شؤون العرب والخليج
منظمة الأمم المتحدة ترى في مصر بيئة خطرة على النشطاء
السلطة المصرية للحقوقيين: لن نخفف قبضتنا لمجرد فوز بايدن
الأجهزة الأمنية تضرب بقوة وتعتقل ثلاثة مسؤولين في منظمة "المبادرة"
يبدو أن الحكومة المصرية أرادت التأكيد على أن سياستها في ملف حقوق الإنسان لن تتأثر بفوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، فأقدمت على توقيف ثلاثة مسؤولين من العاملين في هذا المجال، ورفضت الانصياع لضغوط تمارسها منظمات حقوقية دولية عليها لتغيير ممارساتها.
وقامت سلطات الأمن المصرية الخميس، بإلقاء القبض المدير التنفيذي لمنظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (غير حكومية) جاسر عبدالرازق، وهو ثالث مسؤول بها يتم توقيفه في غضون أيام قليلة، بعد كريم عنارة مدير وحدة العدالة الجنائية في المبادرة، ومديرها الإداري محمد بشير.
وربط مراقبون بين التوقيفات وزيارة أجراها 13 من السفراء المعتمدين في مصر إلى مقر المبادرة في القاهرة في 3 نوفمبر الجاري، نوقشت خلالها سبل دعم أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
ولم تتخذ القاهرة إجراءات التوقيف الأمني فور إتمام الزيارة، وأقدمت عليها بعد مضي نحو أسبوعين، وعقب التأكد من فوز بايدن بالرئاسة الأميركية كي توحي بتصميمها على عدم تغيير تصوراتها وإجراءاتها ممن تعتبر تصرفاتهم الحقوقية غير مشروعة، أو تستلزم المساءلة.
وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبس المسؤولين الثلاثة 15 يوما على ذمة القضية رقم 855 بتُهم “الانضمام إلى جماعة إرهابية، وإذاعة بيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن، والإضرار بالمصلحة العامة، واستخدام حساب على الإنترنت لنشر أخبار كاذبة”.
وتوقعت دوائر سياسية أن تبدي الحكومة المصرية ليونة كبيرة في ملف الحريات وحقوق الإنسان بعد نجاح المرشح الديمقراطي في الانتخابات الأميركية لطي الصفحة القاتمة السابقة بين واشنطن والقاهرة، حيث شهدت العلاقة بينهما خلال فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه بايدن شدّا كبيرا في هذا الملف.
وألمح جو بايدن خلال حملته الانتخابية إلى أنه “لا يوجد شيك على بياض” لتقبّل ممارسات سلبية في ملف حقوق الإنسان، في إشارة إلى القاهرة، وانتقد وقتها ما وصف بالمهادنة التي ظهرت خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب مع النظام المصري.
وأعربت وزارة الخارجية الأميركية قبل أيام عن قلقها العميق إزاء هذه التوقيفات، ولفت مكتب حقوق الإنسان بالوزارة في تغريدة على تويتر، إلى أن واشنطن تؤمن أنّه يجب أن يكون كلّ شخص قادرا على التعبير عن معتقداته بحرية.
وتوقع متابعون أن تواصل القاهرة سياساتها السابقة وربما تدخل في صدامات جديدة مع الإدارة الديمقراطية، أو تقدم على خطوات تشير إلى تعديل منهجها في قضية الحريات بشكل عام، وبدا التقدير الثاني أقرب إلى التحقق عقب قيام السلطات المصرية بالإفراج عن المئات من المعتقلين على ذمة قضايا سياسية.
وأكد جهاد عودة، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة حلوان في القاهرة، أن مصر لن تغيّر طريقتها في التعامل مع حقوق الإنسان، لكن سوف تتواءم مع قدرتها على التكيّف وفق المتغيرات التي تحدث مع وصول بايدن إلى الرئاسة الأميركية.
وأضاف لـ”العرب”، أن الدولة المصرية لديها ثوابت في ملف حقوق الإنسان لن تتنازل عنها مهما كان حجم الضغوط الرامية إلى التدخل في سياساتها، وترفض تطبيق معايير حقوقية لا تتناسب مع البيئة المحلية، في ظل استمرار خطر الإرهاب، وعمل منظمات غير شرعية لحساب تيارات تراها معادية.
وأشار إلى أن المعضلة في مصر لن تكون مع بايدن كرئيس صاحب الخطط الاستراتيجية في أميركا، بل في نائبته كاميلا هاريس، فهي مهتمة بالقضايا الإنسانية والحريات.
وتدرك الحكومة المصرية مدى تحول ملف حقوق الإنسان إلى أداة ضغط سياسية عند بعض الدول لتحقيق مصالح بعينها، وتتملكها قناعة بأن أي دولة تضغط في هذا الإطار تسعى من ناحية ثانية إلى فرض سياسات بعينها، لأن حقوق الإنسان عموما ليست قضية حاسمة في العلاقات الدولية، بعكس الاقتصاد والأمن والمسائل الاستراتيجية.
وجاء تفجير قضية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والقبض على ثلاثة من المسؤولين فيها ليعزز وجهة نظر عدم وجود تغير في التعامل المصري، وأن الحكومة ماضية في تقديراتها لهذا الملف بعيدا عن أي ضغوط خارجية.
وتعرضت القاهرة في الفترة الماضية إلى انتقادات حادة من منظمات حقوقية دولية، وصدرت بيانات وتصريحات من مؤسسات غربية رافضة لطريقة التعامل الراهنة مع هذا الملف، وهو ما ردّت عليه الحكومة المصرية بأن هناك مبالغات متعمدة، ورغبة في تضخيمه تخدم أجندات المعارضة الإسلامية.
ورجحت دوائر سياسية انخفاض مستوى التعويل على إدارة بايدن الجديدة لتحويل ملف حقوق الإنسان إلى أداة قوية لممارسة ضغوط على القاهرة، بعد ظهور تحولات كبيرة في مصر، وانخفاض مستوى فعالية هذه الورقة عالميا.
ونجح النظام المصري في ترتيب أوضاعه داخليا، وقوض أجنحة المعارضة، وأصبح أكثر تماسكا وقدرة على مقاومة الضغوط في هذا الملف، وربما تسمح نتائج التوقيفات الأخيرة لقيادات في المبادرة المصرية بجس نبض مواقف قوى خارجية.
وقال علاء شلبي، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن مصر اتخذت خطوات مهمة للتقدم في الملف بتعزيز المساءلة الجنائية في جرائم التعذيب وسوء المعاملة والمحاسبة التأديبية عند التعسّف في استخدام السلطة، ووضعت قانونا لتنظيم العمل الأهلي في ضوء مشاورات موسعة مع 1300 جمعية أهلية ومنظمة غير حكومية.
وأوضح لـ”العرب”، أن الخطوات السريعة التي اتخذتها الحكومة في ملف حقوق الإنسان، جاء الوقت لتكتمل بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي، وإغلاق ملفات الملاحقة القضائية لبعض الناشطين الحقوقيين.
ولفت إلى أن فتح صفحة جديدة مع البدء في تطبيق هذا القانون يشكل المدخل الصحيح لإنهاء الأزمة وتقويض إمكانية استخدام ملف حقوق الإنسان للضغط سياسيا على النظام المصري.