنه استخدامها لسداد قيمة الواردات، إلا أن هذه الاحتياطات تتقلّص بسرعة. بالإضافة إلى ذلك، يُواصل البنك المركزي توزيع العملة الصعبة مع حسومات كبيرة للنخبة المستوردة للسلع الأساسية، بما يُمكّنهم من الاستفادة من بؤس الآخرين.
تضخّم
كما خفّضت العقوبات من قدرة النظام على الاعتماد على الدخل السنوي لصادرات النفط والذي يُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات. وبما أن صادرات إيران تُعتبر "غير شرعية" في الوقت الحالي، تسود حالة من "عدم اليقين" حول كمية النفط الخام الذي تبيعه طهران.
ومع ذلك، يشير تحليل لتقارير الموازنة العامة إلى أن 6% فقط من الإيرادات المتوقّعة من النفط قد تحقّقت في الربع الأول من السنة المالية الإيرانية الحالية. كما تراجعت الصادرات غير النفطية بشكل حاد أيضاً، ما أدى إلى اقتطاع مصدر رئيسي آخر للعملة الصعبة.
وشرح قاسمي نجاد أن أحد الجوانب "التي تُثير الحيرة" في الأزمة الاقتصادية الإيرانية، هو التضخّم السريع في بورصة طهران، على الرغم من نقاط الضعف الأساسية في السوق الايراني الذي يُعاني من الركود لعامه الثالث على التوالي.
ورأى أن السبب الذي يكمن وراء هذا التضخّم غير المتوقّع، هو "يأس المستثمرين الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، من إيداع مدخراتهم في أحد الأصول القليلة التي تعمل كأداة احتياطية في مواجهة التضخّم ومخاطر تدهور سعر الصرف".
وشرح أن المؤشر العام للسوق انخفض بنسبة 25% خلال الأسابيع الستة الماضية فقط، ما أثار المخاوف من أن يلوم المستثمرون الغاضبون النظام الايراني على هذه الفوضى، وخاصّة بعدما تعهّدت السلطات بضخّ الأموال من صندوق الثروة السيادي لتحقيق الاستقرار في البورصة.
غضب جماهيري متصاعد
واعتبر نجاد أن المرشد الأعلى "نجا" من موجتين واسعتي النطاق من الاحتجاجات على مدى السنوات الثلاث الماضية، مستفيداً من موجة "غير مسبوقة من قتل المتظاهرين على يد قوات الأمن، بينما يتموضع حلفاء ايران في العراق ولبنان في موقع دفاعي".
ورأى الكاتب أنه بعد أقلّ من عامين على إعادة فرض معظم العقوبات الأمريكية، يجد النظام الايراني نفسه أمام "طريق مسدود، حيث أن أربع سنوات أخرى من الضغط الأقصى، ستؤدي على الأرجح إلى نهاية النظام، خاصّة وأن الشعب الإيراني قد سئم من الانتهاكات المستمرة والفساد والتدين القسري، وبات ينادي بحكومة أكثر ديمقراطية وتسامحاً وصديقة للولايات المتحدة".
الانتخابات الرئاسية الأمريكية
واعتبر أنه "إذا خسر ترامب في الانتخابات الرئاسية، فقد تنضمّ الولايات المتحدة مجدداً إلى الاتفاق النووي، وبالتالي تعلَّق العقوبات ويمنح النظام الايراني فرصة جديدة للحياة، على الرغم من أن العقوبات المعمول بها تعني أن المستثمرين الدوليين سيتعاملون بحذر ويتريثون في عودتهم للاستثمار في إيران".
وختم أحمدي نجاد: "لقد تعلّم خامنئي من سلفه أن المرونة البطولية، هي وحدها القادرة على إنقاذ النظام من الانهيار، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الامريكية، قد يكون خامنئي يُمهّد الطريق للإعلان أن الوقت قد حان مرة أخرى للشرب من الكأس المسموم".